رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الاربعاء 8 نوفمبر 2006
العدد 1749

المال والدم... والديمقراطية الملفقة
بوش وبلير يعودان إلى استبداد العصور المظلمة

جون بلجر*:

في 17 أكتوبر الماضي وقع الرئيس بوش على مشروع قانون يجعل التعذيب والاختطاف قانونيا، ويلغي بالنتيجة قانون الحقوق والأوامر القضائية في التحقق من قانونية الاعتقال· وتستطيع المخابرات المركزية محمية بهذا القانون الآن اختطاف الناس و"إرسالهم" الى سجون سرية في بلدان من المحتمل أن يتعرضوا فيها للتعذيب، والأدلة التي تؤخذ تحت التعذيب مسموح بها الآن في "المهمات العسكرية"، ويمكن أن يحكم على الناس بالإعدام على أساس شهادة شهود تعرضوا للتعذيب والضرب، فأنت الآن مدان الى أن تثبت إدانتك، وأنت الآن "إرهابي" إذا ارتكبت ما سماه "جورج أرويل" في روايته "العام 1948": "جرائم فكر"·

لقد أحيا بوش بهذا القانون امتيازات حكام آل ستيوارت وتيودور: سلطة غير قانونية لا حدود لها· وتعليقا على هذا قال السيناتور "ليندسي جراهام"، وهو واحد من أنصار هذا التشريع "تستطيع أمريكا أن تكون فخورة الآن"، ووقف مع الواقفين يصفق حين كان بوش يوقع على نفي الدستور الأمريكي وجوهر الديمقراطية الأمريكية·

وفي بريطانيا لم تلاحظ إلا على نحو طفيف الدلالة التاريخية لهذا الحدث، بريطانيا التي هي مصدر هذه الحقوق القديمة التي تم نبذها· والسبب بلا شك هو أن القانون البربري ذاته قد تمكن هنا، فالجريمة الكبرى في العراق هي تسونامي أخلاقي ترك أتباع حزب العمل الجدد يتخبطون ويصرخون وسط قلبهم للحقيقة وهم ينتظرون أن تنقذهم واشنطن·

كتب المؤرخ الأمريكي "ألفريد ماك كوي" "ما يحدث على مستوى إيديولوجي أعمق هو صراع السلطة ضد العدالة من منظور تاريخي، إنها معركة حول المبادئ الأساسية التي ترجع الى ما يقارب 400 عام"·

ومنذ وقت قريب أجريت لقاء مع "ديانا أورتيز"، وهي راهبة أمريكية عذبتها في العام 1989 فرقة موت جواتيمالية تبين لها أن قائدها من مواطنيها الأمريكيين، كان ذلك في زمن "رونالد ريغان" الذي كان في أمريكا اللاتينية قاتلا مثلما هو بوش الآن في الشرق الأوسط·

وقالت لي الراهبة "لا تستطيع أن تزعم أنك ديمقراطي إذا مارست التعذيب أو تغاضيت عنه، هذا هو المعيار المطلق"·

- تجميل الامبريالية

لقد وُعدت الولايات المتحدة الأمريكية بالديمقراطية حين أصبحت لائحة الحقوق المدنية قانونا في العام 1964، وكذلك حين وضع أخيرا قانون حق التصويت في السنة اللاحقة حدا للعبودية·

وبعد ذلك في العقد التالي، انضمت حركة الحقوق المدنية الى الحركة الشعبية الأكبر لوضع حد للمذبحة في فيتنام، وشرع الكونغرس قوانين لكبح سلطة وكالة المخابرات المركزية السرية الموازية· وكانت تلك فترة استراحة عابرة، ففي عهد "ريغان" تمت استعادة أسطورة الديمقراطية الأمريكية و"الفخر" بها، استعادة معكوسة ومضللة حين أشعلت إدارته الفاسدة حربا غير قانونية في أمريكا الوسطى الفقيرة والبائسة، متسببة بقتل مئات الآلاف، وهو ما أطلقت عليه الأمم المتحدة تسمية "الإبادة الجماعية"·

وكانت الولايات المتحدة الأمريكية البلد الوحيد، وللمرة الأولى، الذي أدانته محكمة العدل الدولية بممارسة الإرهاب ضد نيكاراغوا· ومنذ وقت قريب قال لي أحد كبار ضباط المخابرات المركزية السابقين معلقا على هذا "دعنا من هذا الهراء·· ما يهم هو مصالح أمننا الوطني، أليس كذلك؟"·

"الأمن الوطني" هذا الذي تحدث عنه ضابط المخابرات هو لفظة تجميلية للكلمة المحرمة، أعني "الإمبريالية" التي تصاعدت قوة طغيانها في عهد جورج بوش الابن· إن "توقيع المراسيم" السرية الرئاسية التي يمكن أن تسقط المعارضة النادرة لكونغرس منبطح هي الآن ممارسة طبيعية، جنبا الى جنب مع معسكرات السجون السرية التي يصفها بوش كبرنامج للمخابرات المركزية·

الولايات المتحدة الأمريكية اليوم هي امتداد للنزعة الاستبدادية التي سعت منذ زمن طويل الى فرضها في الخارج· وبالطبع مثل هذه الحقيقة غير الممتعة مسكوت عنها· فرغم "مصائبه" الحالية في العراق، تظل وسائل الدعاية المجندة الى جانب بوش·

ربما يضع "البحث عن استراتيجية خروج" من هناك عناوين رئيسية "مربكة" على صدر صفحات الصحف، ولكن النهب المدبر والمنظم لبلايين الدولارات من الموارد العراقية مع فقدان ما يقدر بعشرين بليون دولار، يجري بصمت، والصمت نفسه ينطبق على الحرب العرقية والطبقية في الداخل، حيث ترفس عصابة بوش السلم الذي قاد ذات يوم الى الطبقة الوسطى الأمريكية!

وفي يناير الماضي قدم 25 ألف شخص طلبات للحصول على 325 وظيفة في وول مارت في شيكاغو!

الحقوق الدستورية هي أساطير أمريكية هائلة والصحافة الأمريكية تقدم غالبا على أنها تمتلك دستوريا أكثر حريات التعبير تقدما في العالم، وهي كذلك، نظريا، ومع ذلك ففي كل فترة من فترات القمع الداخلي تلعب وسائل الإعلام، الصحف والبث الإذاعي والتلفازي دور صحيفة "البرافدا" الموالي، فتدعم الحروب الإمبريالية، وتغرق في أكاذيب المرحلة المكارثية، وتبث مناقشات وحوارات زائفة عن تهديدات زائفة (كوبا، ونيكاراغوا وسباق التسلح النووي) وديانة عداء الشيوعية التي لا يعلو عليها شيء· ولم يكن دورها مع أكاذيب بوش حول العراق وأفغانستان سوى تضخيمها وتعزيزها، والاستثناءات قليلة، مثلما هو حال "سيمور هيرش" وقبضة من الآخرين الذين هم خارج هذا الإعلام المجند·

في العام 1991، وفي نهاية المذبحة من جانب واحد التي عرفت باسم حرب الخليج، قال النجم التلفزيوني الأمريكي للمشاهدين الأمريكيين: "هناك شيء واحد يمكن أن نتفق حوله جميعا، وهو بطولة 148 أمريكيا قدموا حياتهم كي تحيا الحرية"·

وفي الحقيقة أن ربع عدد هؤلاء قتلهم أمريكيون آخرون، وكانت معظم إصابات البريطانيين سببها "النار الصديقة" ذاتها، بالإضافة الى هذا كانت الإعلانات الرسمية عن كيف أن الأمريكيين ماتوا ببطولة في معارك مواجهة بالسلاح الأبيض ملفقة· موت مئات آلاف العراقيين خلال وفي أعقاب تلك "الحرب" مما لا يمكن الإشارة إليه، مثل مئات الآلاف الذين ماتوا نتيجة الحصار الذي استمر طوال عشر سنوات، ومثل موت 665 ألف عراقي منذ الاحتلال في العام 2003·

لقد تم تصدير الحرب على الديمقراطية بنجاح، في بريطانيا، وفي بلدان غربية أخرى، مثل أستراليا، يتم انتحال الصحافة ومجالات البحث انتحالا منظما، في وقت تفرغ فيه طبقة إدارة النظام الجديد الأفكار الديمقراطية من معانيها ويعاد حشوها بحيث تختفي معالمها، وعلى خلاف ما كان يحدث في ثلاثينيات القرن الماضي، هناك صمت الكتاب، باستثناء صوت هارولدبنتر في بريطانيا الذي يكاد يكون وحيدا· ويوصف مساندو الشكل المتطرف للرأسمالية المعروف باسم الليبرالية الجديدة، الديانة المتفوقة المسؤولة عن انعدام المساواة الأعظم في التاريخ بصفتي "الإصلاحيين" والثوريين"·

وتشير الكلمات النبيلة "الحرية" و"التحرر" الآن الى حق هذه النزعة المتطرفة السماوي في "الانتصار"، ورطانتها للهيمنة والسيطرة، وما هذه التعابير التي تلوث الأخبار وتصريحات الدولة وبيروقراطيتها إلا تعابير مستمدة من المعجم نفسه الذي وضع لافتة "العمل يجعلك حرا" الشعار الذي كان يكتبه النازيون على بوابات معسكر الاعتقال·

- ديمقراطية ملفقة

تأثير هذه الديمقراطية الملفقة بالنسبة لبريطانيا في عهد بلير كارثي، حتى إن كان اللقاء بين حزب العمل والمحافظين لا مناص منه تاريخيا، فإن توني بلير، الشخصية السياسية البريطانية الأكثر تطرفا في الذاكرة الحية، هو الذي أرجع بريطانيا الى عنف بدوام كامل، ذات دور إمبريالي، محولا فكرة خيالية مثل "صدام الحضارات" الى أمر ممكن· فقد دمّر بلير سلطة البرلمان وسيّس تلك الأقسام من الوظائف الحكومية المدنية، والأمنية والاستخبارية التي كانت ترى نفسها محايدة، إنه رئيس بريطانيا، ولا ينقصه إلا صفوف تحييه بالتحية الهتلرية "يحيا الزعيم"·

إن خمس السكان أو أكثر بقليل حسب آخر استطلاع يرون فيه أكثر قادة بريطانيا المنتخبين بعدا عن الديمقراطية، ويقول لنا استطلاع بعد آخر إنه أكثر الشخصيات تعرضا للشتم أيضا·

في عهد الرئيس بلير أصبح البرلمان مثل الكونغرس في عهد بوش: بلا تأثير، ودكانة حديث جبان لم يناقش مسألة العراق إلا مرتين خلال سنتين ونصف·

مع استثناء واحد مهم، مع ارتداد من إجراء بعد إجراء: من قانون القضاء الجنائى للعام 2003، إلى قانون مواجهة الإرهاب للعام 2005، بأحكامها التي لا تقبل الاستئناف والاعتقال في البيوت (أوامر السيطرة)·

وقد أزاحت مشروعات القوانين الأخيرة مثل تشريع إصلاح الإجراءات للعام 2006، الرقابة البرلمانية على التشريع الحكومي، ومنحت الوزراء سلطات اعتباطية ومقر مجلس الوزراء سلطة مطلقة في التشريع، وليس هناك نقاش عام لهذا، وكم هو أمر يبعث على السخرية أن التشريع تأجل في مجلس اللوردات الذي هو مع السلطة القضائىة الآن معارضة موالية· في العام 2003، فعّل بلير الامتياز الملكي السري· ليأمر بهجوم غير قانوني وبلا مبرر على بلد بلا دفاع، أي العراق، وفي السنة اللاحقة استخدم السلطة العتيقة ذاتها ليمنع التشاكوس سكان الجزر من العودة الى موطنهم في المحيط الهندي، الذي طردوا منه سرا كي يتمكن الأمريكيون من بناء قاعدة عسكرية ضخمة هناك (قاعدة ديغيو غارسيا)، وفي شهر مايو الماضي وصفت المحكمة العليا معاملة هؤلاء المواطنين البريطانيين على أنها "معاملة بغيضة وغير قانونية ولا عقلانية"·

في 16 أكتوبر 2005، زعم بوش أن "القاعدة" تسعى الى "إنشاء إمبراطورية إسلامية راديكالية تمتد من إسبانيا الى أندونيسيا" وتذكر هذه المبالغة الباعثة على السخرية بتحذيرات واشنطن من "غيوم نبات الفطر" (إشارة الى تفجير نووي) في أعقاب 11 سبتمبر 2001·

وقد كرر بلير هذه المبالغات· هذه ليست سوى رسالة مثيري الحروب الذين يريدون التعويض عن مكانتهم المستهلكة "بكلمات ضخمة مثل "الإسلام الفاشي" إنهم يخفون حقيقة أن إرهاب "القاعدة" ليس سوى أمر ضئيل مقارنة بإرهاب الدولة التي تقتل وتشوه وتشع تكاليفها على حياتنا كلها فقد كلف إرهاب دولة بلير في العراق أكثر من 7 بلايين جنيه إسترليني حتى الآن· ولم يعد هناك محل للمقدمات عن حياة أفضل بعد ومارغريت تاتشر·

أخلاق الناس

 إن أولئك الذين كشفوا الغطاء عن واجهات عصابات بلير وبوش عليهم ألا يتوقفوا، ربما لم توقف التظاهرات المهمة في 15 فبراير 2003 غزوا، ولكن قوة أخلاق الرأي العام الدولي أوقفت كما أعتقد الهجمات على إيران وكوريا الشمالية، ربما بوساطة الأسلحة النووية "التكتيكية"· هذه القوة الأخلاقية تتحرك بلا شك مرة أخرى في مختلف أنحاء العالم، بما في ذلك في الولايات المتحدة الأمريكية، ويخشاها أولئك الذين كانوا سيخترعون "حربا بلا نهاية" ولكن، إذا كان من شيء تعلمته من الشهادة على العدد الكبير من الاختراعات الحمقاء، فهو عدم التقليل من قدرة احتمال إمبراطورية ضارية عنيفة، وانعدام نزاهة "تدخلاتها الإنسانية"· إن الملايين منا، نحن الأغلبية، بحاجة الى رفع أصواتنا مرة أخرى،  والأمر الآن أكثر إلحاحا مما مضى·

 

كاتب بريطاني (نيو ستيتمان)

عن Information Clear house 3/11/2006

طباعة  

تسريبات الحل وتعديل الدستور.. هل هي دخان بلا نار؟
إن صحت.. تعكس ضيقا بالممارسة الديمقراطية

 
شركة صينية تدعي تفويض الحكومة الكويتية لها
مناقصة توربينات غازية لا تعلم عنها "الطاقة"

 
تحدث البدون عن مآسيهم الإنسانية في "الخريجين"
فهل تلغي الحكومة قرارات لجنة 1986؟

 
قانون الزكاة لا هو زكاة ولا ضريبة!!
 
بحجة الاستعجال كي لا يتكرر انقطاع المياه في العام القادم
"الطاقة" تطرح مناقصة خط أنابيب C4 من الصبية الى غرب الفنطاس

 
أعدادهم قليلة وتدريبهم محدود
أوضاع المراقبين الجويين تنذر بالخطر

 
البحرين على أعتاب انتخابات المجلس النيابي الثاني
 
ليلى فخرو إنسانة فذة
 
قتل يومي واجتياح وصمت عربي ودولي
الدقائق الأخيرة نحو حكومة وحدة وطنية

 
عودة الساندينيين.. وأمريكا تستعد للمقاطعة والحصار!
 
الحكم بإعدام دكتاتور انتهت صلاحيته
 
اتجاهات