منذ أن أخذ التعليم في الكويت شكله الرسمي في نهاية الأربعينات كانت الجهود مركزة على برنامج محو الأمية في المجتمع الكويتي· وفي سبيل ذلك افتتحت مدارس مسائية تهدف إلى محو أمية القراءة والكتابة لدى كبار السن، بينما اتسع نطاق التعليم الرسمي للشباب على رقعة الأرض الكويتية، واعتبرت جهود دائرة المعارف ومن ثم وزارة التربية بعد الاستقلال نموذجاً لغرس جذور العمل الطيب الذي يمكن إنجازه بتوافر المال والعزم والتصميم· وعلى مدى العقود اللاحقة لبدايات برنامج محو الأمية أينعت الجهود الحكومية فانحسرت نسبة الأمية في المجتمع الكويتي إلى درجة قاربت فيها النسب المماثلة في الدول العربية، بل وحتى في عدد من الدول الصناعية المتقدمة· وعلى هذا الأساس ساد الاعتقاد أن الدولة نجحت في كبح جماح نسبة الأمية، وبخاصة أن الأجيال الشابة توافرت لها فرص التعليم النظامي المجاني حتى المستوى الجامعي، كما أن أنظمة التوظيف ساهمت بشكل إيجابي في تدفق الشباب على دور العلم ومعاهده، علاوة على أن الدولة جعلت المرحلة المتوسطة حداً أدنى في قوانين التعليم الإلزامي·

تقرير "السمات الأساسية للسكان والقوى العاملة 2000" الصادر عن قطاع التخطيط والمتابعة في إدارة التنمية البشرية بوزارة التخطيط، هذا التقرير يعكس ظاهرة غير متوقعة بحاجة إلى تفسير وتعليل· فالتقرير يبين أن نسبة الأمية بين السكان الكويتيين تبلغ 6.7 في المئة، وهي نسبة غير متوقعة في دولة تفاخر بأن جل دخلها الوطني يذهب في الاستثمار في تنمية الإنسان· ولا نعتقد أيضاً أن حركة تجنيس غير محددي الجنسية قد حسبت بعد في هذه الاحصاءات· وبذلك فإن نسبة الأمية أعلى دون شك مما بينه التقرير سالف الذكر· وإذا أخذنا بعين الاعتبار أن قوانين التجنيس في البلاد قوانين صارمة فإن ارتفاع هذه النسبة لا يمكن تعليله بوجود أفواج من الأميين المتجنسين الجدد· ويزيد التقرير بأن نسبة الأمية بين الإناث تبلغ أربعة أضعاف النسبة المناظرة للذكور، وفي الوقت نفسه فإن نسبة الحاصلين على الشهادات الجامعية بين الإناث أعلى من النسبة المناظرة بين الذكور·

والحقيقة التي لا بد من الإشارة إليها أن القضية بحاجة إلى عناية خاصة وتحتاج إلى تضافر جهود المؤسسات المعنية في الدولة لبحث أسبابها ومن ثم توصيف العلاج الناجع لتبعاتها· الأمية اليوم في العالم المعاصر تغير مفهومها من عدم القدرة على الكتابة والقراءة إلى عدم القدرة على التعامل مع الوسائط العصرية لمصادر المعرفة، ولذلك فإن ارتفاع نسبة الأمية التقليدية في المجتمع الكويتي يعد ضربة قاصمة لجهود الدولة خلال أكثر من نصف قرن·