كتب محرر الشؤون السياسية:
الإجراءات التي اتخذتها الحكومة بفسخ بعض عقود استخدام أراضي الدولة بناء على ما جاء في تقرير ديوان المحاسبة وإن كانت محدودة إلا أنها تعتبر خطوات جريئة على طريق الإصلاح والتصحيح المنشود·
وأهميتها تكمن في أنها خطوات رمزية نحو إعادة الاعتبار لهيبة الدولة وسيادة القانون الذي يتساوى الجميع أمامه وهو ما يقتضي أن يكون تطبيق القانون على الجميع من دون تعسف ومن دون انتقائية·
وقضية احترام سيادة القانون وتطبيقه على الجميع بالعدل والمساواة
قضية مركزية وأساسية في مشروع التنمية والنهضة وهي مطلب رئيس لجميع فئات المجتمع وشرائحه وغياب ذلك كان موضع الشكوى وسبب الانتقادات والمآخذ على جميع الحكومات المتعاقبة·
وما عانته الكويت وما زالت تعاني منه هو عدم احترام القانون وكثرة اختراقه، وإذا طبق فبصورة انتقائية أي على ناس وناس خضوعا للنفوذ أو بسبب الفساد والرشوة وهو ما دفع الكويت الى أتون الفوضى وضياع الحقوق·
ونتيجة لذلك تحمل المجتمع تكاليف باهظة نشهدها في مختلف أجهزة الدولة وتراجع كفاءتها الى الحدود الدنيا وإهدار القدرات البشرية لأبنائها وتدني معدلات نمو الناتج القومي وانخفاض نسب الاستثمار والاستمرار في هذه الأوضاع لن يقود إلا إلى مزيد من الركود والانحدار الى الهاوية·
والمشاكل التي تناولها تقرير ديوان المحاسبة ما هي إلا تراكمات للقرارات الخاطئة أو عدم اتخاذ القرارات الصحيحة في الوقت المناسب، وطبيعة المخالفات والتجاوزات التي أشار اليها التقرير هي إما الحصول على أراض من دون وجه حق أو بالمخالفة للقانون والضوابط كقضية الوسيلة أو أنها عدم الالتزام بشروط التعاقد بين الدولة والجهات المنتفعة كتحويل استخدام الأراضي لغير الأغراض التي خصصت من أجلها كما حصل في أسواق اللحوم والخضروات في السالمية والجهراء أو زيادة نسبة الاستخدام التجاري أو إضافة توسعة للأراضي أو ضعف القيمة الإيجارية، وكل هذه المخالفات والتعديات هي نتيجة للتراخي في تطبيق القانون وعدم الالتزام بالضوابط أو نتيجة للتواطؤ بسبب تفشي الفساد والرشوة والخضوع للنفوذ·
ولو أن القانون كان محترما والأجهزة الإدارية جادة وحازمة في تطبيق الضوابط وتصدت لأي انحراف في تنفيذ العقود لما وصلنا الى هذا الكم المتراكم والهائل من المخالفات التي أصبح التصدي لمعالجتها مشكلة ذات أبعاد سياسية واقتصادية· ومن دون شك أنه قد تكون للخطوات التصحيحية بالعودة للتمسك بالقانون آثار سلبية لكنها قد تكون جزئية وفي المدى القصير ومن التداعيات السلبية تأثر سوق الأوراق المالية، وتراجع أسعار الأسهم، والخسائر التي طالت جميع المستثمرين، وذلك لطبيعة الأسواق المالية وحساسيتها الشديدة التي تنعكس فيها ردود أفعال بصورة مبالغة لأي حدث·
ولا أحد يستطيع أن يجزم ما هو الاتجاه الذي سيسود البورصة، هل سيستمر في النزول أم يتوقف ويستأنف الصعود؟ فذلك محكوم بعوامل كثيرة أهمها توقعات المتعاملين ومخاوفهم أو تفاؤلهم·
لكن تفحص الإجراءات التي اتخذت حتى الآن يكشف أنها طالت عددا قليلا من الشركات التي لديها عقود باستخدام أراضي الدولة، وليس كلها مدرجة في البورصة، وحتى المدرجة منها طالت الإجراءات أجزاء من أنشطتها وليس كل أنشطتها، وهذا ما حصل على سبيل المثال مع شركة المخازن وشركة العقارات الوطنية، ومعظم القطاعات كالبنوك والتأمين والصناعات والخدمات يفترض أنها لم تتأثر، على الأقل مباشرة·
وإذا أضيف الى ذلك أن مداخيل الشركات المدرجة وأرباحها في الربع الثالث كانت جيدة، وينعكس في مضاعف السعر الى الربحية لإجمالي الأسهم الذي انخفض الى 12 مرة، وهو مؤشر إيجابي وما حصل من تراجع في السوق المالية قد يكون نتيجة للهلع المبالغ فيه، وقد يزول ذلك بعد اتضاح صورة حجم الإجراءات وكيفية تطبيقها وما إذا كانت تلتزم بالعدل والمساواة دون تعسف أو انتقائية·
وإذا التزمت الحكومة بذلك فإنها ستحظى بمساندة جميع القوى المطالبة باحترام سيادة القانون داخل البرلمان أو خارجه ولن يسلم ذلك من الانتقاد بطبيعة الحال إلا أنه يبقى المدخل السليم للإصلاح·