كتب محرر الشؤون الدولية:
سارعت الولايات المتحدة الأمريكية في بيان لها قبل يومين من انجلاء معركة الانتخابات الرئاسية في "نيكاراغوا" الي التهديد بأنها ستقطع المعونات عن هذا البلد الأشد فقرا في العالم إذا عاد "دانيال أورتيغا" أبرز المرشحين الى السلطة·
وأرجأت السفارة الأمريكية هناك حكمها على شفافية وعدالة الانتخابات في انتظار النتائج!
فرز الأصوات منذ اللحظة الأولى أظهر تقدم "أورتيغا" زعيم الحركة الساندينية على منافسيه، وأصبح بحكم المؤكد أنه سيكون الرئيس القادم لنيكارغوا بعد 16 عاما من غيابه وغياب حركته عن السلطة إثر تأسيسه لنظام الانتخابات الديمقراطي وقبوله بنتائجها· وتذكر مسارعة الولايات المتحدة الى التهديد إذا جاءت الانتخابات الديمقراطية بمن لا تود أن تراه في موقع السلطة، بالموافقة المضحكة التي انزلقت اليها أخيرا إدارة بوش، سواء بحصارها الذي تفرضه مع حلفائها الغربيين والعرب على حكومة حماس المنتخبة ديمقراطيا، أو بتهديداتها بالتدخل إذا توافق اللبنانيون على تشكيل حكومة وحدة وطنية، ولكن أكثر الذكريات دلالة على هذه المواقف التي أصبحت سمة من سمات الحكومة الأمريكية، هو تاريخ الولايات المتحدة مع دول أمريكا الوسطى، ونيكاراغوا، بالذات، فإثر ظهور حركة "ساندنستا" في نيكاراغوا وإطاحتها بحكومة فاسدة إثر ثورة شعبية، تدخلت الإدارة الأمريكية في عهد رونالد ريغان آنذاك تدخلا مفضوحا، وقامت بفرض حصار على نيكاراغوا تضمن تلغيم الموانىء وتشكيل عصابات الكونترا على يد ضباط المخابرات الأمريكية أبرزهم أوليفر نورث الذي أدار عملية إيران-كونترا، وللمرة الأولى أدانت محكمة العدل الدولية الحكومة الأمريكية بممارسة أعمال إرهابية ضد نيكاراغوا·
ومع كل هذا الضغط، قامت حركة الساندنستيين بتأسيس نظام ديمقراطي وإجراء انتخابات قادت الى وضع حد لسيطرتها، في العام 1995، وتقدمت الى السلطة فيوليتا تشامورو التي ترأست تحالفا متعدد الأحزاب ضد الساندينستا وزعيمها·
وواصلت الحركة نضالها الديمقراطي، وخاض "أورتيغا" الانتخابات مرتين فشل فيهما، في العام 1996 والعام 2001·
وها هو أخيرا يقف على أعتاب تسلم السلطة، وعبر عملية ديمقراطية، ويواجه أيضا عداء الولايات المتحدة التي يبدو أن "الديمقراطية" التي تؤيدها حكومتها مشروطة بتلك التي تجيء بالموالين لها فقط·
الظروف تغيرت بالطبع، وما كان بإمكان ريغان أن يفعله بوقاحته المعهودة آنذاك، ليس من المحتمل أن يستطيعه بوش في وقت يشن فيه حروبه العدوانية الخاسرة في أكثر من مكان، ويتصاعد فيه الرفض العالمي لسياساته، وترى فيه أغلبية لايستهان بها إلا في العالم خطرا على السلام العالمي·
من سوء حظ إدارة بوش بالطبع أن عودة الساندينستا تجيء كجزء من تيار تحرري بدأ ينتظم عددا من دول القارة اللاتينية، وفي وقت بدأت تتشكل فيه قطبية متعددة بعد ما يقارب الستة عشر عاما على انهيار نظام القطبين، وصعود الولايات المتحدة الى مكانة القطب الأوحد وبإطلاقها حملة "الحرب الدائمة" تحت ذرائع أصبح تهافتها يتزايد ظهوره يوما بعد يوم·
وهذه المرة، بالإضافة الى تنامي التعددية القطبية، تجد حركة الساندينستا حلفاء أقوياء في محيطها ذاته، من أمثال تشافيز في فنزويلا، وموراليس في بوليفيا، وكاسترو في كوبا، وآخرين، وتجد الديمقراطية لها معنى غير مشروط إلا بإرادة هذا الشعب أو ذاك بعيدا عن تحكم أو تسلط أجنبي·
