سقوط طالبان قد يمثل بداية النهاية للحرب التي تقودها الولايات المتحدة ضد الإرهاب في تلك المنطقة، لكنه دون ريب لا يشكل المسمار الأخير في نعش الإرهاب ولن يمثل انحسارا جذريا في فكر التعصب والغلو الديني في العالم، فالطريق ما زالت طويلة والدمار الذي أصاب الأمة من جراء انتشار هذا الفكر مهول· فكر التعصب والغلو لأي معتقد ولأي دين ليس جديدا على البشر وليس مقتصرا على دين دون آخر وليس محصورا في ملة دون أخرى غير أن ما يهمنا في هذا المقام هو الانتشار السرطاني لفكر الغلو والتعصب في مجتمعاتنا العربية خصوصاً والإسلامية عموماً· ففي مواجهته للشيوعية ارتأى الغرب تشجيع هذا الاتجاه في الدول الإسلامية إبان حقب الحرب الباردة، وخصوصا أن الأفكار المتداولة حول محاربة الشيوعية للدين ألهبت عواطف المسلمين وجعلتهم مهيئين لهذه المهمة· من ناحية ثانية، ومع انتشار أفكار التحرر الوطني بزعامة الثلاثي (عبدالناصر - نهرو - سوكارنو) وجدت الحكومات العربية المحافظة ضالتها في تشجيع الغلو الديني وتوفير الدعم المادي والمعنوي له باعتبار فكر التحرر الوطني جزءا من المخطط الاشتراكي والشيوعي لتقويض أسس المجتمعات الإسلامية المحافظة· ومن هذا المنظور انتشرت المدارس الدينية الحزبية في حقبة الستينيات وتوسعت مدارس الدعاة والمبشرين بدعم وتأييد مباشر من السلطات وبتشجيع من الغرب، وفي الوقت نفسه لجمت كل الآراء الأخرى وفرضت القيود المشددة على الجمعيات التي تعنى بالشأن السياسي·

بيد أن السحر انقلب على الساحر، كما يذهب المثل، فالآراء المتطرفة لم تتوقف عند حد محاربة الشيوعية والاشتراكية ومفاهيم التحرر الوطني، بل تعدتها إلى محاولات تغيير النظم السياسية والاجتماعية مما شكل خطرا على الأنظمة المحافظة نفسها· وشمل ضحايا تنامي فكر الغلو المفكرين والمبدعين الى جانب رؤساء الدول والسياسيين· ومع اقتراب الخطر من الغرب من ناحية واهتزاز أنظمة الحكم المحافظ من ناحية أخرى استفاقت هذه الأنظمة من غفوتها وتبينت غفلتها فشمرت السواعد، وإن على استحياء، لمجابهة ظاهرة الغلو والتطرف في المجتمعات الإسلامية· لكن هذه الجهود لن تكلل بالنجاح ما لم تنفتح المجتمعات الإسلامية وما لم تسمح للآراء كافة أن تطفو على السطح وأن تشارك في رسم المستقبل· القضية ليست قضية تتعلق بمجابهة فكر الغلو بالسلاح أو السجن والاعتقالات، بل هي في الأساس قضية توفير المناخ المناسب لمقارعة الحجة بالحجة وللمشاركة في تشكيل ملامح المستقبل وفي توطين الديمقراطية أساساً للحكم·