وقع وزراء داخلية دول مجلس التعاون الخليجي في اجتماعهم التشاوري المنعقد في الكويت على اتفاقية أمنية لمكافحة الإرهاب، وقد تضمنت بنودا كثيرة تتعلق بمكافحة الإرهاب، وتبادل المعلومات الاستخبارية ومراقبة صرف الأموال وتحويلها، وأيضا تجفيف منابع تمويل الإرهاب، بالإضافة الى وضع آلية للتطرف المصحوب بالإرهاب، وعلى هامش تلك البنود، تم التشاور أيضا حول اتفاقية التنقل بالبطاقة الشخصية داخل منظومة دول مجلس التعاون·
من المؤكد أن قضية الأمن الداخلي لدول الخليج هي قضية مهمة وحساسة للغاية، ولقد تضاعفت الحاجة لصياغة تصور للأمن الداخلي مع قيام الثورة الإيرانية في العام 1979 وما شكلته تلك الثورة من تهديد مباشر لمفهوم الأمن الخليجي وقد تضاعف هذا الهاجس الأمني في أعقاب اندلاع الحرب العراقية - الإيرانية، وامتدادها الى منطقة الخليج فيما عرف آنذاك بحرب الناقلات، ولم تتراجع حدة ودرجة هذا الهاجس بانتهاء الحرب العراقية الإيرانية في العام 1988 بل تضاعف إثر خروج العراق من تلك الحرب كقوة عسكرية جبارة بقيادة ديكتاتور لا يخفي طموحه السياسي في السيطرة على منطقة الخليج ومقدراتها الاقتصادية، ثم تطورت الأمور في أعقاب غزو النظام العراقي للكويت وما تلاه من تدخل دولي لإخراج الجيش العراقي من الكويت بالقوة، ليكتسب مفهوم الأمن الخليجي بعدا عربيا وذلك مع إعلان دمشق، الذي صاغ الأمن في الخليج من وجهة نظر مصرية وسورية، وأضاف بعدا قوميا عربيا للأمن الخليجي مما أثار إيران والتي بدأت بالترويج للأمن الإقليمي في مقابل الأمن العربي الخليجي·
وانطلاقا من هذه النبذة المختصرة جدا للتحولات التي طرأت على مفهوم الأمن الخليجي، يدرك المراقب عن كثب لتلك التحولات أن قضية الأمن لدول الخليج لا تتجاوز ردود الأفعال لمخاطر أو لأحداث سياسية عابرة، وليس لاستراتيجية بعيدة النظر والغاية، ولا نستثني من ذلك مشروع الأمن الداخلي الذي اجتمع وتشاور وزراء داخلية مجلس التعاون حوله في لقائهم الأخير في الكويت·
حيث كان المحرك الأول لاتفاقية الخليج الأمنية الأخيرة هو ما تعرضت له المملكة العربية السعودية من أحداث إرهابية أوقعت الكثير من الخسائر البشرية والسياسية، وما أعلنه منفذو التفجيرات في السعودية من تهديدات للكويت وغيرها من دول الخليج، ولعل ما جاء في تصريح وزير الداخلية السعودي ما يؤكد على ذلك حيث أعلن عن فخره وتقديره لمن وقف مع المملكة وما لمسه من تلاحم وتعاون من قبل الإخوة في دول مجلس التعاون، والذي يعتبر أمرا طبيعيا وغير مستغرب من مجتمعات تربطها عقيدة واحدة ويجمعها هدف واحد ومصير مشترك·
إن الأمن الذي تحركه ردود أفعال لأحداث عابرة مهما بلغت من الحدة والأهمية، يبقى أمنا موقتا ومرهونا بتلك الأحداث، وهو ما يتناقض مع الحاجة للأمن كاستراتيجية دائمة ثابتة ومستمرة، قد تنقحها المستجدات من حولها لكنها قطعا لا تخلقها·
إن قضية الأمن الخليجي داخليا كان أم خارجيا هي القضية الأكثر حساسية، وجزء كبير من تلك الحساسية يعود الى فقدان الثقة بين الأنظمة السياسية لدول الخليج·
فالخوف من الهيمنة السعودية باعتبارها الدولة الأكثر ثقلا في منظومة دول مجلس التعاون كان دائما وراء تعثر الاتفاق الخليجي على تصور أمني موحد، هذا بالإضافة الى ما يلمسه المواطن الخليجي من تركيز مبالغ فيه أحيانا على اختزال قضية الأمن بشكل عام لتصبح مهمتها الوحيدة حماية الأنظمة السياسية وليس الدولة بمواطنيها ومقدراتها ومؤسساتها·
اجتماع وزراء داخلية دول مجلس التعاون الأخير كان اجتماعا تشاوريا، وما يميز الاجتماعات التشاورية - على حد تعبير الوزير القطري - عدم وجود جدول أعمال معد مسبقا، فالجميع قادمون للتوقيع على اتفاقية الإرهاب وليس مناقشة الاتفاقية، فهل يعني ذلك أن الفلسفة الأمنية الخليجية قد استمدت بعدا جديدا من تجربتها في مواجهة الإرهاب، أم أنها نسخة جديدة للفلسفة القديمة؟!
suad.m@taleea.com
|