رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 24 يناير 2007
العدد 1759

"من غشنا فليس منّا"
د. فاطمة البريكي
sunono@yahoo.com

تنتهي اليوم فترة امتحانات منتصف الفصل الدراسي في التعليم العام، ونهاية الفصل الدراسي في التعليم الجامعي، بكل ما تحمله هذه الفترة من ضغط نفسي وعصبي، وإجهاد جسدي يصاحبها نتيجة السهر وفقدان الشهية للطعام أو نسيانه أحيانًا، وسينعم طلابنا وطالباتنا بالراحة بعد تلك الفترة التي استنزفت جهدهم وطاقاتهم في سبيل تحقيق آمالهم بالنجاح بدرجات عالية تمثل مستواهم الفعلي، وتحقق الرضا النفسي لهم ولوالديهم ومدرسيهم·

إلا أن هذا الكلام ينطبق على فئة آخذة في التناقص عامًا بعد عام بين طلابنا وطالباتنا، في حين أصبح عدد أفراد الفئة التي كانت منبوذة بين الطلاب والطالبات في المدارس بمراحلها المختلفة آخذًا في التزايد، أقصد تلك الفئة التي كانت تعتمد في نجاحها وانتقالها من مرحلة إلى أخرى على جهود الآخرين وسهرهم الليالي للمذاكرة والحفظ، ليأتي أفراد منها -بعد أن قضوا أيامهم الدراسية في اللعب والتسوق ومتابعة برامج المحطات المختلفة- ويتطفلوا على أوراقهم وينتزعوا منهم حصيلة جهدهم الذي قدموه خلال فصل -أو عام- دراسي كامل·

في أيامنا هذه لم تعد الموازنة كما كانت من قبل، خلال سنوات الثمانينات والتسعينات مثلاً، فقد كانت نسبة الطلبة الذين قد يجرؤون على الغش والاقتيات على موائد جهود الآخرين دون دعوة قليلةً في السابق، لا تكاد تُقارَن بالنسبة التي تمثل الجمع الأكبر من الطلاب والطالبات الذين لا يرضون بهذا السلوك المشين، ويرونه إقرارًا من الطالب بعجزه وكسله بل وعدم قدرته على الفهم والاستيعاب·

أما اليوم، فقد أصبح السواد الأعظم من طلابنا وطالباتنا يستسهل الغش، ولا يرى بأسًا في استعانته بزميله لينقل منه إجابة أحد أسئلة الامتحان، ولولا بقية باقية من الحياء لكان استعان به لحل جميع أسئلة الامتحان· كما لم يعد الطلاب يتحرجون من محاولة إدخال أوراق معدّة سلفًا بأحجام مناسبة لاستخدامها وقت الضرورة في الامتحان·

والمصيبة الكبرى في هذا الوقت هو أن بعض المدرسين يشجعون الطلبة على الغش، ويسهلون لهم سبله، بل وقد يجيبون عنهم إن استدعى الأمر، فالمهم فقط عند المدرس هو ألا يظهر أمام المدير والموجّه في صورة المدرس الفاشل إن رسب طلبتُه· والمهم عند المدير بدوره هو ألا يكون مستوى طلبة المدرسة التي يديرها سيئًا حتى لا يكون موقفه حرجًا في المنطقة· والمهم عند الاثنين معًا هو ألا يغضب أولياء الأمور إن عرفوا المستوى الحقيقي لأبنائهم، فالأفضل هو غشهم وخداعهم وجعلهم يعتقدون أن أبناءهم هم عباقرة هذا الزمان والمكان·

لقد أصبحت الأمور الثانوية هي المهمة، وتراجعت أهمية مصلحة الطلاب والطالبات الذين يكبرون وتكبر معهم هذه القيم المزيفة التي تجعلهم يعتقدون أن المجهود البسيط الذي يبذلونه يعود عليهم بهذه الدرجات العالية التي تفتح لهم كل الأبواب المغلقة، لذلك لا يقومون ببذل أي جهد إضافي لبلوغ ما هو أعلى وأفضل، لأنهم أساسًا في أعلى المستويات على الرغم من أنهم لا يقومون بجهد حقيقي· كما أنهم يكبرون ويكبر معهم تصورهم بأن الغش أمر مقبول، وعادي جدًّا، بل ويعجبون ويتفاجؤون حين يُقال لهم إن الغش لا يجوز، وأن من غشّنا فليس منا، فيكون الجواب الأول على ألسنتهم جميعًا دون استثناء، لكن الجميع يغش! وكأن اشتراك الجميع في عمل سيئ ينقله من حيز الخطأ المرفوض إلى الصحيح المقبول·

ولئن كان الامتحان في السابق مقياسًا حقيقيًا لمعرفة مستوى الطلبة والطالبات، فإننا لا يمكن أن ننظر إليه اليوم على أنه مقياس لأي شيء، لأنه فقد مصداقيته، وأصبح لا يمثل المستوى الحقيقي للطلاب بقدر ما يمثل قدرة الطلاب ومدرسيهم وغيرهم على قلب الحقائق وتزييفها·

ما الذي يمكن لطالب نجح في صفوفه المختلفة بالغش أن يقدمه لنفسه ولأسرته ولمجتمعه؟ إن هذا الطالب لم يستطع أن يقدم لنفسه شيئًا حين انتقل من صفوف التعليم العام إلى مقاعد التعليم الجامعي، فهو لم يتعلم كيف يدرس لينجح، لذلك يرى أن أفضل طريقة للنجاح هي الغش مجددًا، وعلى الرغم من صعوبة عقوبة الغش في بعض الجامعات المحلية، التي تصل إلى حد فصل الطالب نهائيًا من الجامعة حتى إن كان في فصل تخرجه، إلا أن عدد الطلبة الذين يغشون فعلا، أو يقومون بمحاولات للغش، كبير جدا ولا يُستهان به، مما يجعل المرء يتساءل بينه وبين نفسه وأحيانًا بصوت عال: ألا يفكر هؤلاء الطلاب بمستقبلهم؟ ألا يفكرون بإمكانية توقف عجلة حياتهم بمجرد أن يكتشف المراقبُ الأمين غشَّهم؟

والأهم من هذا هو السؤال عن السبب الذي يدفعهم للمجازفة بمستقبلهم بكل هذا التهور واللامبالاة، على الرغم من أنهما يزولان بمجرد أن يُضبَطوا فعلا متلبسين بجرم الغش، ويبدأ البكاء والاستجداء وتتناثر الأيمان بعدم العودة لهذا السلوك مرة أخرى، ولكن بعد فوات الأوان·

وإذا افترضنا أن الطالب قد نجح بواسطة الغش دون أن يتمكن أحد من كشفه، أو بتساهل وتواطؤ من المدرس أو المراقب، أو بشفقة أحيانًا من حرمانه من التعليم، فإن السؤال إذّاك هو: ما الذي سيستطيع طالب تخرج في الجامعة - ومن قبل ذلك في المدرسة - بالغش أن يقدم لأسرته ومجتمعه، بعد أن فشل في أن يقدم لنفسه شيئًا ذا قيمة؟ وما القيم الأخلاقية التي سيغرسها في نفوس أبنائه وطلابه إن امتهن التدريس وهو الخالي من القيم، لأن الغش سلوك عام شامل، وليس خاصًّا بالدراسة وحدها؟ الجواب هو لا شيء قطعًا؛ فهذا الطالب الذي قد يصبح موظفًا صغيرًا أو مديرًا كبيرًا لن يستطيع تدبير أبسط أموره، ولن يستطيع إنجاز أعماله كما يجب، وسيستعين بالموظفين الآخرين لإنجازها له، أو لمساعدته في إتمامها، وأيضًا لن يتردد في استعمال الأسلوب الوحيد الذي يجيده، والذي تعلمه أثناء سنوات دراسته (الغش) لإنجاز أعماله· ويستطيع أي شخص فينا أن يجد نماذج كثيرة من هؤلاء في كل مكان حولنا·

لقد كثرت حالات ومحاولات الغش بين طلبتنا بشكل مخيف في السنوات الأخيرة، نتيجة استهانة الناس به، وإنني لأعجب من هذا التغير الجماعي في الموقف من الغش الذي أصبح ظاهرة خطيرة بكل المقاييس؛ فبعد أن كان الجميع يرفض هذا السلوك ويجمع على خطئه وعدم جوازه لأنه يؤدي إلى ظلم المجدّين والمتفوقين، ويعطي الكسالى وقليلي الفهم تقديرًا ليس من حقهم، أصبح الجميعُ اليوم شركاء في هذا الظلم، وفي عدم إحقاق الحق·

والتغير الذي حدث على هذا الصعيد فيما يتعلق بالموقف من سلوك كان الجميع يقرّ بأنه سلوك مشين، ليصبح سلوكًا طبيعيًا، ومبررًا، بل مشجعًا عليه لا يمكن أن يُفهم بسهولة فهل من الممكن أن يتواطأ أفراد مجتمع بأكمله من أجل تغيير موقفهم من سلوك سيئ ليُنقل بهذه السلاسة من الرفض إلى القبول، وتتفرق كلمتهم في مواقف أخرى معاكسة تحتاج منهم موقفًا مماثلاً إزاء بعض الأمور المصنّفة دون مسوّغات مقبولة في حيز الرفض لتنتقل منه إلى حيز القبول·

وبالطبع لا يمكن الزعم بأن تغير الموقف إزاء الغش طارئ أو عرضي؛ فقد أصبح سلوكًا جماعيًا، وتوسّعت مجالاته من التعليم إلى التجارة إلى العلاقات الإنسانية، وهذه هي مصيبتنا الكبرى التي تؤكد أننا نعيش في زيف يحاصرنا من جهاتنا الست دون أن نفعل شيئًا حقيقيًا للتخلص منه·

*جامعة الإمارات

 sunono@yahoo.com

�����
   
�������   ������ �����
الأشقاء الأشقياء
القارئة الصغيرة
الامتلاء من أجل العطاء
كيف نسكت ضوضاء نفوسنا
التفكير من أجل التغيير
تطوير العقول أو تغييرها
تطوير العقول أو تغييرها
انتقال الحذاء من القدم إلى الرأس
الكبيرُ كبيرٌ دائمًا
إنفلونزا الطيور تعود من جديد
معنى التجربة
السلطة الذكورية في حضرة الموت
الطيور المهاجرة
"من غشنا فليس منّا"
كأنني لم أعرفه من قبل
ثلاثية الحضور والصوت والكتابة
المطبّلون في الأتراح
بين الفعل.. وردة الفعل
التواصل في رمضان
  Next Page

وتتجدد ذكرى عاشوراء:
د.عبدالمحسن يوسف جمال
العراق بين مجلسين!!:
سعاد المعجل
بلا رؤوس حتى!:
حمد حسين
العمى والبصيرة:
د. لطيفة النجار
حتى اليمن يا الأزرق...!!!:
المحامي بسام عبدالرحمن العسعوسي
النجاح على قدر الصراخ!:
فهد راشد المطيري
الإعلام والضمير المباع بالدولارات:
الدكتور محمد سلمان العبودي
استراحة المحاربين:
د. محمد عبدالله المطوع
طبائع الاستبداد ومساوئ العباد!:
بدر عبدالمـلـك*
العقل الإسلامي:
يوسف الكندري
إسرائيل تعترف بهزيمتها:
عبدالله عيسى الموسوي
"من غشنا فليس منّا":
د. فاطمة البريكي
قراءة كويتية على هامش إعدام صدام:
خالد عيد العنزي*