الدول العربية كالهرم في تدرجها: الرأس القوي ثم البدن الضعيف ثم الفاشل ثم الأساس الساقط في الأرض فأي عمق استراتيجي عربي هذا القائم على دول ساقطة وفاشلة وضعيفة؟ نعم هذا الوعي الذي يجب أن نتعامل معه بحق وكفانا برامج ولجان·
كنا تطرقنا في مقال سابق عن الدول العربية الفاشلة ( البيان 22/9/2006) وتم طرح معايير الفشل بأنها تلك الدول التي تتمثل فيها:
1- عدم القدرة أو الرغبة لتلك الدولة على حماية مواطنيها من العنف أو حتى من التدمير الكامل·
2- اعتقاد الدولة بأنها خارج نطاق القانون الدولي أو الداخلي مما يعطيها النزعة أو الرغبة لارتكاب العنف والقيام بالعدوان·
أما هنا فسيرتقي الطرح بنا إلى التساؤل في ما إذا كان هناك ارتباط بين الدولة الفاشلة وتلك الآيلة للسقوط ؟ وهل هناك معايير توحي بأن الدولة آيلة للسقوط؟ وهل هناك من إجراءات لعكس المسيرة في اتجاه معاكس لذلك السقوط ؟·
ظاهرة سقوط الدول ليست بجديدة في تاريخ البشرية،وفي التاريخ العربي المعاصر شهدنا سقوط اليمن الجنوبي وانتشال الكويت من سقوطها في يد صدام حسين،إنها ظاهرة تصب في مستقبلنا ويحق النظر إليها ولو باختصار فقد كتب روبرت روتبرج عام 2004 في كتابه "متى تسقط الدول" إن من أهم عوامل سقوط الدول:
1- جذر السقوط يكمن بمستوى العنف في الدولة الفاشلة وبتواجد حرب أهلية·
2- عدم استطاعة الدولة الفاشلة من السيطرة على الأماكن الجغرافية المختلفة في الدولة·
3- ازدياد حجم الجريمة وتقلص الحركة السياسية وعدم كفاءة الحكومة وانهيار في الخدمات العامة والبنية التحتية وتفشى الفساد وتزايد التداخلات الدولية الخارجية·
هناك كثير من المقاييس العالمية ( البنك الدولي) والتي يستطاع من خلالها اتباع مسيرة الدول إلى الضعف فالفشل فالسقوط،وفي السنوات الأخيرة تعرضت كثير من الدول للفشل والسقوط وتعتبر الصومال واحدة من الدول في أزمة مستمرة،وهنا يتساءل المؤلف ما الذي يدفع الدولة الضعيفة نحو هاوية الفشل والسقوط؟ ولماذا لم تستطع الصومال أن تقف وتقاوم الفشل بدلاً من الاتجاه نحو هذا السقوط؟ هذه الأسئلة تفتح الأمور للمداولة وإشعال الأفكار للخروج من الفشل وحتى من السقوط نفسه، إن العرب في مأزق تاريخي إما أن ينتشلوا أنفسهم أو يسقطوا في الهاوية، فإذا ما أخذنا المعايير أعلاه فإن الكثير من الدول العربية إما ضعيفة أو في حالة الفشل أو على شفا حفرة السقوط،فالسؤال الذي يطرح نفسه ماذا نستطيع أو بالأحرى ماذا تستطيع تلك الدول أن تقوم به لتفادي هذا الزلزال المدمر؟
يضيف المؤلف بأن استخدام العبارات الفاشلة والساقطة تشتمل آلية أو مسيرة للوصول لوضع كهذا وهو ليس بهذه السهولة،وليس من الممكن العبور من دولة ضعيفة إلى فاشلة دون عدم الاكتراث الكبير بما يحدث،إن عدم التدخل (ربما يتطلب دعماً دولياً وإقليمياً) في المراحل الأولى ومساعدة تلك الدول الضعيفة قبل أن تهوي وتصبح فاشلة في مسيرتها نحو السقوط الفعلي، والذي كعادته سيؤدي إلى نتائج غير محمودة إقليمياً ودولياً، فالعراق والصومال أصبحتا ساقطتين ويأتي الفشل العربي والدولي ليؤكد عدم استطاعته على انتشالهما،وبالواقع إن هذا الوضع يشكل بصمة حزن خاصةً إذا لم يتم إيقاف لبنان من السقوط مرةً أخرى في الهاوية،وتشكل الدول الساقطة عقدة في العلاقات الدولية وتأزم الأوضاع في هذه الدول يجلب عدم الاكتراث الدولي لمساعدتها·
أما إذا انتقلنا إلى الدول الضعيفة والفاشلة، يأتي علاج هذا التأزم في خيارين: الأول،كيف نساعد الدول العربية الضعيفة من عدم الوصول إلى مرحلة الفشل؟ والثاني، مساعدة الدول العربية الفاشلة على عدم السقوط؟، فإذا أخذنا الدول الفاشلة فالمؤلف يرى أن هناك خيارين خارجياً وداخلياً، إننا في العالم العربي ننبذ التدخل الخارجي ولدينا تلك الدول التي تستطيع أن تقف بجانب شقيقاتها العربية التي تعاني الضعف أو الفشل دون الرجوع إلى الهيمنة الأجنبية،ويرى المؤلف بأن إعادة بناء الدول التي انخرطت نحو الهاوية يعتمد على الركائز التالية:
1- الركيزة المؤسساتية: تتطلب تطوير كفاءة المؤسسات البيروقراطية (الحكومية) وإدخال المرونة والقدرة على بناء السياسات المختلفة والعمل على تنفيذها مما يؤدي إلى زيادة ثقة المواطن بالدولة وخاصةً إذا ما تم تشجيع العمل التجاري وتقوية المؤسسات القضائية·
2- الركيزة النفسية: بناء الثقة بالمواطنة وإقناع المواطنين بمواطنتهم، وللعامل الاقتصادي دور فاعل في ذلك،أما المرونة التي يجب أن تمتلكها الدولة فإنها ستملأ الفراغ الذي تولد أثناء التدهور إلى الفشل بينها وبين الطبقات الاجتماعية المختلفة مما سوف يساعد على بناء النفسية الصحيحة نحو التقدم (سياسة مد اليد)·
وهكذا تبرز الصورة العامة لإعادة بناء الدول،طبعاً ليس بتلك البساطة بل هي أكثر تعقيدا،فإذا ما نظرنا إلى تلك الدول الساقطة في الوحل ما الذي سوف يخرجها أو ما مقدار القوة التي تحتاجها لإخراجها من هذا الوحل،لقد مر العرب بتجربة الكويت ولبنان إبان الحرب الأهلية وما استطاعا الخروج من ورطتهما إلا بائتلاف دولي فعال·
تعتمد الدولة الضعيفة بصفة عامة على الركيزة المؤسساتية القائمة والتي أصبحت ضعيفة،فجرعة من إعادة ترتيب هيكلة النظام التنفيذي مصاحباً بضخ أموال خارجية (عربية) وتوسيع البنية التحتية وتبني مشروعات مختلفة سيؤدي إلى قفزة اقتصادية نحو دولة أقوى، أما الدولة الفاشلة فإنها تحتاج المزيد والمزيد من العمل المؤسسي والضخ المالي لإيقاف التدهور الذي تعانيه، وحتى يتسنى لها إعادة البناء فلا بد من إضافة البرنامج المختلف لرفع الثقة النفسية للمواطن وإعادة الوئام السياسي والاجتماعي للدولة·
الطرح أعلاه هدفه وضع الصورة العامة لبناء الوعي العربي على مدى قوة وخطورة الهيكل (الدول) الذي نعيش فيه والى أين نحن ذاهبون إن لم نقف لنرى ونتعامل مع واقع المستقبل برؤية جديدة ومختلفة· |