وفي العام الماضي أيضا عقد منتدى التنمية اجتماعه السنوي في البحرين تأييدا لاتجاهات الإصلاح والمصالحة فيها وكان الحضور اكثر من 70 مشاركاً من أبناء المنطقة تعبيراً عن الأمل الذي أوجدته توجهات ملك البحرين الشاب في الإصلاح السياسي، وكان لبعض المشاركين لقاء مع جلالة ملك البحرين بناء على دعوة كريمة منه، لم يكن موضوع الإصلاح السياسي في البحرين بعيداً عنها، بل كانت كيفية العودة للعمل بدستور البحرين إحدى محاور ذلك اللقاء وكان الملك يستمع إلى الآراء، ويطلع على تجربة الكويت من الدكتور أحمد الخطيب الذي عاصر انقطاع وعودة العمل بدستور الكويت لعام 1962م، وأخبرنا أنه يستطلع آراء الخبراء الدستوريين من العرب والأجانب في كيفية العودة للعمل بدستور البحرين، وكان كل ذلك ينبئ عن أن ملك البحرين، حفظه الله، في سعيه للإصلاح ينشد الرأي ويشجعنا على إبدائه بعيداً عن منطق كون الإصلاح السياسي شأنا بحرينيا لا يسمح لأصدقاء البحرين بدخولها حتى من أجل الاستماع إلى ما يجري حوله من حوار حضاري رفيع تحت رعاية الملك وبفضل توجهاته الإصلاحية·
وبالمناسبة أيضاً كان لي شرف الحديث مع جلالته خلال ذلك اللقاء حول ما ذكرته في محاضرة ألقيتها في نادي العروبة في البحرين في شهر يوليو / حزيران 2001م، قبل ذلك بسبعة أشهر وبعد الاستفتاء على ميثاق البحرين بأقل من ثلاثة أشهر، جاء فيها تحت مدخل تعديل الدستور وفقاً لأحكامه: “في تقديري المتواضع أن أول المداخل الاستراتيجية لتكريس مبادرة سمو أمير البحرين هذه وإضافتها إلى مبادرة عبد الله السالم الرائدة في المنطقة يتمثل في إجراء التعديلات الدستورية وفق المادة رقم (104) من دستور 1973م”·
لقد توافق أهل البحرين في ميثاق العمل الوطني على إجراء تعديلين دستوريين، أولهما: “تعديل التسمية الرسمية لدولة البحرين بناء على الطريقة التي يقرها سمو الأمير وشعبه”، وثانيهما: "استحداث نظام المجلسين، بحيث يكون الأول منتخباً (····) “يتولى المهام التشريعية، إلى جانب مجلس يضم أصحاب الخبرة والاختصاص للاستعانة بآرائهم فيما تطلبه الشورى من علم”، كما جاء في الميثاق، وهذان التعديلان ليس ثمة خلاف عليهما من حيث المبدأ بين أهل البحرين، ومن السهل والمناسب إجراؤهما وفق المادة رقم (104) من الدستور بعد عودة العمل بالدستور، وانتخاب المجلس التشريعي، وفي هذا الإجراء إعادة تأسيس سليم للديمقراطية باعتبارها تعاقداً مجتمعياً متجدداً، وتكريساً للشرعية الدستورية التعاقدية التي يمثلها دستور البحرين لعام 1973م·
وقد استندت في اقتراحي على ما جاء في الميثاق وعلى ما نشر من لقاء سمو الأمير آن ذاك مع عدد من وجوه المعارضة البحرينية بتاريخ 8 شباط / فبراير 2001م، بعد أن صرح عبد الوهاب حسين - على إثر الاجتماع - بأن أمير البحرين أكد للاجتماع أن “المهمات التشريعية ستكون للمجلس المنتخب فيما سيكون المجلس المعين للمشورة والرأي”، وأن سموه قد أكد أيضاً أن “دستور العام 1973 لن يمس”، “والتغيير سيكون بموجب الآليات الواردة فيه”·
في ضوء هذه الخلفية والاهتمام والحب لأهل البحرين وأولهم جلالة الملك الذي تشرفت بمعرفته منذ مطلع الثمانينيات، كان منعي من دخول البحرين إجراء خارج السياق ولم أكن أتوقعه، ولو توقعته لما ذهبت، وتركت أهل البحرين وشأنهم فلن يقدم حضوري ضيفا على المؤتمر ولن يؤخر شيئا، ولست حريصاً على الخلافات وإنما أسعى دائماً أن أبدأ من منطلق التأكيد على القواسم المشتركة وأعمل مع كثير من الخيرين على تنمية خطاب مصالحات تاريخية على قاعدة الديمقراطية·
وقد تذكرت في طريق عودتي من البحرين على الطائرة نفسها حزينا، ما قاله أخي الكبير والصديق العزيز الدكتور محمد جابر الأنصاري في مقالٍ كتبه في جريدة الحياة في صيف عام 2002م حول تمتعي بالحديث عن الديمقراطية في البحرين، فخطر على بالي احتمال أن يكون الأنصاري من أصحاب العيون الحارة وأنه من حيث لا يقصد ولا يريد قد أصابني بعين أو “نظلني” على حد ما نقول في البحرين وقطر·
وعزائي في طريق عودتي من أقصر رحلة قمت بها إلى البحرين التي تضم أصدقاء أعزاء وتحتضن فيها قبر والدتي - رحمها الله وأسكنها فسيح جناته - التي اختارها الله في البحرين في مطلع الخمسينيات، أن المنع هو لهذه المرة وبمناسبة دعوتي إلى المؤتمر الدستوري الذي أتمنى لـه التوفيق والسداد بعد أن علمت بانعقاده، وللبحرين السلام والاستقرار واستمرار الحوار الحضاري الذي كرسته مبادرة جلالة الملك الإصلاحية·
الدوحة 16/2/2004 |