رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 9 أغسطس 2006
العدد 1740

إننا ظاهرة كلام فقط
د. فاطمة البريكي
sunono@yahoo.com

يبدو أننا شعوب ألفت الكلام أكثر من الأفعال، وهذا ما انطبع في أذهان الآخرين عنا على مدى السنوات السابقة التي كانت الحروب تُفرض فيها علينا، والمذابح تنتقل بيننا من بقعة إلى أخرى، ودماؤنا تسيل لتلون وجه الأرض في أماكن مختلفة من الجسد العربي، ولم يصدر عنا سوى الكلام، حتى أصبحنا نُعرَف بأننا ظاهرة كلام فقط ، لا نحسن سوى الشكوى·

إن ما يحدث على الأراضي اللبنانية يبدو أقرب إلى الخيال، وكأنه فيلم سينمائي يُشَاهد بصمت مبالغ فيه حرصًا على متابعة تفاصيله ومعرفة ما سيحدث في النهاية، وهل سينتصر الخير كالعادة - في الأفلام طبعًا- أو سيكون النصر حليفًا للشر هذه المرة؛ فمنذ أن بدأ العدوان الصهيوني على الجنوب اللبناني، متزامنًا تقريبًا مع عدوانه على قطاع غزة، التزم العالم بأسره الصمت، وبعد أن أخذ الجيش "الإسرائيلي" يتمادى في عدوانه لم يبقَ عذر لالتزام الصمت، عربيًا وعالميًا، لذلك بدأت بعض الأصوات تتصاعد بخجل حينًا، وبخوف حينًا، وبكثير من المجاملة في أحيان كثيرة بعضها يطالب "إسرائيل" بضبط النفس، وبعضها يطالبها بوقف العدوان وعدم استهداف الأطفال والنساء والمدنيين العزّل·

ولكن الجيش "الإسرائيلي" الجبار لا يلتفت لمثل هذه الأصوات التي لم يكن من بينها صوت واحد جادّ أو ملزم، أخذ يتمادى، وقصف وقتل وشرّد ما شاء أن يقصف ويقتل ويشرّد، غير آبهٍ بما يخلفه خلفه من دمار على جميع المستويات، ولا بأصوات الأمهات الثكالى اللواتي يقطعن نياط القلوب ببكائهن حرقة على صغارهن الذين قضوا دون أن يكون لهم ذنب في كل ما يجري حولهم، ومع هذا فإن قذائف العدو وصواريخه لا تستهدف سواهم·

وأمام تمادي العدوان "الإسرائيلي" والتزامنا الصمت أولا، ثم الكلام الخجول، وبعد ذلك لجوؤنا إلى الشجب والاستنكار والتنديد بالممارسات "الإسرائيلية" الخارجة على كل الأعراف الحربية دون فعل حقيقي سوى بالتظاهر في بعض البلدان، وبتقديم التبرعات والمعونات في بعضها الآخر، أوقعنا أنفسنا موقع السخرية من قِبَل أحد السياسيين الأمريكيين، وهو زبجينو بريجنسكي، مستشار مجلس الأمن القومي الأمريكي الأسبق، إذ انتقد العرب جميعًا حكومات وشعوبًا، لأنه يرى أنهم ظاهرة كلام وشكوى، ولا يحسنون شيئًا سواهما·

لقد عبّر هذا الرجل عن رأيه في العرب بصراحة ساخرة إلى حد كبير، وكأنه يدفعنا دفعًا لأن نغيّر هذه الصورة التي ترسخت عنا منذ عقود، وهي على سلبيتها تبدو متمكنة منا، كما نبدو متمسكين بها·

يقول بريجنسكي، إنه من خبرته في جميع اجتماعاته مع العرب لم يرَ منا سوى الكلام والشكوى فقط! مع أننا نستطيع اللجوء إلى شيء آخر يتجاوز حدود القول إلى الفعل، ويكون ذا تأثير ضاغط على صناع القرار السياسي الأمريكي على المدى الطويل، مشيرًا إلى إمكانية استخدام البترول كوسيلة ضغط، أو سلاح إذا لزم الأمر، لتوجيه القرار السياسي الأمريكي الوجهة التي تخدم مصالحنا·

إننا نُنتَقَد من الآخرين لاكتفائنا بالكلام حين كنا نتكلم فعلا، وندين ونشجب ونستنكر، وقد حفظ العالم، شعوبًا وحكومات، ردود أفعالنا تجاه أي اعتداء علينا، أو أي تجاوز في التعامل معنا، مهما كان حجم الاعتداء، ومهما كان مقدار التجاوز فيه، حتى إن سالت دماء أبريائنا، ووصلت قذائف العدوان إلى أطفالنا ونسائنا وشيوخنا لتطفئ النور في عيونهم، إلا أننا في مأساتنا الحالية اكتفينا بموقف المشاهد والمتفرج، الذي يبدو وكأن الأمر لا يعنيه من قريب ولا من بعيد، حتى بلغ العدوان حدّا أصبح السكوت عليه عارًا ثقيلاً لا يُطاق، وقد يفوق في ثقله ما تراكم على كواهلنا منه خلال العقود الماضية، فإذا بنا ننتفض ونغضب غضبة مضرية ولكن بالكلام فقط أيضًا·

إن الكلام لم يعد كافيًا في هذه المرحلة، فإذا كنا قد خرجنا من حالة الصمت المخزي فإننا دخلنا في حالة الكلام المجاني وهي حالة لا تختلف كثيرًا عن سابقتها مع كونها ضرورية، ولكنها كانت ضرورية في وقت سابق من هذا العدوان، حين كان في بدايته، حين التزمنا والمجتمع الدولي الصمت في انتظار أن تقرر "إسرائيل" بنفسها أن توقف العدوان بعد أن ترى شلالات دماء الأبرياء تصب في الجنوب اللبناني فتنبعث الرحمة في قلوب أفراد حكومتهم فجأة وتقرر إيقاف العدوان! أما أن نبدأ الكلام بعد أن فعلت الجيوش "الإسرائيلية" ما شاءت من المذابح والمجازر في حق إخواننا في لبنان فإن هذا غير كافٍ وغير لائقٍ بنا أيضًا·

الوضع في لبنان بحاجة إلى فعل، إلى حركة، إلى القيام بشيء ما، غير الكلام وغير تقديم المعونات والمساعدات المادية والعينية، ولا يعني هذا المطالبة بتحريك الجيوش العربية الممتدة من المحيط إلى الخليج لنجدة إخواننا اللبنانيين وتحرير أرض فلسطين والوصول إلى العراق الجريح الدامي وتخليصه من الاحتلال الأمريكي البشع الذي جاء يحمل الديمقراطية المزعومة على الدبابات، فجيوشنا العربية قد اعتادت على الراحة وألفتها واستكانت إليها، ومن الصعب الآن مطالبتها بصورة فجائية بالخروج من حالة الراحة التي اعتادت عليها لعقود خلت، وما من حاجة ملحة إلى إزعاجها بالقيام بمهمة عسكرية في هذا الصيف الحارق!

ولكن هذا لا يعني أننا عاجزون تمامًا عن الفعل، وإذا كان الحل العسكري يبدو بعيدًا أو غير وارد، فإن حلا اقتصاديًا ذا بعد سياسي من الممكن أن يُتخَذ في حالة مثل هذه، ولنا في الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان - رحمه الله وطيّب ثراه - أسوة حسنة في هذا الأمر، ولا يزال القاصي والداني يتذكر كلمته التي يجب أن تُكتب بخيوط النور لتضيء لنا هذا الواقع المظلم، حين قال: ليس البترول العربي بأغلى من الدم العربي، وكان البترول العربي حينها سلاحًا ضاغطًا ومؤثرًا وفعالاً لوقف العدوان "الإسرائيلي" على الأراضي العربية·

وقد قال بريجنسكي منتقدًا العرب وميلهم إلى الكلام واكتفاءهم به: لو عرف العرب كيف يستخدمون سلاح البترول فسيكون في مصلحتهم، ولكن من خبرتي الطويلة في التعامل مع أنظمة حول العالم، وجدت العرب دائمًا ما يتحدثون فقط، يتكلمون من دون القيام بأي جهود جادة لتحقيق أغراضهم أو أهدافهم·

هذه فرصتنا لنقول للعالم إننا إن كنا لا نحسن سوى الكلام فقط، فإن كلامنا قد يكون في قوة الفعل أحيانًا، إن أردنا ذلك، أما أن نكون في موضع انتقاد الآخرين -الذين يُفترَض أنهم المستفيدون من صمتنا ومن كلامنا الشبيه بالصمت - فهذا ما لا يمكن قبوله، حتى إن كان الانتقاد صادرًا من سياسي أمريكي مخضرم، يعارض سياسة الرئيس الأمريكي الحالي، وطريقة إدارته للمواقف المختلفة خاصة في منطقة الشرق الأوسط·

جامعة الإمارات

�����
   
�������   ������ �����
الأشقاء الأشقياء
القارئة الصغيرة
الامتلاء من أجل العطاء
كيف نسكت ضوضاء نفوسنا
التفكير من أجل التغيير
تطوير العقول أو تغييرها
تطوير العقول أو تغييرها
انتقال الحذاء من القدم إلى الرأس
الكبيرُ كبيرٌ دائمًا
إنفلونزا الطيور تعود من جديد
معنى التجربة
السلطة الذكورية في حضرة الموت
الطيور المهاجرة
"من غشنا فليس منّا"
كأنني لم أعرفه من قبل
ثلاثية الحضور والصوت والكتابة
المطبّلون في الأتراح
بين الفعل.. وردة الفعل
التواصل في رمضان
  Next Page

وحدة من الثنتين
يا الحكومة.. يا الخرافي:
عبداللطيف الدعيج
أطفالنا يموتون بصواريخ بوش:
د.عبدالمحسن يوسف جمال
طريق البارود:
عبد العزيز خليل المطوع
قراءة في المواجهة المفتوحة بين إسرائيل وحزب الله:
د. نسرين مراد
رسالة:
على محمود خاجه
إننا ظاهرة كلام فقط:
د. فاطمة البريكي
الصهيونية والعروبة نقيضان لا يلتقيان:
د. لطيفة النجار
"ألا تخجل من كونك أمريكيا؟":
د. عبدالواحد محمد الخلفان
الحرب المنسية:
عبدالله عيسى الموسوي
صحيح... من يدفع الحساب؟:
يوسف الكندري
السلوك وحرب لبنان:
فيصل عبدالله عبدالنبي