ما إن أعلنت الإدارة الأمريكية عن مشروعها الرامي الى خلق شرق أوسط جديد·· حتى توالت المقالات والتحليلات التي تستهجن وتسخر من هكذا مشروع في زمن يفترض أن تكون فيه المجتمعات البشرية قد حققت تقدما ملحوظا فيما يتعلق بحق تقرير المصير، ومقاومة الهيمنة وإملاءات الآخرين وتدخلهم في شأن المجتمعات الضعيفة؟!
أبرع من كتب حول مشروع الشرق الأوسط الجديد الناشط السياسي وأستاذ علم الاجتماع من الجامعة الأمريكية في القاهرة· الدكتور "سعد الدين إبراهيم" والذي حذر في مقال له نشرته صحيفة "واشنطن بوست" من أن ولادة الشرق الأوسط الجديد ستكون ولادة متعسرة وحرجة!!
يتناول الدكتور "سعد" في البداية مسألة التعاطف العالمي مع الولايات المتحدة إثر هجمات الحادي عشر من سبتمبر، وكيف أنها فقدت الكثير من هذا التعاطف حيث اتضح للعالم أن حملة "الحرب على الإرهاب" ليست إلا برامج ومشاريع أمريكية للهيمنة يقودها طاقم المحافظين الجدد بزعامة "بوش الابن"!! خاصة بعد أن فقدت الولايات المتحدة مصداقيتها إثر فضيحة أسلحة الدمار الشامل العراقية والتي لم تتعد عن كونها لعبة أمريكية لكسب التأييد في غزوها للعراق!! يرى الدكتور "سعد الدين إبراهيم" أن التحول في الاستراتيجية الأمريكية للهيمنة من "حرب على الإرهاب" إلى مشروع خيري لترويج الديمقراطية في العالم· لم يحُسّن الصورة الأمريكية خاصة بعد موقفها من الممارسات الديمقراطية الصحيحة في فلسطين والعراق وفي مصر حين أتت الانتخابات بخلاف التوقع والرغبة الأمريكية!! فكان أن علنت الولايات المتحدة حربا باردة جديدة على الديمقراطية الإسلامية الآخذة في التنامي في منطقة الشرق الأوسط الساخنة!!
إن كل مافعلته الولايات المتحدة برفضها لحكومة حماس، ومحاولاتها محاصرة أي بروز للإسلاميين في الانتخابات العراقية، ثم دعمها الأهوج لسياسة "أولمرت" الحمقاء والعنيفة أثناء الحرب الأخيرة على لبنان· إنها عززت وبصورة كبيرة نفوذ وشعبية رموز وقوى الإسلام السياسي في منطقة الشرق الأوسط؟! ثم يقدم الدكتور "سعد الدين" إحصائية أجراها مركز ابن خلدون في القاهرة شملت 1,700 مصري، كدليل على مثل هذه الشعبية، حيث أيدت 75% الإجراء الذي قام به حزب الله في الحرب الأخيرة·· وتصدر "حسن نصر الله" قائمة أبرز 30 شخصية بنسبة 82%، واحتل الرئيس الإيراني "أحمدي نجاد" المركز الثاني بنسبة 73%· أما زعيم حماس خالد مشعل فقد جاء في المرتبة الثالثة بنسبة 60% وأسامة بن لادن بنسة 52%، والزعيم الإخواني محمد مهدي عاكف 45%!!
من الواضح أن قائمة مركز ابن خلدون لم تحو أياً من الرؤساء والزعماء العرب الحاليين؟! وهو أمر يعكس نظرة الشعوب العربية لزعمائها!
المخيف من وجهة النظر الأمريكية هنا أن كل تلك الرموز الإسلامية جاءت من خلال انتخابات أو إجماع شعبي قوي·· أي أنها تسير وفقا للمشروع الأمريكي الخيري الرامي الى نشر الديمقراطية في ربوع الشرق الأوسط؟! مما يعني أن رفض التعامل معها يعني أن الولايات المتحدة غير جادة في دعوتها لدمقرطة المنطقة؟!
تلك هي أساسات الشرق الأوسط الجديد الذي زرعته أمريكا ورعته لينقلب السحر على الساحر وكما هي الحال الآن!! مما يعني أن الرغبة الأمريكية في بناء شرق أوسط جديد، ستعود بنا الى نقطة البداية·· أي إلى مرحلة وضع أساسات جديدة!!
suad.m@taleea.com |