رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 10 يناير 2007
العدد 1757

أمين سر شارون في كتاب جديد:
شارون اغتال عرفات بموافقة أمريكية

ستيفن لندمان*

أصبح ياسر عرفات في سنواته الأخيرة رجلاً محاصراً، ففي العام 2001 طوق الجيش الإسرائيلي مقره الرئاسي في رام الله ودمرّّ معظم مبانيه، وجعله سجينا في الداخل بالفعل الى أن اعتلت صحته اعتلالاً خطيراً، وجاء نقله الى باريس جواً في أكتوبر 2004 للعلاج متأخراً، خلال هذاالوقت خشي عرفات على حياته علناً وعبر عن اعتقاده بأن رئيس الوزراء الإسرائيلي أرئيل شارون ينوي قتله· ويظهر هذا المقال أن مخاوفه كانت مبررة، فعلى الرغم من عدم ظهور دخان يشيرالى النار حتى الآن، فإن الأدلة المقدمة أدناه تقترب اقتراباً كبيراً من الإشارة الى أن ياسر عرفات لم يمت بأسباب طبيعية، وكان على الأرجح ضحية تسميم·

الأكثر دلالة هو ما كشف عنه الآن أمين سر "شارون" "يوري دان" الذي نشر كتاباً في فرنسا في العام 2006 عنوانه "أرئيل شارون: صورة شخصية حميمة" اتهم فيه "شارون" باغتيال رئيس السلطة الفلسطينية عرفات بوساطة السم· وقال "دان" في كتابه إن شارون حصل على موافقة جورج بوش بالهاتف في أوائل العام 2004 للمضي في خطته بعد أن أخبر الرئيس الأمريكي أنه لم "يعد ملتزماً" بعدم تصفية الزعيم الفلسطيني الذي كان آنذاك تحت الحصار، ومحشوراً عملياً في ما تبقى من مبنى المقاطعة في رام الله بعد أن دمرّ الجيش الإسرائيلي معظم مبانيه·

خلال هذا الوقت كانت حكومة بوش قد أنهت اهتمامها بعرفات وصدرت عنها إشارات واضحة بأنها تريد إزاحته ووضع آخر مكانه، وهي خطوة اقتربت من موافقة مفتوحة على اغتياله، ولا يجب أن يشك أحد من الذين يعرفون سجل بوش كحاكم لتكساس بأن هذا هو نهجه في اتخاذ خياره، فبالعودة الى ماضيه، فمن المعروف أنه أباح تنفيذ أحكام بالإعدام أكثر من أي حاكم في تاريخ الولاية، إلى درجة أن البعض لقبه بلقب جلاد تكساس· فإذا صح أن شارون قال بأن "الرئيس الأمريكي تحت سيطرتنا" وهذا أمر مرجح، فهناك سبب أقوى حتى للاعتقاد بأنه حصل على موافقة مباشرة من الرئيس الأمريكي على قتل عرفات، ثم أمر بالتنفيذ·

مات عرفات في بارس في 11 نوفمبر 2004 عن عمر يناهز الخمسة والسعبين عاماً، وقد أخذ الى باريس في 29 أكتوبر من العام نفسه، وأدخل الى المستشفى لعلاجه من مرض لم يتم تشخيصه بدأ في أبريل، وأصبح على قدر من الخطورة احتاج معها الى عناية خاصة·

وربما كان الوقت متأخراً جداً في 3 نوفمبر حين وصل إلى باريس ودخل في حالة إغماء ظل فيها حتى وفاته بعد ثمانية أيام بسبب ما قيل يومذاك أنه اختلال دم معقد شرحه الأطباء الفرنسيون بالتفصيل  في تقرير من 558 صفحة·

وفي هذا التقرير وصف الأطباء الفرنسيون  خللاً معقداً أطلقوا عليه تعبير تجلط منتشر في الأوعية الدموية الداخلية سببه ورم وعدوى وقال بأن اوعيته الدموية أغلقتها تجلطات دموية صغيرة استنزفت صفائح الدم، واحتاج الأمر الى السيطرة على النزيف الذي يمكن أن ينجم عنه نزف وموت·

وأضافوا بالإضافة الى هذا أن التجلط المنتشر، هو شرط ثانوي، أي أنهم اعتقدوا أن السبب الخفي لمرض عرفات وموته كان شيئا آخر ليست لديهم فكرة عنه لأي سبب كان·

هذا الحكم يبدو غريباً على الأقل، وخارج المألوف وبخاصة بالنسبة لرجل في مكانة عرفات· فقد يكون ضحية عملية تسميم بطيئة من الصعب التعرف على نوع السم الذي استخدم فيها تعرض لها بهذه الطريقة أو تلك في مقره في الضفة الغربية، بحيث أصبحت إمكانية علاجه غير ممكنة ما إن وصل الى باريس على الأقل·

ولكن لم يتم عمل شيء للبرهنة على هذا تحديداً كما أكد طبيبه الشخصي طيلة أكثر من 25 عاماً  د·أشرف الكردي موضحاً أن خليفته كرئيس للسلطة الفلسطينية "محمود عباس" رفض السماح بإجراء تشريح للجثة· وقال الكردي، إنهم "لم يرغبوا في إجراء تشريح· فقد كانوا يتوترون حين تحدثهم عن التشريح، وقال عباس إن التشريح قد يحدث خللاً في العلاقات مع فرنسا"·

وفي لقاء صحافي لاحق، قال د· الكردي عن هذا الرفض "إنه غباء" وأنه لا يصدق أن التشريح سيزعج الفرنسيين، وأن التشريح في الأردن في حالة الشك بوجود جريمة إلزامي لتحديد سبب الوفاة·

وفي ضوء احتمال قوي بأن عرفات مات مسموماً، فمن المؤكد تقريبا أن الأطباء الفرنسيين سيكون راغبين في إجراء التشريح لو لم يتم عرقلة، ولو أنه تم فربما كان مزعجاً للعلاقات مع إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية، ومن المحتمل أن محمود عباس تلقى أوامره بالمشاركة في التغطية على الموضوع·

وهذا الاحتمال الأخير مرجح أكثر على أساس ماضي عباس الجاهز، منذ ذلك الوقت، للسير في طريق السياسة الإسرائيلية، والآن بعلاقات المشاركة الحميمة بينه وبين إيهود أولمرت في مواجهة حكومة حماس المنتخبة ديمقراطيا التي يقوم الإسرائيليون بجهود حثيثة لتدميرها·

من الواضح أن تشريحاً من أجل تحديد سبب وفاة عرفات كان أمراً مسموحاً به، ولو أن أحداً أجراه، فلن يكون معارضاً بذلك للشريعة الإسلامية التي تسمح بالتشريح طالما تم مع احترام للميت، وبأسرع وقت ممكن بعد الوفاة·

لقد مات عرفات في 11 نوفمبر، ودفن في 12 نوفمبر بجوار مباني مقره المدمرة في رام الله يرافقه، إطلاق نار احتفالي في الهواء، ووسط حشود كثيفة، وكانت النتيجة دفنا سريعاً على عجل لم يجر حتى وفق الطقوس الدينية الإسلامية·

وأزعج هذا الدفن السريع المفتي الشيخ تيسير التميمي الى درجة بالغة بحيث اضطر الى إخراج كفن عرفات لإعادة دفنه في 13 نوفمبر وهذه المرة بطريقة لائقة·

في أبريل من العام 2005، أجرى موقع "الشرق الأوسط" الإلكتروني، (Meddle East) لقاء مع د· الكردي أجاب فيه عن أسئلة بخصوص ما أصبح يدعى "اغتيال ياسر عرفات في الخفاء"، فقال "لو أن مسلماً مات لأسباب غير معروفة، فمن الواجب إجراء تشريح إلزامي، إنهم يعرفون هذه الإجراءات، وهنا في الأردن تشرح  الجثث في حالات الجرائم·· إن لدي شكاً في أن عرفات مات "بسم قاتل" وهذا هو سبب الموت"·

وكانت هناك شائعات في وقت وفاته بأن السبب هو الإصابة بالإيدز، إلا أن د· الكردي قال إنه أجرى على عرفات العديد من الفحوصات الخاصة بهذا المرض، كان آخرها قبل ستة أشهر من موته، ولم يثبت أي فحص وجود الإيدز·

وأكد أيضا بأن الزعيم الفلسطيني لم يكن يعاني من أمراض مزمنة باستثناء تورم يظهر في شفتيه ويديه· ولم يكن يعاني من مرض "باركنسون"· وأضاف د· الكردي ظهرت تغيرات في حالته الذهنية والجسدية بعد تحطم طائرته في ليبيا في العام 1992، ولم تنتج عنها مضاعفات أو تعقيدات تتعلق بالمرض الذي أودى به·

وأشار د· الكردي في هذا اللقاء الى أنه شاهد عرفات في اليوم السادس عشر من بدء مرضه، وقبل وقت قصير من أخذ الأردنيين له إلى عمان بالمروحية حيث أرسلت طائرة فرنسية لأخذه الى باريس· وأن أحداً لم يستدعه قبل ذلك بناء على تعليمات صارمة لقادة السلطة الفلسطينية من قبل زوجة عرفات (سهى)، ولكن حين استدعوه أخيراً وكانت معه مجموعة من الأطباء المصريين والتونسيين وفلسطينيين آخرين· ولاحظ آنذاك ما يعتقد أنه علامات على التسمم تظهرها بقع حمراء على وجهه ولون معدني أصغر على جلده· وقال د· الكردي، أنه في آخر مرة شاهد فيها ياسر عرفات حياً في عمان قبل أن يؤخذ الى باريس، لاحظ أنه فقد نصف وزنه، وغطت البقع الحمراء مرة أخرى وجهه، وظهر اللون المعدني الأصفر على جلده· وقبل ذلك، وفي رام الله قال عرفات إنه يعتقد بأنه جرى تسميمه وأنه يحتضر·

مرض عرفات وموته كان يجب أن يصبح مشكوكاً فيه أكثر، إذا عرفنا أنه قبل 14 شهراَ قرر المجلس الوزاري الأمني الإسرائيلي (المفارقة في 11 سبتمبر 2003)، "إزاحة" الرئيس الفلسطيني، مستخدماً متعمداً لغة مبهمة، تعني إما الطرد أو القضاء على حياته، وبعد هذا القرار الوزاري مضى إيهود أولمرت (وكان آنذاك نائباً لرئيس الوزراء) الى التصريح بوقاحة وعلناً للراديو الإسرائيلي بأن "السؤال هو كيف سننفذ هذا (أي إزاحته)؟ الطرد هو بالتأكيد أحد الخيارات، والقتل هوأحد الخيارات أيضا"·

وعلى إثر هذه التصريحات احتشد آلاف الفلسطينيين دعماً لرئيسهم خارج مبنى المقاطعة في رام الله حيث كان عرفات محاصراً منذ 18 شهراً، وتطوع الكثيرون ليكونوا دروعاً بشرية لحمايته بما في ذلك وفد من كتلة "السلام الآن" وفيها ناشطها الأكثر شهرة "يوري افنيري" الذي قال يومذاك "إنني أود المخاطرة بحياتي وأعمل كدرع بشري لإفشال نية شارون اغتيال عرفات·· وكذلك يفعل الكثيرون من زملائي"·

وفي لحظة معينة على وجود هذا الحشد خاطب عرفات الحشد قائلاً: "إذن نفذ نظام شارون الإرهابي (قبل بداية إصابته بالجلطة التي أفقدته)، تهديده بإبعادي أو اغتيالي، فإن الشعب الفلسطيني سيواصل وبحزم أشد الكفاح من أجل التحرر الوطني والدولة المستقلة"· وكان الرئيس الفلسطيني مدعوماً آنذاك من قبل الكثير من الحكومات التي أدانت تهديدات الحكومة الإسرائيلية الواضحة لحياته ووصفتها بأنها انتهاك كامل للقانون الدولي، وقد جعلتها أشد وضوحاً حقيقة أن الجيش الإسرائيلي كان قد دمّر سلفاً معظم مباني مقره ووضعه تحت الحصار·

إن الذين لديهم معرفة بتاريخ إسرائيل منذ أن أصبحت دولة في العام 1948، وقبل ذلك، فإن الكشف عن استهداف وتصفية ياسر عرفات، إن صح، لا يجب أن يكون مفاجئاً، فكل الحكومات الإسرائيلية لها سجل طويل ومقلق في ممارسة الاغتيالات في إسرائيل وخارجها بوصفها أعمالاً ملائمة لها ضد كل الأشخاص الذين تعتقد أنهم يشكلون تهديداً للدولة اليهودية· ومنذ أيامه الأولى في العام  1969 كرئيس لمنظمة التحرير الفلسطينية ثم كرئيس للسلطة، انتقل عرفات من عدو الى حليف، ومن ثم الى عدو مرة أخرى في عهد مختلف الحكومات الإسرائيلية بناء على استعداده للتنكر لحقوق شعبه خدمة وولاءً للسلطة الإسرائيلية كما فعل هو "ومحمود عباس" في التوقيع على اتفاقيات أوسلو أو إعلان المبادىء الذين تم التوقيع عليه في حفلة البيت الأبيض في سبتمبر  1993·

لقد كانت هذه اتفاقية من اتفاقيات جهنم، وعملاً من أعمال الاستسلام المخزي، إذ أعطت إسرائيل ما أرادت، وأعطت لعرفات ورفاقه "ممراً حراً للخروج من تونس" (حيث لجأوا حين أجبروا على الخروج من لبنان بعد الغزو الإسرائيلي في العام 1982)·

والعودة الى المناطق الفلسطينية المحتلة حيث وافق على الخدمة كمنفذ لتعليمات إسرائيل ضد شعبه، وكما قال الأسد دائما في السنوات الماضية ومنذ توقيع الاتفاقيات لم يحصل الفلسطينيون على شيء سوى حق أن تُسرق أراضيهم وتتحول حياتهم الى حياة بائسة بمعونة ورياء قائدهم نفسه وشركائه "مثل عباس" في حكومة فتح التي يقودها·

وتحمل الفلسطينيون هذاالمصير الى أن اندلعت انتفاضة الأقصى في 28 سبتمبر 2000 بعد زيارة شارون الاستفزازية للحرم الشريف في القدس المحتلة، ومضت الانتفاضة وتصاعدت بلا توقف، وبعد وفاة عرفات، وقادت الى الانتخاب الديمقراطي لحكومة حماس في يناير 2006، فقد صوت الفلسطينيون الذين طالت معاناتهم ضد حركة فتح الفاسدة بعد أن لم يعودوا قادرين على احتمالها (هذه الحركة الآن تحت زعامة الرئيس الفلسطيني محمود عباس والموالي لإسرائيلي منذ زمن طويل"، وجاء التصويت في انتخابات اعتقدت الحكومتان الإسرائيلية والأمريكية أنهما "نظمتاها" بطريقة ملائمة لضمان بقاء حزبهما المفضل المتعاون مع الاحتلال في السلطة، ولكن الأمور لم تجر كما تشتهيان، ولم تأت الانتخابات بما كان الفلسطينيون يأملون أيضا إذ شنت إسرائيل والولايات المتحدة حملات على الأرض مؤلمة، في ظل خضوع أو صمت الغرب، ضد شعب لا يمتلك مقومات دفاع عن نفسه· عبر الاجتياحات والهجمات اليومية بأسلحة متطورة بالغة القوة (تمدها بها واشنطن على حساب دافع الضرائب الأمريكي) تستهدف الاغتيالات وأنواع من القتل اليومي الدائر، والاعتقالات الجماعية، والحصار، وسياسة التعذيب المنظم، وتخريب الممتلكات والتنكر لأبسط حقوق الإنسان في الحياة والبقاء، وخلال كل هذا، يواصل الفلسطينيون بشجاعة كفاحهم اليومي من أجل حريتهم وحقهم في أن يعاملوا كبشر للعيش بسلام في أرضهم، رغم عدم وجود أي دعم خارجي فعلي لهم أو إظهار عناية بأوضاعهم اليائسة حتى في العالم العربي·

 *كاتب أمريكي يعيش في شيكاغو،

المقال عن موقعه الإلكتروني: www.sjlendman.blogspot.com

طباعة  

ملفات وطنية لا تزال مفتوحة وتشريعات بانتظار التغيير وفساد متربص بالإصلاح
عام جديد بأجندة قديمة.. وأمل متجدد

 
داعيا الى تعاون السلطتين والقوى السياسية
"التحالف": لنتذكر شهداءنا وضحايا الطاغية

 
أزمة العقل العربي تتجلى في ردود الفعل لإعدام الطاغية
 
محاربة العالم بسببه عبث سياسي غير مبرر
كويتياً.. صدام انتهى بسقوط نظامه

 
شكوك في إمكانية تشغيل التوربينات في مايو القادم
"الطاقة" بصدد توقيع صفقة "الضرورة" مع شركات وسيطة

 
قوى الإسلام السياسي تضخم الأمر لغاية في نفس يعقوب
طلبة الطب: يستحيل تطبيق القانون بحذافيره

 
في دفاعها عن اتهامات الطلبة للمستشار الثقافي بالانحياز لإحدى القوائم
رشا الصباح تستخدم لغة طائفية

 
ماذا وراء تكرار تأجيل إزالة مخالفات أملاك الدولة؟
 
مسؤولو الحكومة يتصرفون وكأنهم في دول تسلطية
إن كتبت الصحافة.. همهم كشف "المصدر"!!

 
"الكويتية" ترد على "الطليعة"
 
الجـــيران
 
فئات خاصة