رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الاربعاء 30 رمضان 1426هـ - 2 نوفمبر 2005
العدد 1702

تركيا تطرق أبواب البيت الأوروبي
د. محمد حسين اليوسفي
alyusefi@taleea.com

يبدو أن ما أخفق الأتراك في تحقيقه بحد السيف في حصارهم لفيينا في العام 1683 قد يحققونه بالدبلوماسية في السنوات المقبلة· إذ وافق الاتحاد الأوروبي على النظر في طلب تركيا الانضمام إليه· وأمام الطرفين محادثات شاقة وطويلة لا يتوقع الوصول الى أي اتفاق قبل العام 2014 أو ربما الى أبعد من ذلك التاريخ كي تصبح تركيا عضوا كاملا في الاتحاد الأوروبي بحسب البي بي سي (3/10)· ولعل مرجع عدم قبول تركيا في الاتحاد الأوروبي بشكل فوري هو وجوب إذعانها للقوانين المرعية في الاتحاد، وهي كومة هائلة من القوانين تقع في ثمانين ألف صفحة وتشمل فيما تشمل - كما تكتب مجلة النيوزويك الأسبوعية 11/10 - موضوعات من قبيل نوعية الهواء ونقائه الى صحة ونظافة طعام الشارع وقوة السجائر وغيرها!!

وتركيا التي كانت ركنا أساسيا في التحالف الغربي أيام الحرب الباردة والتي انضمت الى حلف شمال الأطلسي الناتو في العام 1952 قد انتظرت هذه اللحظة بفارغ الصبر منذ مدة طويلة، فهي قد تقدمت بطلب الانضمام الى الاتحاد الأوروبي (السوق الأوروبية المشتركة) منذ العام 1964· ولم تكن مفاوضات اللحظات الأخيرة دون مفاجآت، إذ رفضت النمسا طلب تركيا وصدرت صحفها وهي تصف قبول أنقرة بالاتحاد بأنه "حصار جديد لفيينا"!! وهذا ما دعا رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان بالتصريح بأن "أوروبا إما أن تظهر النضج السياسي وتصبح قوة عالمية، أو أن تتحول في نهاية المطاف الى ناد مسيحي"·!!

ومن العجيب أن اليونان، العدو اللدود لتركيا كانت أكثر دولة من الخمس وعشرين دولة المكونة للاتحاد حماسا لانضمامها الى الاتحاد· وتعتقد اليونان أن دخول تركيا الى البيت الأوروبي سيؤدي بها الى الاعتراف بقبرص والى حل لمشكلتها المستعصية، علما أن الجزء اليوناني من قبرص عضو في الاتحاد· أما بالنسبة للشعوب الأوروبية، فقد لعبت ذاكرتها التاريخية دورا في مواقفها، كما يظهره استطلاع للرأي نشرته البي بي سي على موقعها (4/10)· فأقل شعب تأييدا لانضمام تركيا هم النمساويون الذين وافق %10 منهم فقط على ذلك، أما أكثر الشعوب فهم المجريون، فقد وافق نصفهم· ومن المعلوم أن المجر قد انفصلت عن النمسا بعد الحرب العالمية الأولى فيما كان يعرف بالإمبراطورية النمساوية المجرية التي تأسست في العام 1867·

والحق أن الرأي العام الأوروبي منقسم على نفسه حول جدوى قبول بلد مسلم يربو سكانه على السبعين مليونا يعيش %20 منهم دون خط الفقر· وينظر بعض سياسيوه الذين هم خارج السلطة كالرئيس الفرنسي السابق فاليري جيسكار ديستان بعين الريبة لحماسة الداعين لقبول تركيا في الاتحاد كبريطانيا مثلا الذي يرى ديستان أن مبعث حماستها هو رغبتها في "وأد" الاتحاد بتوسيعه بدلا من تصليب عوده بتعميق الصلات بين مكوناته الأساسية (جريدة الأندبندنت 2/10)· وإذا كان الشعبان الفرنسي والهولندي قد رفضا دستور الاتحاد والاتحاد ما زال "بيتا أوروبيا خالصا" يحمل حضارتها، فما عساهما أن تقولا حينما تطؤه أقدام غريبة!! ولعل مثل هذا التوجه جعل وزير خارجية بريطانيا جاك سترو يذكر بخطورة أن تجد مقولة "صراع الحضارات" مصداقية لها من الواقع في حال رفض طلب تركيا·

وقد أذكى تردد أوروبا هذا الروح القومية في تركيا، خاصة أنه ترافق مع مطالبات يرى فيها القوميون المتعصبون إيذانا بتفتيت الدولة التركية كما جرى لسلفها الإمبرطورية العثمانية· وتبرز على قمة المطالبات المثيرة تلك إقرار تركيا بالمسؤولية التاريخية عن مذبحة الأرمن التي جرت في العام 1915 وإعطاء مزيد من الحقوق القومية للأقلية الكردية التي تشكل نحو %20 من جملة السكان· وقد رفضت الحكومة التركية السماح لعقد مؤتمر كان من المزمع مناقشة مذبحة الأرمن تلك، واعتقلت أحد مثقفيها البارزين ويدعى أورهان باموك لأنه استخدم وصف Genocide (الإبادة) للتعبير عما جرى للأرمن· أما بخصوص الأكراد فقد سمح أخيرا بتدريس لغتهم القومية في مدارسهم الخاصة، وهم على العموم يعيشون حالة إملاق وفقر· فمقارنة بالمناطق التركية الأخرى حيث ينعم فيها السكان بدخل قريب من المستوى الأوروبي، فإن مستوى الدخل في المناطق الكردية شبيه بذلك الموجود في الهند كما تكتب جريدة الكرستيان سينس مونيتور الأمريكية (31/8) حيث ترتفع البطالة لتصل الى %60·

والواقع أن تركيا لا ينقصها الكثير للدخول الى البيت الأوروبي، وما ينقصها حاليا يمكنها سده في الفترة الانتقالية· فهي نظام علماني منذ العام 1923 حينما ألغى مصطفى كمال أتاتورك (ومعنى أتاتورك أبو الشعب) نظام الخلافة العثمانية الذي امتد لستة قرون ونصف حيث تأسس في العام 1218· بل إن تركيا أشد علمانية من بعض الدول الأوروبية كبريطانيا مثلا التي لكنيستها الإنجليكانية دور رسمي· وهي نظام يحبو صوب الديمقراطية منذ أول انتخابات حرة جرت فيها في العام 1950·

وقد تدخل العسكر مرارا في السلطة (1960، 1971، 1980، 1997) إلا أنه يبدو أن القناعة بتداول السلطة قد تعمقت الآن تدعمها المتغيرات الدولية مما سمح لحزب "العدالة والتنمية" الإسلامي أن يشكل الحكومة إثر انتخابات جرت في الخامس من مايو العام 2000·

ولا شك أن دخول تركيا الى الاتحاد الأوروبي سيقوي الاتجاهات الديمقراطية والتحولات التقدمية فيها وبالأخص ما يتعلق منها بحقوق الإنسان والحقوق القومية للأقليات كالأكراد والعرب وغيرهم فضلا عن أنه سيؤصل النظام الديمقراطي فيها·

وستكون تركيا - كما يقول أحد الباحثين الأتراك لجريدة الكرستيان سينس مونيتور 3/10 - نموذجا لدول الشرق الأوسط والقوقاز ووسط آسيا، حيث ستمثل "اندماجا للثقافة الأوروبية والغربية بالثقافة الإسلامية"· وانضمام تركيا الى الاتحاد لن يعود عليها بالفائدة لوحدها بل أيضا على الجانب الآخر، فأوروبا التي تعاني من شيخوخة بحاجة الى 20 مليون من اليد العاملة في السنوات المقبلة، وهذا العدد يستطيع شعب تركيا الفتي أن يوفره·

إن دخول تركيا الى الاتحاد الأوروبي وقبولها "ببيت كل أعضائه من المسيحيين" سيمثل نقطة تحول تاريخية·

 

alyusefi@taleea.com 

�����
   

سلاح الكلمة الجادة :
د.عبدالمحسن يوسف جمال
لا تغيير بلا بديل!!:
سعاد المعجل
حوار مع الذات 6:
فهد راشد المطيري
حوار مع الذات 6 :
فهد راشد المطيري
انتكاسات البيت الأبيض وتداعياتها:
مسعود راشد العميري
تعديل الدوائر ·· تعديل لوضع البلد:
محمد بو شهري
حوار مع الذات 6:
فهد راشد المطيري
بلدية "باقر"!!:
المحامي بسام عبدالرحمن العسعوسي
متاهات عربية!:
عامر ذياب التميمي
تركيا تطرق أبواب البيت الأوروبي:
د. محمد حسين اليوسفي
قضيتنا المركزية :
عبدالله عيسى الموسوي
العولمة - المارد القادم:
كامل عبدالحميد الفرس
يقولون ما لا يفعلون··:
محمد جوهر حيات
عيـادي:
على محمود خاجه
ولد الديرة :
المحامي نايف بدر العتيبي