إنه الزمن العربي المختل تراجع أمام سطوة الاستبداد والفساد الداخلي وجمود الفكر وتوقف التطور الحضاري وغلبة مفاهيم التطرف والقتل· ففي المجال الفكري رأينا كيف تتعرض حرية الفكر والتعبير الى القسر والشطب والإلغاء عبر تعسف لجنة الرقابة بمصادرة سبعين كتابا من دار نشر واحدة في معرض الكتاب المقام حاليا في الكويت، وهذا طبيعي في ظل منظومة العقل السياسي المهيمن الذي من أهم تداعياته الفردية والشخصنة وثقافة الاستبداد وتنامي الفكر القبلي والديني الذي بطبيعته شمولي ولا يقبل التعدد والاختلاف·
إنها أزمة حقيقية عندما تسيطر السياسة على الثقافة لتنجب مثقفي السلطة أو أبواق القوى المتخلفة، فعملوا على إخضاع وظيفتهم الثقافية والمعرفية للغرض السياسي الذي يخدم قوى التخلف، ولم يميزوا أنفسهم كحملة مشروع ثقافي خاص يتطلع الى مساعدة المجتمع على التحرر والتطور· لقد لعبت آليات تشويه الديمقراطية وخنق الحريات دوراً نوعيا في تدجين وتطويع الثقافة لتصبح مجرد أداة تبرير وتسويغ في خدمة أرباب الفكر المتطرف وقوى الفساد لا فعل إبداع وتطوير·
والنتيجة هي تراجع جهود الإصلاح السياسي والاجتماعي ونظام التعليم أمام طغيان مدارس النقل والتكفير وفكر ديني متزمت يضفي صفات القداسة والتعالي على رموز الطرح الديني الذين تبادلوا المقاعد مع كهنوتية الكنيسة أيام عصور الانحطاط الأوروبي·
فمع الأسف الشديد إن الواقع الكويتي يعاكس تماما الحقيقة التاريخية التي تؤكد على تحول العالم الى عصر الديمقراطية والذي يتعزز في إطاره دور دعاة حرية الفكر والعقل واحترام حقوق الإنسان ومفهوم الدولة المدنية التي تقاوم منطق السلطة الدينية التي أثبتت فشلها في قدرتها على قيادة الأمة· ومن دون شك فإن استمرار حلف البترودولار والسلفية بالسيطرة السياسية على واقعنا الاجتماعي يمثل ردة حقيقية الى كل مظاهر التطرف والتعصب الديني الذي يستحل دم كل مخالف في المذهب والدين وهي العقلية المسؤولة عن كل العنف الذي ابتليت به الدول المجاورة· |