كتب سعود العنزي:

انتهت أعمال المؤتمر الذي جمع عددا مهولا من "العلماء" في الشؤون الدينية والدنيوية باقتراحات يرى أصحابها أنها خدمة كبيرة للدين الإسلامي بما فيها إنشاء موقع إلكتروني لنشر ما جاء في المؤتمر من أبحاث تدلل على الإعجاز العلمي في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة!!

والمحزن في هذا الزمن من تردي الحالة العامة لعموم المسلمين والعرب من النواحي التنموية والعلمية أن أنظارنا بدأت إما في العودة الى ملفات الماضي والتراث بحثاً عن إنجازات نفخر بها أو إلى التسابق مع الغرب لا في الإنجاز والتقدم العلمي والتكنولوجي بل في محاولة سلبه "الغرب" من كل ما يفيد فيه البشرية من إبداع وابتكار بنسبها قسراً الى كتاب الله وسنة الرسول الكريم، وكأنهما بحاجة الى من ينتصر لهما في وجه الاكتشافات العلمية!!!

لقد نسي هؤلاء المؤتمرون أو تناسوا ربما أنهم بفعلهم هذا إنما ينحدرون بمكانة الكتاب السماوي السامي الى منزلة يجعلونه فيها منافساً لمنتجات البشر!!! ومن فرط حماسهم خلطوا بين السماوي والأرضي، بين العلم الذي يمثل الحقيقة المطلقة وبين ما تتمكن من الوصول إليه عقول البشر على محدوديتها، خلطوا بين الدين الذي يبدأ باليقين وينتهي الى مزيد من اليقين وبين علوم الناس التي تبدأ بالشك وتصل الى مزيد من الشك في كل مرة تكتشف شيئاً جديداً، ولا أدل على ذلك من قوله تعالى "ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا" (سورة الإسراء: آية 85)·

هؤلاء "العلماء" وبكل بؤس وتخلف يتجاهلون أن معجزة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم أنه أتى قريشاً بكتاب تحداهم أن يأتوا بآية أو سورة من مثله لأن إعجازه في ما تبحرت به قريش وهو اللغة، ذلك الإعجاز المستمر سواء في تركيبة تلك اللغة أو في معانيها وما يمكن للبشر أن يستخلصوه منها في كل زمان ومكان من عبر وفوائد لا تنقطع، ولم يدع المصطفى أو أي من الصحابة أن كتاب الله جاء بمعجزات غير تلك، بل جاء على ذكر كل المعجزات التي منحها الله سبحانه رسله وأنبياءه قبل محمد (ص) ولم يأت على ذكر معجزات منسوبة إليه اللهم إلا الإسراء والمعراج·

إن الإصرار على لي كلمات الله المنزلة قسراً من أجل تفسيرها بشكل يوحي بأنها سبقت اكتشاف العلماء البشر، إنما يشكل تصغيراً لها ووضعها في إطار الفكر البشري الخطاء والقابل للنقض والتغيير والتبديل والإلغاء وهو أمر لا يقبل أي مؤمن أن يحدث لما يعتبره مقدساً ومنزلاً من عند الله، فكم من الاكتشافات العلمية التي نسخت ونقضت ونسفت أحياناً على مر التاريخ البشري ليأتي مكانها ما سيتعرض لما تعرضت إليه في يوم من الأيام عند تطور المعرفة البشرية في مجالها·

إنه لأمر يدعو الى الأسى حقاً أن يتاجر حفنة من المستفيدين على حساب الدين وبشكل لا يمكن أن يقنع إلا الجهلاء الذين يخشون على دينهم من معرفة البشر، لأنهم يعلمون معنى الآية القرآنية "إنما يخشى الله من عباده العلماء" (سورة فاطر: آية 28)·