· الحصول على موافقات الجهات الحكومية ليس دليلاً على نظافة طرفي العقد
· الالتزام بالقانون وتطبيقه واستعادة هيبة الدولة لمصلحة الجميع ويعزز الثقة بالنظام الاقتصادي
كتب محرر الشؤون السياسية:
السؤال الذي يجب أن يتبادر الى أذهان الكويتيين جميعا هو: لماذا هذه الضجة والشكوى من مبادرة الحكومة لقيامها بمحاولة متواضعة لتنفيذ ما كنا جميعا نطالب به وهو تطبيق القانون لانتشال البلد من الفوضى والتسيب وكثرة الاستثناءات والتجاوزات والتعديات واستشراء الفساد وانتشار الرشوة والغياب الكامل للالتزام بتطبيق القوانين على الجميع بالعدل والمساواة؟!
صحيح أن هنالك بعض المصالح قد تأثرت ولكن هل يتوقع أحد ألا يكون لأي إجراءات تصحيحية أو إصلاحية مهما كانت متواضعة أو محدودة أي تأثير على بعض المصالح؟!
بطبيعة الحال يجب أن تتسم هذه الإجراءات التصحيحية بالعدل والمساواة في تطبيقها على الجميع على حد سواء ومن دون تعسف أو انتقائية، ووفقا لهذه المعايير ومدى الالتزام بها نحاسب الحكومة ونضع إجراءاتها التصحيحية تحت المراقبة من أصحاب المصالح، ومن الرأي العام ومن الجهات الرقابية الدستورية ونتصدى لها إذا ما شذت أو قصرت أو انحرفت·
الإجراءات التي اتخذتها الحكومة حتى الآن هي إجراءات متواضعة وجزئية وما زلنا غير متأكدين عما هو المدى الذي ستمضي فيه الحكومة أو تقطعه على طريق الإصلاح والتصدي للفوضى والتسيب والفساد·
فنحن نواجه ركاماً هائلاً من هذه الأمراض المعيقة للتنمية والنهوض·
والآن لنأتِ الى الحالة التي نحن بصدد مواجهتها وهي إجراءات الحكومة في تطبيق توصيات ديوان المحاسبة بشأن المخالفات التي شابت تنفيذ عقود استخدام أراضي الدولة بنظام B.O.T "بناء وتشغيل وتحويل"·
إن أي منصف يطالع ملاحظات الديوان ويتابع واقع ما هو حاصل في استخدام أراضي الدولة لابد أن يقر بوجود مخالفات والكثير منها مخالفات جسيمة بل إن بعضها صارخة منها:
- استخدام أراضي الدولة في غير الأغراض التي تمت الترسية على أساسها·
- الحصول على أراض إضافية زيادة عما نصت عليه العقود·
- زيادة مساحات الاستخدام التجاري بنسب إضافية كبيرة·
- عدم الالتزام بشروط العقود بتوفير مساحات للاستخدام الحكومي أو الاجتماعي·
- تقاضي إيجارات مبالغ في ارتفاعها تصل الى نسبة %6000 عما يدفعه المنتفع للدولة·
عدم الالتزام بشروط العقود التي تم على أساسها دخول المستثمرين في المنافسة هو ظلم لهؤلاء المستثمرين الذين لو علموا بهذه التغييرات والتعديلات لأجروا تعديلات في عطاءاتهم وتحسين فرصهم بالفوز في تنفيذ المشروع المطروح للمنافسة·
هذا بالنسبة لمشاريع B.O.T ولكن هنالك بعض المنتفعين حصلوا على أراض عن طريق ما يسمى بالمبادرات مثل شركة الوسيلة، ولآلئ الخيران ومشروع سليل الجهراء ومشاريع أخرى كثيرة تم الحصول عليها وفقا لبدعة الاستحواذ على أراضي الدولة التي تسمى المبادرة· ومشاريع المبادرات هذه هي منحة وتنفيع لاشخاص معينين ومع ذلك لم يلتزم المنتفعون بها بشروط العقود التي مكنتهم من الاستحواذ على أراضي الدولة من دون وجه حق كما هي حال مشروع الوسيلة·
وإذا نظرنا للإجراءات التي اتخذتها الحكومة حتى الآن فنجدها إجراءات محدودة ومتواضعة وتأثيرها على دخل أو أرباح شركات مثل المخازن أو الوطنية تأثير محدود وصغير على أرباحها، وبالتالي فإن ردود الفعل التي انعكست بانخفاض أسعار الأسهم في البورصة في الأسبوع الماضي ربما كان بسبب الهلع والخوف وتأثير الإشاعات، فالبورصة شديدة الحساسية تتأثر بانعكاس الأحداث على نفسيات المتعاملين وتوقعاتهم ولذلك رأينا أسعار الأسهم تعكس اتجاهها وتعاود الصعود بعد استيعاب الحدث·
يثير البعض أن إجراءات الحكومة يشوبها الانتقائية، قد يكون ذلك صحيحاً ولذلك من باب العدالة والمساواة يجب تطبيق الإجراءات نفسها بحق العقود التي شابها مخالفات مماثلة، أي الجزاء نفسه للمخالفة نفسها بغض النظر عن مكان المشروع أو مكانة صاحبه·
ويثير البعض أيضا بأن الكثير من المخالفات في تنفيذ العقود قد تم تنفيذها بعد الحصول على موافقات من أجهزة الدولة، وبالتالي يجب محاسبة المسؤولين في هذه الأجهزة·
وهذا صحيح أيضا فالحصول على هذه الموافقات تم إما بتساهل أو بتغاضٍ أو ربما بتواطؤ أو أنكى من ذلك نتيجة لتبادل منافع أو دفع وقبول رشوة، وهنا يجب أن نحاسب الحكومة على وعودها بأنها ستتابع المخالفين في الأجهزة الحكومية واتخاذ الإجراءات بحقهم وفي حالة الفساد والرشوة محاسبة الراشي والمرتشي·
لكي نكون صادقين ومخلصين في مطالبنا بالإصلاح وتطبيق القانون ينبغي أن نتحمل نتائجه إذا مست مصالحنا، فالعودة للالتزام بالقانون واحترام سيادته واستعادة هيبته هي لمصلحة الجميع على المدى الأبعد، وهي السور الحامي لمصالح جميع المواطنين سواء كانوا مستثمرين ورجال أعمال أو مواطنين عاملين·
وإعلاء حكم القانون هو الذي يعزز الثقة بالنظام الاقتصادي وهو الذي يستقطب رؤوس الأموال ويعيد الهارب منها للاستثمار في الداخل إذا توافر الاطمئنان لها بأن حكم القانون يحميها من التمييز في المعاملة وتعطيل المصالح والتعرض للابتزاز من المسؤولين الفاسدين المتعاطين بالرشوة·
وإذا كان المتضررون الذين مستهم الإجراءات يعتقدون أنهم تعرضوا لإجراءات تعسفية أو انتقائية أو غبن أو ظلم فلهم ملاحقة الحكومة باللجوء الى القضاء، فإجراءات الحكومة قرارات إدارية وليست إحكاماً قضائية وعلى الحكومة أن توسع صدرها لقبول الطعون في قراراتها أمام القضاء·
نحن بصدد مواجهة جبال من المخالفات والتعديات والاعتداءات لهذا الإرث المتراكم من المشاكل الكبيرة والواسعة والمتشعبة والمعقدة قد تصحبه أخطاء، فما هو الأفضل أن نطالب الحكومة بعد أن أيدت عزمها على الإصلاح بالتوقف والتراجع أم بالمضي وتصحيح المسار من أخطاء وأساليب متعددة، ودفع الحكومة ومساندتها بل الضغط عليها لمواصلة السير دون تراجع؟!