في الأسبوع الفائت كتب الأستاذ تركي الحمد مقالا في جريدة الشرق الأوسط، بين فيه أهمية الاختلاف في عالمنا، فمنذ البدء اختلف إبليس عن الملائكة في رفضه السجود لآدم، واستمر هذا النهج، الاختلاف، علامة واضحة تعرف الشيء بضده· فلولا الظلام مثلا لما عرف النور، ولولا الشر لما عرف الخير، ولولا الأسود لما عرف الأبيض وهكذا·
من هذا المنطق نفسه نفسر الكثير من الأحداث التاريخية أو الفكرية السابقة·· فاختلف المسلمون إلى شيع وطوائف على الرغم من أن الدين واحد واختلف المسيحيون كذلك إلى الكثير من المذاهب وغيرهم كثير، والشواهد على ذلك كثيرة·
ما أريد أن أصل إليه هو أن الاختلاف سنة من سنن الحياة وعلى ذلك لا يحق لأحد أن يحكم الآخر بطريقة تفكيره الشخصي، أو أن يحاسبه بحسب مفاهيمه هو فحتى الإنسان نفسه من الممكن أن يغير مفاهيمه أو معتقداته الشخصية بين فترة وأخرى·
وهكذا هي حال الدنيا بلا استقرار أو دوام فالدوام لله وحده· ولذلك قالت الحكمة الإغريقية قديما “قد أختلف معك بالرأي، ولكني على استعداد لأن أدفع حياتي ثمنا من أجل أن تقول رأيك”· إن الإرهاب هو نوع من التوحد العقلي الاجتماعي حيث إن الإرهابي شخص غير مستعد لسماع رأي الآخرين بما لا يتفق مع رأيه، ولذلك فهو يستمع لرأيه فقط، ونحن إذ نرسل الأطفال للمدارس فليتعلموا من ضمن ما يتعلمون حكمة الاستماع والاستفادة وفن الحوار، ففي ذلك بناء للمعرفة والنفس معا إن في تنمية مدارك الإنسان وتوسعة أفقه خلقاً الإنسان واثق من نفسه وقادر على فرز الغث من السمين·
فالإنسان المدرك المقتنع بحرية يعتبر كنزاً في “تجوري” الدولة، بعكس الإنسان المجبور والمرغم فهو مدعاة الضعف وخلق المشاكل·
ولذلك كانت الديموقراطية شرعة للدول المؤمنة بالحرية لمواطنيها، فتطلق قيودهم كطيور حرة سعيدة تتفيأ أينما طاب لها المقام·
أما الأنظمة القسرية والمقيدة للحريات، فلن تخلق سوى جيل من المعوقين لا فائدة ترتجى منهم، يعيشون على هامش التاريخ· |