تتجه المنطقة العربية أو تُدفع بالأحرى دفعاً نحو حالة شاذة لا تنسجم مع طبيعة تكوينها ولا مصالح شعوبها في اتجاهين، الأول أن تتخندق الفئات الاجتماعية في كل بلد في مواجهة بعضها بعضا في حرب إفناء لا نهاية لها، والثاني أن تتخندق عدة أنظمة عربية في الخندق الإسرائيلي الأمريكي لمواجهة خطر وهمي أصبحوا يطلقون عليه اسم الخطر الإيراني·
ليس هناك من عاقل إلا من فقد رأسه، يمكن أن ينسى الخطر الجاثم في قلب الوطن العربي خطر الكيان الإسرائيلي الغاصب المدجج بترسانة نووية ومشروع هيمنة مطلقة على كل المنطقة العربية، ويتجه بأنظاره الى الدولة التي طرحت نفسها منذ الثورة الإسلامية كرافعة للمقاومة العربية والإسلامية ضد مشروع هذا الكيان الاستعماري·
ولكن يبدو أن هناك بين الأنظمة العربية من فقد رأسه فعلاً مثلما حدث بالأمس حين كانت الدبابات الإسرائيلية تجتاح لبنان في العام 1982 وهو يقرع طبول الحرب ضد الشيوعية في أفغانستان· أو مثلما يحدث اليوم حيث ينضم للذين يحاصرون الشعب الفلسطيني ويقطعون عنه حتى لقمة العيش زعماء عرب·
هل ما يحدث الآن من تحالف أصبح اسمه الفعلي تحالفا عربيا إسرائيليا ضد إيران تكرار لكل هذه التواريخ المخزية؟
يقال إن المأساة تتكرر مرتين ولكن تأتي في المرة الثانية على شكل مهزلة، ولا أشك أن هذا التحالف العجيب مهزلة تفوق في ممثليها وإخراجها وأحداثها كل ما مر بالوطن العربي من مهازل وربما تكون القاضية إذا سيقت إليها شعوب المنطقة بشبانها وأموالها خدمة للإمبراطورية "الإسرائيلية العظمى"، ولكن المتابعة اليقظة لمجريات أو سيناريو هذه المهزلة يظهر أن نقطة ضعفها تفوق نقط قوتها، وأبرز هذه النقط أن زيارات وزيرة الخارجية الأمريكية المتكررة للمنطقة حملت معها دائما تصريحا واضحاً بالاتجاهين اللذين تدفع إليهما المنطقة العربية، الى درجة أن المشاركين في المهزلة اضطروا الى التصريح علناً بما يفترض أن يظل في الكتمان كما كان الأمر في الماضي البعيد والقريب·
فما هو سر العلانية هذه المرة؟ ولماذا هذا التوريط العلني لزعماء ورؤساء دول، وتحويلهم بتعمد وسبق إصرار الى أضحوكة في أوساط شعوبهم؟ هل لأن هناك من يضع في ظهورهم المسدسات؟ هل لأنهم مهددون ببقائهم ذاته إذا لم يخرجوا علنا عراة مجردين من العقول والرؤوس؟
يبدو أن الأمر ليس أمر تجنيد متطوعين في مواجهة الهيمنة الإسرائيلية بل تجنيد مرغمين وراغمين أصبح وجودهم معلقا بين أن يشاركوا في هذه المهزلة أو يتحولوا الى هدف هزلي آخر مثلما تحول صاحبهم صدام قبلهم·
في كلا الحالين لم يحدث أن انكشفت مخططات بهذا الوضوح مثلما ينكشف هذا التحالف بين عدد من الأنظمة العربية وإسرائيل وهذه هي نقطة الضعف الأكثر بروزاً في خطط المخططين وأداء الممثلين· في الماضي القريب كان السيناريو المعتمد صناعة "أبطال" يخوضون المعارك لتمهيد الطريق للقوات الغازية أما الآن، فيبدو أن هذه الصناعة لم تعد تنطلي على أحد وللاستعجال حلت محلها صناعة الدمى المكشوفة العارية المحرومة حتى من الرؤوس· إنهم لا يجدون وقتا حتى لاستكمال صناعة رؤوس الدمى· |