| حين يتأمل أي شخص متقدم في السن مثلي في ما يشهده العرب في هذه الأيام وما سيترتب عليه لابد أن تقفز الى ذهنه صورة ما جرى 1948 حين نشأت إسرائيل·
فقبل 55 سنة أعلنت الصهيونية إقامة دولة إسرائيل على أرض فلسطين، وكانت قد حصلت من الجمعية العامة للأمم المتحدة على قرار بتقسيم أرض فلسطين الى دولتين وأجرى مندوبون عنها رسما لحدود كل منهما، وقد رفضت الدول العربية أعضاء جامعة الدول العربية حينذاك قرار الأمم المتحدة، وأعلنت أنها ستحارب من أجل إلغاء التقسيم والحفاظ على فلسطين موحدة، ومنع الصهيونية من إقامة دولة لليهود، وذهبت جيوشها للقتال وكان عرضا لعدم الاستعداد الكافي والاعتماد على بريطانيا فقط في الحصول على السلاح كما كان لكل ملك أو أمير سياسته الخاصة ومصالح أنانية لا يمكن أن يفرط فيها، وكانت الهزيمة التي تحولت الى جرح في جسم الأمة العربية كلها والتي أدت الى سلسلة من الانقلابات العسكرية وتعدد الخلافات العلنية بين حكام العرب، ولكن أخطاء الدول العربية ذهبت الى أعماق القضية، فقد استبعدت قيام الدولة العربية في حدود التقسيم وكان المنطق يقتضي رفض التقسيم من حيث المبدأ والاحتفاظ للفلسطينيين بجزء من أرضهم، وقد مكنت الهزيمة إسرائيل من التهام %40 من الأرض التي خصصتها الأمم المتحدة للفلسطينيين، بل إن بعضا من الدول العربية دعت الفلسطينيين الى مغادرة أي أرض تحتلها إسرائيل “المزعومة في لغة السياسة والإعلام حينئذ” وكانت تلك خدمة عظمى لهذه الدولة التي ولدت سفاحا والتي تريد أرضا خالية من السكان حتى تبقى إسرائيل وسكانها من اليهود ولذلك فقد دعت كل يهود العالم للهجرة الى أرض شعبهم التاريخية التي منحها الله لقبائلهم الإثنتي عشرة·
وفي 2003 رفض صدام بشدة أي محاولة لفض النزاع مع أمريكا سلميا وظل وزير إعلامه ينذر أمريكا وحلفاءها بالويل والثبور وعظائم الأمور الى أن اختفى فجأة مع صدام ونحو خمسين من قيادات البعث والحكومة، ولا نعرف أين هم: تحت الأرض أحياء أم أموات، في مكان ما داخل العراق أم خارجه، مجتمعين أو متفرقين؟! الخ، وقد تركوا خلفهم جهاز دولة انهار بالكامل، وكأنهم يعاقبون الشعب على عدم الاستشهاد دفاعا عن صدام·
وتاريخ الرجل يذكرني بتعبير قاله عبدالعزيز فهمي باشا حين كان رئيسا لمحكمة النقض حين نظرت المحكمة قضية البراري الشهيرة: قال وبيده الملف “هذا كله إجرام في إجرام·
لقد لعبت ثورة يوليو وقائدها العظيم جمال عبدالناصر دورا حاسما في إحياء مفهوم العروبة والقومية العربية جنبا الى جنب مع تغيير بنية الاقتصاد والمجتمع في مصر مستندا الى تأييد من كل الجماهير العربية لم يشهد قبله أو بعده أحد، هل تؤدي الكارثة الراهنة وتوابعها الخطيرة الى نهضة عربية جديدة ترسخ مفاهيم التحرر من التبعية والسير على طريق التنمية الشاملة المطردة وبناء قاعدة عربية للعلم والتكنولوجيا وتثبيت جناحي الديمقراطية السياسي والاجتماعي من دون مقايضة بينهما· |
