رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 2 أغسطس 2006
العدد 1739

حلقات الحياة
د. فاطمة البريكي
sunono@yahoo.com

تبدو الحياة بالنسبة للكثيرين منا كمجموعة حلقات بعضها متصل والآخر منفصل، ويختلف الناس في نظرتهم وكيفية تعاملهم مع هذه الحلقات فمنهم من ينغلق على حلقته الخاصة، دون أن يقيم علاقة مع ما يدور خارجها، ومنهم من يفتح قناة تواصل بسيطة بين حلقته وعدد من الحلقات الأخرى المنتقاة بعناية، ومنهم من ينفتح تمامًا على معظم الحلقات الأخر، ولا يكاد يضع فواصل بينها وبين حلقته الخاصة، لإيمانه بضرورة عدم انفصال حلقات الحياة التي تشترك في بعض الأسس·

ويبدو أن أصحاب الفئة الأولى هم تلك الجماعة من البشر الذين لا يهمهم سوى مصلحتهم الذاتية، أو الذين لا يعنيهم مما يحيط بهم سوى ما يتعلق تعلقًا مباشرًا بمصالحهم الآنية، معزولين تمامًا عن الحلقات الأخرى التي تمثل المحيط الخارجي لهم بمستوياته المختلفة· ومثل هذه الفئة لا تلقي بالا لما يدور حولها، ولا تهتم بما يحدث من صراعات، أو بما يطرأ من تغيير على ما يتجاوز حدود حلقتها الخاصة على خارطة الحياة·

أما أصحاب الفئة الثانية فتمثلهم تلك الجماعة من البشر الذين يحرصون على الارتباط الجزئي بما يقع خارج حلقتهم الخاصة، ولكن دون أن يتمادوا في انفعالهم وتواصلهم مع تلك الحلقات إلا ضمن نطاق محدود، مرسوم سلفًا، يعرفون مداخله ومخارجه بدقة·

أما أصحاب الفئة الثالثة، فهم الذين لا يضعون أي حدود فاصلة واضحة أو غير واضحة بينهم وبين العالم الخارجي المحيط بهم، فتتداخل خيوط حياتهم وملامحها مع خطوط الحياة وملامحها، بكل ما يحدث ويستجد حولهم على كافة الصعد والمستويات·

ولا يمكن البتّ في نسبة وجود كل فئة من هذه الفئات الثلاث في أي مجتمع، ولا تحديد الأغلبية منها والأقلية، ولكن الذي يمكن البتّ فيه وتأكيده هو أن كل مجتمع لابد أن يتشكل أفراده من مزيج من هذه الفئات الثلاث، وهو ما يحدث نوعًا من التوازن المطلوب فيها· مع ملاحظة أن تشكّل نفسية الفرد وفق واحدة من هذه النماذج الثلاثة الممثلة لعلاقة الفرد بالمحيط حوله يحدث بصورة غير واعية، بحيث يُدْخِل الفرد بعض العناصر لحيز دائرته، ويخرج منها عناصر أخرى، في عملية تخضع بشكل شبه تام لنظرته الخاصة وترتيبه لأولوياته، ولما يبدو من وجهة نظره مهمًا أو غير مهم·

وإذا كانت الفئة الأولى تكتسي مسوحًا من أنانية لا يمكن تقبلها أو تبريرها، فإن الفئة الثانية تمثل محاولة لخلق أداة تواصل بين الفرد وما يحيط به في الحلقة التالية مباشرة لحلقته، أو لحلقات أخرى معدودة محدودة تالية لها· إلا أن الفئة الثالثة هي الفئة التي تمثل تواصلاً حيًا وحقيقيًا بين أصغر الحلقات وما يحيط بها من حلقات لا نهائية تتداخل معها في قضية أو عدة قضايا·

ويمكن التمثيل حاليًا على فكرة الحلقات والفئات التي تمثلها في المجتمع العربي بما يحدث حاليًا في الأراضي المحتلة الفلسطينية وفي الجنوب اللبناني· إننا جميعًا ندرك حجم العدوان "الإسرائيلي" الغاشم الذي يعانيه الإخوة في هذين البلدين العربيين، ويبدو أننا جميعًا -العرب- نتفق على كون هذا العدوان غير عادل ومفرط في القوة وفي ردة الفعل، ولكننا في مواقفنا الواقعية المعلنة نتوزع على الفئات الثلاث السابقة في نظرتنا إلى حلقات الحياة إذ نجد من بيننا من "لا يسمع ولا يرى ولا يتكلم" ولا يجد في نفسه دافعًا يدفعه إلى قول كلمة حق فقط، دون أن يُطلب منه أكثر من ذلك، وألا يلتزم الصمت أو يمتنع عن الإدلاء برأيه في بعض المواقف التي تحتاج إلى ذلك كالتصويت في أحد المواقع الإلكترونية -كموقع السي إن إن أو البي بي سي- حول مشروعية العدوان "الإسرائيلي" على الجنوب اللبناني·

إن عدد الذين يصوتون ضد العدوان لا يُقارَن مع عدد الذين يصوتون معه، ومعنى هذا أن الذين صوتوا معه هم من غير العرب والمسلمين غالبًا، وقد صوّت عدد من العرب وغير العرب ضدّ العدوان ولكن نسبة أصواتهم جاءت أقل كثيرًا من نسبة أصوات المؤيدين· ولو كان كل فرد من أفراد الشعوب العربية والإسلامية شارك في مثل هذا التصويت لكانت النتيجة قطعًا مختلفة تمامًا، ولكن مشكلتنا تكمن -في أحد جوانبها- في أننا لا نخرج عن حلقاتنا الخاصة، ونعتقد بعدم جدوى القيام بمثل هذه الأمور التي تبدو بسيطة في مظهرها، ولكنها كبيرة في قيمتها·

ومما لا شك فيه أن الفئة الثانية التي تخرج عن نطاق حلقتها الخاصة في حدود ضيقة ومدروسة موجودة فعلا في مجتمعاتنا، وقد تبدّت في هذا العدوان من خلال أولئك الذين اكتفوا بالقول في المجالس الخاصة، أمام الأصدقاء والأهل وبعض زملاء العمل، بعدم شرعية هذا العدوان، ولم يتجاوزوا في رفضهم له هذه الحلقة التي تتلو حلقتهم الخاصة مباشرة، وهو خروج بسيط، وفي نطاق محدود، عبروا فيه عن رأيهم ضمن أضيق الحدود، ولكن صوتهم لم يصل إلى أبعد من هذا·

أما الفئة الثالثة، التي تندمج وتتفاعل مع ما يحدث حولها، ملغية جميع الحدود والفواصل بين حلقتها الخاصة وغيرها من الحلقات الأخرى فقد ظهرت خلال الأزمة الحالية المتمثلة في العدوان "الإسرائيلي" الهمجي على الجنوب اللبناني من خلال الذين حملوا أقلامهم وكتبوا رافضين هذا العدوان، أو من خلال أولئك الذين قاموا بمظاهرات سلمية نددوا فيها بالعدوان، وطالبوا بفتح باب الجهاد، وغير ذلك من مظاهر وصلت فيها أصوات رفضهم واستنكارهم لما يمارسه العدو الصهيوني بحق إخواننا في فلسطين ولبنان من عدوان وحشي لا يمكن تبريره، مع الإلحاح على محاولة إيجاد فرص أخرى للتعبير عن هذا الرفض بكل شكل يمكن أن يُتاح أمامهم·

ولأننا لا ننفصل عن بعضنا، ولا ننفصل عن قضايانا، ولا ننفصل عن إخواننا الذين يقاسون أشد أنواع العدوان الهمجي على يد العدو "الإسرائيلي"، أرى أنه ينبغي لنا أن نخرج قليلا عن حدود حلقتنا الذاتية الخاصة، وأن نفتح قلبنا وعقلنا لاستيعاب الحلقات الأخرى، وإيجاد مكان لها في دائرة اهتماماتنا، وهذا يتطلب منا أن ننفتح على قضايانا، وأن نكون أكثر وعيًا بها، وألا نجعل للذاتية والسلبية سبيلاً إلينا، وألا نستهين بالكلمة، لأننا قد تخاذلنا عن الفعل، فلا يحسن بنا أن نتخاذل عن القول أيضًا·

 

جامعة الإمارات

sunono@yahoo.com

�����
   
�������   ������ �����
الأشقاء الأشقياء
القارئة الصغيرة
الامتلاء من أجل العطاء
كيف نسكت ضوضاء نفوسنا
التفكير من أجل التغيير
تطوير العقول أو تغييرها
تطوير العقول أو تغييرها
انتقال الحذاء من القدم إلى الرأس
الكبيرُ كبيرٌ دائمًا
إنفلونزا الطيور تعود من جديد
معنى التجربة
السلطة الذكورية في حضرة الموت
الطيور المهاجرة
"من غشنا فليس منّا"
كأنني لم أعرفه من قبل
ثلاثية الحضور والصوت والكتابة
المطبّلون في الأتراح
بين الفعل.. وردة الفعل
التواصل في رمضان
  Next Page

وهذه الفتوة علاما؟!:
سليمان صالح الفهد
وسيبقى سلاح المقاومة مرفوعاً:
د.عبدالمحسن يوسف جمال
الحرب التي فضحتهم..!:
عبدالخالق ملا جمعة
الهزيمة:
المحامي نايف بدر العتيبي
قراءة في المواجهة المفتوحةبين إسرائيل وحزب الله:
د. نسرين مراد
وتاليها يعني..؟:
على محمود خاجه
العقلية الهوائية:
صلاح مضف المضف
حلقات الحياة:
د. فاطمة البريكي
"لقد بان الصبح لذي عينين":
د. لطيفة النجار
كلنا حزب الله:
عبدالله عيسى الموسوي
بيروت... يابيروت؟:
د· منى البحر
محطات:
يوسف الكندري
الشعب الملهم:
فيصل عبدالله عبدالنبي