بيروت - خاص بـ "الطليعة":
"لبنان لن يعود الى الوراء" بعد الآن، والمضي بذلك ليس بعد تظاهرات الحشود التي ملأت ساحات بيروت، فقط بل بعد عدة عناصر أبرزها بالطبع مواجهة المقاومة في الصيف الماضي للغزو الإسرائيلي، وطبيعة الاصطفاف السياسية الجديدة التي برزت طيلة السنة والنصف الماضية، ولعل الأكثر لفتا للنظر في مغزى هذه العبارة التي تتكرر بهذا الشكل أو ذاك على ألسنة المعارضة والسلطة على حد سواء، هو أن القضاء الذي يبدو حادا في المواقف، أو ما يسمى التشنج في هذاالفريق أو ذاك، يجري مع معرفة مسبقة من كلا الطرفين أن المضي بالاتهامات المتبادلة بالولاء الخارجي الى نتائجها المنطقية لن يؤدي الى نتيجة، وأن ماتكرس على الأرض كواقع يمثله الاصطفاف السياسي الخارج على الولاءات الطائفية الضيقة، أصبح نهجا يتنامى، ولا يستطيع أن يتعامى عنه لا المعارض ولا صاحب السلطة·
بيان "بكركي" الذي يمثل تفكير رأس الكنيسة المارونية وضع كلا الطرفين، المعارضة والحكومة، أمام جدول أعمال ممكن لحل هذا المأزق الذي وقع فيه لبنان، وجاء بتشديده أولا على طبيعة النظام اللبناني كنظام توافقي، وعلى سلسلة خطوات الحل التي تبدأ بحكومة وحدة وطنية أو حكومة انتقالية ثم قانون انتخاب حسب الدوائر الصغرى، وانتخابات جديدة يتلوها انتخاب رئيس جمهورية، ليضع نهجا توافقيا· وأحدث الترحيب بهذا البيان والخطة التي أعلنتها صدى واسعا من الارتياح، فلم يرفض البيان أي طرف في المعارضة، ولا رفضته قوى السلطة·
ويبدو أن فاعلية هذا البيان ستبدأ بالاتضاح خلال الأيام القليلة القادمة، وجاءت مبادرة أمين الجامعة العربية والمبعوث السوداني الى بيروت لتضيف بعدا جديدا، إذ جمعت في حزمة واحدة بين القضايا المختلف عليها، بدءا من حكومة الوحدة الوطنية وقانون الانتخاب الجديد، والانتخابات البرلمانية ثم الانتخابات الرئاسية، ووصولا الى المحكمة الدولية وافتتاح طاولة الحوار أو التشاور مجددا·
لا عودة الى الوراء، أي لا عودة الى لبنان الطوائف المتنازعة، ولا الى نهج انفراد فريق دون آخر بالسلطة، ولا حياة لأي ولاء خارجي مهما كان·
فكل هذه تجارب مرّ بها لبنان، ولم تعد تحمل غير ذكرى سىئة لا أحد يود إحياءها، الكل كما يبدو وإن اختلفت الطرق والآراء، وإن حاول بعض من تجاوزتهم المراحل تجاهل الواقع الجديد، يتجه الى التسوية·
وما يمكن أن يثمنه أي إنسان يراقب الوضع اللبناني هو أن الاصطفاف السياسي هو المبدأ المسيطر على فريق السلطة وعلى فريق المعارضة على حد سواء، رغم محاولات بعض الجهات الخارجية الانقضاض على هذا الاصطفاف على أمل إعادة لبنان الى تركيبته الطائفية المواتية لكل تدخل في شؤونه، وتعكس الخطابات، مثلما يعكس تصرف المعارضة في تظاهراتها السلمية، هذا الواقع الجديد القادم في لبنان·
لاشك أن هناك انحيازات خارجية الى هذا الطرف أو ذلك بهذه الحجة أو تلك، إلا أن موازين القوى اللبنانية الداخلية الآن هي القادرة وحدها على الوصول الى توافق مألوف كنا نشهده في ساحة مثل الساحة اللبنانية، هو المعروف بصيغة اللاغالب واللامغلوب، ومن الخير أن يكون الأمر هكذا، فهو أفضل من أن يخسر الجميع·