تعد هذه الكتابات تكملة لما طرحه الكاتب في حرب أم سلام مع إسرائيل البيان (2006/11/11) حيث تم استعراض التشابه في الوضع المصري إبان حكم الرئيس أنور السادات الذي اضطر الدخول في حرب مع إسرائيل بعد أن رفضت مشروع السلام الذي قدمه بالوضع السوري الحالي والذي يسعى لإيجاد مشروع سلام مع إسرائيل مشكّلاً نفس الاحتمال، وسنتطرق هنا إلى بعض المعطيات التي من شأنها التأثير على وضع الحرب والسلام في المنطقة·
شكلت الانتخابات الفلسطينية المعتمدة دولياً بشرعيتها زلزالاً امتد من مشارق الأرض إلى مغربها، فقد أعلن الشعب الفلسطيني لا للأبارتايد الإسرائيلي، فانهالت عليه اللاءات من كل حدب وصوب وطوق عليه طوقاً عالمياً بجانب الطوق الإسرائيلي بما فيه الجدار( جدار الأمن) لأنه قال لا،لا،لا· وبثبات اللاءات الفلسطينية أخرجت إسرائيل من مسلسل أضحوكة السلام· لماذا لا يعترف الغرب بدولة فلسطين بدون حدود ويمنح مواطنوها المواطنة المزدوجة تماما كما هو حال إسرائيل؟ لا تستطيع الولايات المتحدة التواجد في المنطقة تحت فراغ سياسي في فلسطين وإسرائيل (الناجم من الهزيمة العسكرية مع حزب الله بلبنان وانهيار مشروع السلام الفلسطيني) وسورية تطالب بالسلام، ومن جهة أخرى هناك الوضع العراقي والإيراني· وهنا نحن نتعامل مع مجريات إخماد وضع ليصبح من الممكن التعامل مع وضع آخر·
أتت وزيرة الخارجية الأمريكية إلى المنطقة بعد أن أعلنت إسرائيل عن إمكانية التعامل مع المشروع العربي إذا تم إزالة إعادة المشردين، طبعاً أتى الرد العربي لا مهزلة بعد اليوم· وبعد الاجتماعات الأمنية والخارجية للمجموعة الرباعية العربية التي قامت بها الوزيرة رجعت إلى واشنطن بقرار من ملوك ورؤساء الدول العربية بتثبيت قرار بيروت دون تغيير، وهكذا فشلت محاولة ثقب القرار العربي، وأدى ذلك إلى أن أفضل الحلول هو إيجاد منهج جديد يؤدي إلى الهدف المطلوب دون مراوغة وفي زمن محدد·
أما زيارة رئيسة مجلس النواب الأمريكي نانسي بيلوسي في ظل عدم حلحلة القضية العربية التي أصبح من الضروري إيجاد مخرج جديد لها،مما تمخض عن مبادرة مباحثات سلام إسرائيلية نقلتها بيلوسي إلى سورية والتي كانت تطالب بها منذ زمن، والسؤال هنا يطرح نفسه هل ستضع إسرائيل عقبات على نجاح هذه المفاوضات؟ إن أصدقاء إسرائيل في الكونغرس كثيرون ولديهم الأغلبية وتقدم المؤسسات الموالية لإسرائيل كل جهدها للمحافظة على ذلك، وهل أتت بيلوسي لإبراء ذمة الكونغرس؟ وذلك بأنها حاولت جمع الطرفين، وهل سيفتح الباب للبيت الأبيض بالضغط على إسرائيل ليتمكن من معالجة القضية الفلسطينية؟ أو أنه سيحتوي القضية الفلسطينية بعد إيجاد مخرج بين إسرائيل وسورية؟ إن حلم أي رئيس أمريكي أن يُخلد بعملٍ ما يطغى على أعماله السلبية إبان حكمه، فالاعتراف بفلسطين والسلام الإسرائيلي العربي دائماً في المقدمة·
أتت دولة إسرائيل في الأربعينيات من القرن الماضي لكسر التعايش بين الجاليات ليدخل الحقد والنميمة في قلوب اليهود من جهة والعرب والمسلمين من جهة أخرى، فلتنظر الولايات المتحدة إلى عهد الرئيس الراحل رولاند ريجن عندما أخرج الأبارتايد من جنوب إفريقيا لتصبح دولة أكثر استقراراً ولاعباً معترفاً به بين الدول الإفريقية، أو عندما وقف أمام حائط برلين ينادي جورباتشوف رئيس الاتحاد السوفييتي بهدم حائط برلين·
إنه بانتزاع النزعة الأبارتايدة من إسرائيل فقط سيكون هناك حقاً تطبيع إنساني بين اليهودي والعربي والمسلم، إنه من السذاجة توقع هذا التطبيع الإنساني بين ليلة وضحاها،أخيراً فهذا الحائط له تبعات نفسية عميقة لدى الإسرائيليين، لماذا نحن نقلق على أنفسنا؟إن الإجابة تتخطى الأمن إلى رفض وجود الهوية الإسرائيلية المعزولة وغير المعترف بها من شعوب دول الجوار، إنه كابوس يرجعهم إلى ستين سنة خلت·
العرب أم إسرائيل؟ لقد استعرضت الوجود المكثف لأصدقاء إسرائيل في الكونغرس الأمريكي وذلك الخيط بين المؤسسات اليهودية الأمريكية الذي يبقيه متماسكاً، وهنا نطرح استعراضاً آخر ماذا لو انقطع هذا الخيط وتفرق الأصدقاء؟ ماذا لو تعاظم الدور العربي الإسلامي في أمريكا، فقد شهد الكونغرس أول مسلم يقسم الولاء على القرآن الكريم، ومن جانب آخر فالمصالح الأمريكية في المنطقة حاليا يتم السيطرة عليها بوضع البراغماتية الأمريكية في مقدمة سياستها، وها هي تعيد ترتيب الشرق الأدنى كما يحلو لها دون اكتراث لهذه أو تلك الدولة·
إن جميع دول العالم وعلى درجات مختلفة متهمة باختراق حقوق الإنسان، ولكن القليل منها متهم بجرائم حرب ضد الإنسانية ومنها إسرائيل، ماذا سيحدث إذا كُشفت هذه الملفات أمام الرأي العام للشعب الأمريكي، هل سينقطع ذلك الخيط؟ إنه من الهراء مقارنة إسرائيل بأنها حليف لأمريكا وأن العرب أصدقاؤها، فلتعلن الولايات المتحدة كم عدد الشبكات التجسسية الإسرائيلية التي تم كشفها في أمريكا وعدد من اعتقلوا مقارنةً بشبكات التجسس العربية في أمريكا، فمن هو الحليف هنا؟
ربما يعتبر البيت الأبيض هذه الخطوة لبيلوسي انفتاحاً في علاقة بينه والكونغرس خاصة بعد أن ربطوا الميزانية الإضافية لحرب بالعراق بالانسحاب منها خلال سنة، وهذا يشكل الوضع الساخن الثاني (العراق وإيران) الذي يجب أن تتعامل معه الإدارة الأمريكية، فإذا قرر البيت الأبيض الحرب على إيران فلا بد أن يحصل على قرار من الكونغرس، ويتساءل البعض هل هذا التنامي في المقدرة العسكرية الأمريكية بالعراق موجه للمحافظة على الأمن العراقي أم مشروع أكبر من ذلك؟
كثرة الأسئلة تبعثر الأجوبة والسؤال واحد حرب أم سلام مع إسرائيل؟ إننا متفائلون لفتح الباب أمام سورية ونتطلع لفك الحصار عن الشعب الفلسطيني والذي يمثله حكومة واحدة ومجلس تشريعي منتخب يصوت من خلف قضبان السجون الإسرائيلية!
* كاتب إماراتي |