أو بالعامية القاهرية "الكلام السايب"، أي الذي يفتقد الدقة والمصداقية· وهو في غير موقع الهزل مستهجن· ويقول أهلي في الصعيد "يمسك الرجل من لسانه" فإذا نطق بسيب الكلام فذلك نقص في رجولته، ويعظم الاستهجان كلما ارتفعت المكانة الاجتماعية· ورغم طول تجارب شعبنا مع حكام لا يقيمون وزنا للرأي العام، فإننا ما زلنا ننتظر ممن يشغلون مواقع المسؤولية الكبرى قدرا من الدقة وضبط اللسان يليق بأشخاصهم وبمناصبهم·
لهذا توقفت الأسبوع الماضي أمام تصريحين بالغي التسيب من حيث الكم أو الكيف· وأولهما منسوب لرجل في أعلى مستويات المسؤولية ورددته وسائل الإعلام يقول فيه إن التضخم في مصر بدأ في التراجع· ودون أن نزج القارئ في فوضي الأرقام الرسمية في شأن هذا المعدل (وزارة التخطيط، جهاز الإحصاء، البنك المركزي، وزارة المالية·· إلخ) التي تتفاوت حسب المصدر نقول ببساطة إن مصطلح التضخم يعني "غلاء أسعار كل شيء" وأترك لمواطنينا أن يقولوا لنا إذا كانوا أحسوا بانخفاض الأسعار أم ما زالوا يصرخون من جنونها، ورأي الملايين الذين يعايشون بالعناء ظاهرة الغلاء أكثر مصداقية من زعم أي مسؤول، ويرجع التضخم أساسا الى عجز الموازنة العامة للدولة الذي بلغ في السنة الماضية 52 مليار جنيه· ومن المؤلم أن نرى الحكومة تخفض الضرائب على الدخل (بنسبة %50) والمبيعات والجمارك على الأغنياء وكلها تعنى تزايد انخفاض الإيرادات، مع استمرار زيادة النفقات أي يتسع عجز الموازنة عاما بعد عام· فكيف يقول المسؤول أن التضخم تراجع؟!
والتصريح الثاني يباهى قائلة - وهو أدنى من سابقه في مستويات المسؤولية - بأن دوره النشيط في الخصخصة قد حقق للحكومة عائدا يتجاوز في فترة وجيزة الملايين، والمشكلة هنا أن "العائد" كما هو معروف هو ما يعود على المستثمر سنويا من استثمار معين كإيجار شقة مفروشة أو أرض زراعية، أو فوائد على ودائع، أو ربح صاف من نشاط صناعي أو خدمي·· إلخ·
أما ما نجح المسؤول في تحقيقه فهو ثمن بيع أصول إنتاجية يستخدم في سداد دين أو اتفاق جار، إنه أشبه بما يؤديه "وكيل التفليسة" إذ يثبت أن إجمالي ما يملك لا يكفي لسداد ديونه بالكامل، فيقرر بيعها وإجراء "قسمة الغرماء" بين الدائنين بحيث يخسر كل منهم من دينه النسبة المئوية نفسها التي تنقص بها قيمة ذمة المدين عن إجمالي ديونه، وقد يشكر وكيل التفليسة على جهده في التصفية السريعة إذا كان إشهار الإفلاس هو الطريق المتاح الوحيد للتصفية و"إغلاق المحل"·
لقد كثر الحديث مؤخرا عن "الإصلاح" وكثر تردد كلمة "الشفافية" واستخدمتها المؤسسات المالية الدولية كوسيلة للحد من الفساد في نشاط الحكومات، واهتم بها بعض من يكتبون في الصحف· ومع ذلك لم نقرأ في "الحوار الوطني المفتوح (في الصحف) أو المغلق في مجلسي الشعب والشورى" ذكرا لأي من ظاهرتين تنخران في عظام المجتمع المصري: الفساد والفقر، وأراني أرجع الى كلام أهلي في الصعيد، حيث لا يصدق الناس بسهولة ما يسمونه "كلام حكومة" أو "كلام جرايد"· |