| نبدأ مقالتنا بالأسئلة المثيرة للاستغراب والاستنكار إزاء ما حدث من تصرفات عنيفة وعدوانية على مقر التجمع القومي بقنابل المولوتوف "من قبل ثلاثة شبان" بل الأكثر من ذلك بروز أصوات كثيرة منددة بمجلس العزاء حول إعدام صدام حسين الطاغية في مقر الجمعية وأرجو أن يحق لي ككاتب أن أصفه بذلك فلكم عزاؤكم ولي عزائي وفرحي وحزني كما هو منقسم الشعب العراقي نفسه على رحيل "مغوار الاستبداد!"· وبالرغم من المسافة بين الامتعاض والسخط والتذمر والغضب والاشمئزاز وغيرها من درجات الانفعال الإنساني "والتفكير والسلوك المحتمل والممكن" ومسافة القيام باعتداء عملي ومحسوس على المقر بوسائل عنيفة ممكن أيضا، فإن تلك الظاهرة العنفية تدخلنا إلى مناقشة هادئة وموضوعية في مجتمع لانزال نؤسس فيه لفكرة الاختلاف وثقافة التباين والحوار واحترام الأفكار المتناقضة، طالما أنها اتفقت على مستوى من التعامل والفهم المشترك للعمق والبعد الديمقراطي ومجتمعه المنشود، ذلك المجتمع الذي تفصلنا عنه مسافة أبعد من مسافة أولئك الشباب الثلاثة - والله أعلم لماذا ثلاثة وليسوا خمسة أو اثنين - وهل هم يمثلون ثلث عدد العائلات الإحدى عشرة الذين برر لهم النائب "المحترم" عبدا لله العالي بطريقة غير مباشرة والذين أيضا لهم حق في الشعور بالأسى والضيق عندما وجدوا أن مقرا قوميا في البحرين يقيم عزاء إلى رئيس بلد آخر متهم ليس بالدجيل والأنفال وحسب بل وبملف عمره أكثر من ثلاثين عاما، ولكن كل ذلك التباين في مشاعر التأييد والدفاع عن الطاغية وإقامة العزاء شيء والاعتداء على المقر المسالم شيء أخر والذي لم يجد متسعا له إلا مقره المحدود بأعضائه ومؤيديه وأنصاره والذين هم أقل من عدد أعضائه أيضا·
علينا أن نتوغل عمقا لتلك الإشكالية السياسية والسلوك السياسي الغريب من جانبين أوله تأبين طاغية واعتداء على حرمة المكان وحق الآخرين في العزاء والبكاء على محبوبهم بطريقتهم الخاصة طالما أننا نعيش في بلد يؤسس للديمقراطية ودولة القانون، ولا يحق كما لا يجوز لأية مجموعة مهما كانت أن تتصرف بطريقة انفعالية وعدوانية على الآخرين وكان بإمكان الملثمين ومن ورائهم - إذا وجد هؤلاء النفر - أن يمارسوا احتجاجا مماثلا ضد أولئك الذين أقاموا عزاءهم بطريقة مثيرة لمشاعر الآخرين وبزهم وإغاظتهم، فقد كان بإمكان المعادين والمناهضين للطاغية أن يوزعوا بطريقة سلمية باقة من الزهور أمام مقر الجمعية ويوزعوا أيضا في كل الأمكنة، في العمل والجامعة وغيرها من الأحياء حلويات للصغار ومنتقين عبارات جميلة وعلى الطريقة اللبنانية الناعمة والمتحضرة "كرمالك هيدا حلويات عشان الشهدا اللي قتلهم الطاغية صدام" ولا بأس بطريقة عالي وبني جمره ورأس رمان "حلويات الخبر الدافئ لشنق الطاغية أيلي خفف علينا برد البحرين القاتل"·
وطالما نحن نمارس خطاباً حضارياً للاحتجاج وبوسائل سلمية فلن يستطيع الإخوة في مقر جمعية التجمع والشكوى والاحتجاج فهناك في الخارج مجموعات ترقص وتغني وهناك من يسكب الدمع والحسرات، كما هي حسرات الكثيرين على بنك الرافدين وخطوط الطيران العراقية!، هكذا دائما في التاريخ للطاغية معجبون ومؤوين وآخرون مناهضون ومستنكرون لكل أنواع الإبادة والقمع التي مارسها الطاغية بقلب بارد، ولا يهم نسبة الطرفين أقلية كانوا أم أكثرية فلسنا في مؤسسة انتخابية واقتراع جماهيري، وكان من الأجدى لمن حمل المولوتوف أن يذهب طالبا الإذن من مراكز الشرطة انطلاقا من القوانين بقولهم: هل تسمحون لنا بالاحتجاج بطريقتنا ضد من يثيرون مشاعرنا بمثل هذا الاحتفال !! ربما السؤال غريب ولكنه يجعلنا نفهم السخرية الديمقراطية في مجتمع ثقافته محدودة، فمثل هؤلاء الناس الملثمون لايمتلكون في سعة صبرهم أن يسمعوا غدا أن مجموعة السفارة في البحرين تحتفل بطريقتها والجماعات البهائية لها حق أن تمارس طقسا محددا والهندوس وغيرهم من المجموعات كذلك لهم مناسباتهم المقدسة· ربما يكون أيضا لهم حق في القيام والاحتفاء بأفراحهم وأحزانهم بطريقة سلمية، قد تبدو في نظر الآخرين المتعصبين أن ذلك استفزازا لمشاعرهم، هكذا نحن نؤبد لفكرة خاطئة هي فكرة احترام مشاعر الآخرين! والتي تتحول إلى شماعة وسلاح ذي حدين، بينما ينبغي للحريات المتنوعة ألا تلجم وتحجم وتقنن بطريقة قمعية وبوليسية ودينية وإيديولوجية بقدر ما هو مطلوب تعميق القيم الديمقراطية ونهجها وحق كل مجموعة بالاحتفاء بأبطالها وشخصياتها المعبودة إلى درجة التقديس الأعمى·
وطالما الإخوة في مقر التجمع أوفياء حقيقيون لبعثيتهم الغريبة !! فلا مناص على جمعية الوفاق غدا أن تسألهم كيف تحالفنا معكم في زمن ما على المقاطعة !؟ وأنتم كشفتم عن عورتكم بحبكم لطاغية قتل علماء الشيعة -علماءنا وعلماءكم إلى حد بعيد!! بالرغم من أننا ندرك مدى تلك الشوفينية لديكم، فخطابكم لايزال يكرر لغته القديمة الشعوبية عن "الفارسية والفرس في العراق" بينما الحقائق ليست كذلك·
هكذا يقود المتحالفون بالأمس وربما غدا زوايا معينة من المثلث وقد لا يلتقون في أغلب تلك الأضلع منه مستقبلا، إذ لن تجرؤ جمعية الوفاق بعد مجلس العزاء هذا على مواجهة أعضائها على فمن الصعب أن يتفق اثنان على حب وكراهية الطاغية في الوقت نفسه· وبما أن السياسة لا تعيش في منازل الأمس بقدر ما تتغذى السياسة من المصالح العاجلة وتتعامل مع المتغيرات وتؤجل الاختلاف لتجلسها في المقاعد الخلفية لكي لا تثير الغبار في الأعين فتفسد اللقاءات المحببة للتحالفات الشيطانية في محراب السياسة الميكيافلية، نحتاج لوقت طويل لكي نتعلم قيم الثقافة، ففي الغرب الحر هناك مجموعات وأحزاب فاشية ونازية وشبان نازيون يتخطون أحيانا حدود القانون فيعاقبون، ولكن يظل لتلك الأحزاب حقوقها المدنية كحق التعبير السلمي عن توجهاتها الفكرية شريطة عدم نشر الكراهية والعنف·
متى نتخلص من تلك القيم البغيضة حتى إن كان هناك مجموعات تحتفي أو تحزن لمعبودها المنبوذ فكم من أشخاص هناك في العالم الإسلامي يعبدون بن لادن ؟! ترى هل بن لادن لدى جمعية التجمع بطل ضد الإمبريالية الأمريكية أيضا أم إرهابي وفق المعايير القاموسية والقانونية والسياسية؟·
دون شك إن بن لادن لدى القوميين ليس بطلهم مثلما صدام لدى الإسلاميين ليس بطلهم أيضا، غير أن جمعية الوسط القومي الإسلامي خرقوا القاعدة بنفاقهم السياسي، وهم كعادتهم لديهم خطاب نشاز ومثير للاستغراب وعلامات التعجب· فعلى الأقل جمعية التجمع القومي احترم فيهم كونهم أوفياء لبعثيتهم أما الوسط القومي فلا أفهم وسطيتهم وتوفيقيتهم!، ولماذا البكاء القومي الإسلامي على شخص بمستوى صدام حسين؟! يبدو أن لنا إرثا قديما اسمه طبائع الاستبداد في مناهج ومساوئ العباد! |
