قبل خمسين عاما طرحت بريطانيا والولايات المتحدة في سلسلة الأحلاف العسكرية التي كانت تحيط بها الاتحاد السوفييتي ودول شرقي أوروبا مشروع حلف لمنطقة الشرق الأوسط عرف باسم حلف بغداد، وانضم للمشروع باكستان وإيران الشاه، وتركيا، وكان قلب الحلف عراق نوري السعيد ومارست الدولتان “كانت بريطانيا آنذاك في الصف الأول، وهي الآن في الذيل” ضغوطا شديدة على مصر، وكانت بريطانيا تصر على ربط الجلاء عن مصر بانضمامها لهذا الحلف، ورفضت الولايات المتحدة بيع أي سلاح لنا إلا في إطاره، ولم تحصل القاهرة على شيء يذكر في مقابل قبولها برنامج “النقطة الرابعة” الأمريكي، ولم تكتف مصر عبدالناصر برفض الحلف بل سعت إلى إقناع الدول العربية المستقلة آنذاك برفضه بدءا بالمملكة العربية السعودية، ثم مارست الدولتان مساندة لسورية للحد من ضغط العراق عليها فرفضت دمشق الحلف ومبدأ الأحلاف العسكرية مع الدول الكبرى، وتابع لبنان هذا التيار العربي الغامر، وكان لهذه الوقفة “المضرية” من العرب تأثير كبير على حركة التحرر الوطني في آسيا وإفريقيا، فقد تلا ذلك في العام نفسه مؤتمر باندنج لتصفية الاستعمار وفي العام التالي قمة بريوني وانطلاق حركة عدم الانحياز·
ومشروع الشرق الأوسط الكبير الذي تطرحه واشنطن وبدأ بعض منا الترويج له وهو طبعة أخرى من حلف بغداد وأكثر سوءا إذ إنه يفتح الباب واسعا لأمريكا لتزج بنفسها في الأمور الداخلية للدول الأطراف في المشروع باسم “الديموقراطية” تماما كما قتل أسلافهم سكان “العالم الجديد” باسم المسيحية أحيانا وباسم المدنية أحيانا أخرى، ويضاف إلى ذلك أنه ليس موجها نحو طرف خارجي كما كان حلف بغداد ضد الاتحاد السوفييتي، ولكنه طعن متوال فينا نحن العرب أيا كانت ديانتنا وإن خفي التركيز أساسا على الإسلام والحضارة العربية الإسلامية، ويكفى أن نشير إلى طعنتين قاتلتين الأولى: تقسيم العرب بفصل المشرق عن المغرب وربط الأول بمجموعة دول غير عربية، الثانية: أن عرب المشرق سيكونون أقلية في الشرق الأوسط الكبير، فعددنا لا يتجاوز 172,5 مليون نسمة في حين أن سكان باكستان وحدها 145 مليونا، وإذا أضفنا إليها أفغانستان وإيران وتركيا يبلغ عدد غير العرب 308 ملايين نسمة (أرقام 2002 من البنك الدولي) للمقارنة نذكر تقدير “التقرير الاقتصادي العربي الموحد “لعدد سكان الأقطار العربية بنحو 280 مليونا” |