رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 3 ربيع الآخر 1426هـ - 11 مايو 2005
العدد 1677

ما أهمية النصح وكيف يمكن إيصاله الى من نحب؟
د. سعاد الفضلي

النصيحة في اللغة: "أصل نصح الشيء: أي نظفه وأزال ما فيه من وسخ، ونصح العسل أي صفاه مما علق فيه من شوائب"·

والنصيحة ما هي إلا معلومة صافية من شوائب الأهواء والشيطان والنفس الأمارة، حيث يأخذ العقل فيها الحياد الانفعالي بعيدا عن مسببات الشوائب ليقوم بعمله الفكري بإتقان بإرسال المعلومة صافية فكريا وذهنيا وتطبيقا كالعسل المصفى المقدم على طبق الحب والمرسل من الناصح الى المنصوح·

ومن مميزات النصيحة ومهامها الأساسية القيام بعملية التصفية للمعلومة من الشوائب· النصيحة اصطلاحا: إنها السبيل الى إزالة الاعوجاج في القصد وتنقية الخلل في العقيدة أو الأخلاق والعمل·

إن النصيحة هي المعلومة الفكرية التي تصدر من بيئة داخلية صالحة ممثلة بالنية والعقيدة، ومن بيئة خارجية أيضا صالحة ولكنها تظهر في حيز الواقع والعمل ممثلة في أخلاق الناصح وعمله· ومن خصائصها الطلاقة والمرونة والأصالة لأنها تجسد فكرة صحيحة تحل محل فكرة خاطئة من أجل التقويم والتعديل في السلوك فهي نشاط موجه للإصلاح تتحقق منها الفائدة بسرعة الاستجابة، والمعيار الحقيقي لتقييم النصيحة إذا كانت الأفكار المطروحة للنصح ملائمة لخدمة موقف معين بتغيير الحالة الذهنية للمنصوح بتعديل سلوكه ليتوصل الى حل للمشكلة بأفكار الناصح الجديدة·

وتأتي أهمية النصيحة في غرس الأصول النفسية وتثبيتها في ذهن المنصوح لقيامه عمليا بممارستها في محيطه الاجتماعي ومعرفة حقوق المجتمع عليه والهدف الذي يسعى إليه وهي من أهم العوامل الرئيسة في التربية الحديثة مع الاستعانة بوسائل الشرح والإيضاح لإدخال هذه القيم وغرسها باعتبارها أساسا لبنيان الشخصية القويمة، وما نقدمه إليهم اليوم من نصائح هو مفتاح الغد لهم لتنشئة جيل واضح الأهداف، نيّر السلوك، سهل المسالك، طاهر النفس، مؤتمن على أمته·

النصح حاجة ضرورية للنجاح بتكلفة أقل لأنه مزيل لعوائق الطريق أمام المنصوح يقوم بإصلاح المعلومات التالفة واستبدالها بأخرى جديدة نافعة· بها متعة رائعة لأنها تهدي الى الحق وتحفز الإنسان الى التقدم على الصراط المستقيم· فأنت أيها الإنسان المنصوح عندما تستقبل معلومة مجربة وناجحة من عقل الناصح فقد حصلت على علم دون تكلفة، واختزالك للجهد العقلي المبذول للبحث عن المعلومة النافعة·

الإصلاح دائما يأتي من الوحدة في الاتجاه، في جميع ما نملك من طاقات عقلية وقلبية وجسدية ولتحقيق هذا الصرح الآدمي من الطاقات المنسجمة نحتاج الى تواصل حقيقي فنحن البشر نحتاج لنتعايش في هذه الدنيا متوافقين في فطرتنا وحبنا للاجتماع بالآخرين الى تيارات متواصلة تخدم منافعنا ومصالحنا المتبادلة· ولكن كيف نحدث التغير لتحقيق التكامل الخارجي بعد التكامل النفسي الداخلي هذا ما نأمل أن نصل إليه كل من موقعه·

النصيحة مهمة الرسل والصالحين من بعدهم حيث يعملون كأجهزة إرسال معلومات صحيحة للبشر تساعدهم في الإصلاحات الداخلية في الذات، ومتى استقامت الذات الإنسانية بما تملك من معارف استقام الإنسان في حياته، وهي وسيلة رائعة لتحقيق التكامل الفكري، ولا تنطلق إلا من قلب محب لتحقيق التكامل العاطفي النفسي·

وقد كان الرسل جميعا ناصحين لأقوامهم من كل قلوبهم باذلين ما بوسعهم لنفعهم وهدايتهم·· ولذا قال نوح لقومه: "وأنصح لكم"· وقال هود لقومه: "وأنا لكم ناصح أمين"· وقال صالح: "ونصحت لكم ولكن لا تحبون الناصحين"· وقال شعيب لقومه بعدما هلكوا: "لقد أبلغتكم رسالة ربي ونصحت لكم"· والنصيحة التي نحتاجها يجب أن تكون خلقا وصفة شائعة بيننا يقدمها العالم للجاهل، والكبير للصغير، والولي للرعية وتكون مشاعة بين الجميع، من حيث تعودنا عليها، وحرصنا على أدائها، وتقبلا لها وتقديرا وإجلالا واحتراما لمقدمها، لما يبذله من خير يريده لنا·

ولا بد للناصح أن يجهز أدلته العقلية ويكون قادرا على التعامل مع المواقف الغامضة، مثقفا ولديه معرفة واسعة، يمتلك قدرة عالية تنطوي على عناصر الدعم والتحفيز لاستخدامها أثناء النصح، بحاجة الى اعتراف الآخرين بقدراته الإبداعية في التأثير، كما يجب أن يحذر الغرق في التفاصيل، فيضيع الهدف من النصح وتتشتت الأفكار فيفقد القدرة على توجيه المعلومة· كما أن مفهوم النصيحة أعم من أن يقصد به مجرد اتباع الرفق واللين كما يظن كثير من الناس في عصرنا هذا، وإنما تتمثل النصيحة في اتباع الأسلوب الأنسب في حينه، إذ الناصح الحكيم هو من يضع الشيء في موضعه، ولذا فقد عرف ابن القيم الحكمة بأنها "فعل ما ينبغي على الوجه الذي ينبغي في الوقت الذي ينبغي"· كما أنه ليس من ضير على الناصح أن يتخير الأساليب المناسبة لمن ينصحهم وأن يستعين ببعض ما أفرزته العلوم الحديثة في هذا المجال وغيره في معرفة أحسن الطرق للوصول الى قلوب المنصوحين وعقولهم·

عندما تلفنا الحيرة أو نصبح في مفترق طرق كثيرة وغامضة عندما لا تأتي النتائج حسب ما نود وكذلك عندما يتدخل الآخرون - سلبا أو إيجابا - في تحديد بوصلة مسيرتنا في الحياة نقف وقفة جادة نلتمس العون بعد الله عند ذوي الاختصاص لمحاولة تحسين ذواتنا بتحديد أفكارنا وتوجيه من نحب الوجهة الصحيحة نحو الخير·· كل ما يعود على الإنسان في دنياه وآخرته من خير هو طريق آمن وهي أهداف آمنة وضرورية تستحق السعي لتحقيق الأهداف والخطط الأولى السليمة بإذن الله في الحصول على الاطمئنان النفسي والشعور بالأمان تحت مظلة النصيحة النصوح·

 

الأهم من ذلك هو كيف يمكن

إيصال النصيحة الى من نحب:

 

وضوح الهدف المحدد من النصيحة حتى تتضح مسار الفكرة من عقلك الى عقل الشخص الذي تريد نصيحته· فإن القدوة الحسنة لها أثرها في النفوس، فإن وافق الفعل القول كان ذلك أبلغ في الفهم والمعرفة، وفي القبول والإقبال على هذه النصيحة وأن تكون لديك القدرة على المناقشة مع التصميم على وجهة نظرك - اعمل على ضبط أعصابك والمحافظة على هدوئك - حاول العمل على توجيه الحديث الى الهدف المنشود·

التلطف في الأداء قولا وفعلا، فالرفق ما كان في شيء إلا زانه، وما نزع من شيء إلا شانه، إنه من العسير بل من المستحيل أن تقود شخصا الى السبيل الذي تريده وتقتصر مساهمتك في ذلك بأن تحذره من العثرات التي قد يقع فيها خلال سعيه إليها أو نرشده الى طريقة من طرقها· النصيحة تعتمد الى حد ما على الناصح والمنصوح كما تعتمد على المجتمع والواقع، إنه من الأمر الشاق تحديد النصيحة ومعرفة أسبابها ذلك لأنها تتصل بنواح شخصية تختلف من فرد لآخر كما أنها ليست صفة في ذاتها وإنما هي نتيجة للحياة الحسنة المنظمة وكثيرا ما يحصل الإنسان عليها وهو يبحث عن شيء آخر·

إظهار المشاعر القلبية، تظهر واضحة في هذه الآية العظيمة التي تبين ذلك الأمر بيانا شافيا، قال تعالى: "ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم" ما نقوله في هذا السبيل إن أغلبية الناس ترى أن النصيحة المثالية هي تلك الحالة التي تحقق مطالب القلب والعقل معا·· بالحب يمكن الوصول الى القلوب·· ولا يستطيع واحد من الناس أن يتأكد من تأثير النصيحة وفعاليتها إذا لم يتقاسم الجميع هذا الكنز·· وكثيرا ما تأتي النصيحة نتيجة لأعمال وخدمات لا نهدف إليها مباشرة وإننا نؤدي واجبنا العظيم بما يرضي ضمائرنا·· وأن نخدم الآخرين·· لقد سعى الناس منذ قديم الأزل ليتحقق وجود عالم الحق والخير والجمال·· وقد بقيت هذه المثل دائما غاية ما ترنو إليه الإنسانية ويظهر دور الناصح بارزا في ترميم الانحرافات الناشئة عن الحسد والحقد والغيبة والأنانية ليحل الحب والتفاهم محلها·

المعرفة التامة لما ينوي القيام به من نصح فلا ينبغي أن تتقدم بنصح في أمر لا تعلمه ولا تعرف فيه حكم الله وليس لك اطلاع، فإن النصيحة أمر بمعروف ونهي عن منكر· أي على علم وبينة ومعرفة تامة قال تعالى: "ادع الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن"· فالناصح يستفيد من تراكم تجاربه، ويوسع أشكال إدراكه وعالمه وذاته في أفق التأثير علي المنصوح حسب الإمكان، ردد على مسامعه الآيات والأحاديث المناسبة واعمل على توفير نظام معلومات جيد لتزويده بها ولتكن نصيحتك سرا، حتى لا تصير تشهيرا وتوبيخا، وحتى يتقبلها الذي تنصحه، انصحه قاصدا اجتناب السيئات كما قيل فإنها أولى بالنصح من اكتساب الحسنات·

فالناصح الواقعي هو الذي لا يكتفي بتقديم النصيحة بترك الذنوب والمعاصي فحسب، بل لا يفسح مجالا للتفكير فيها، ولا يدع الفكرة المظلمة تمر بخاطره··· فإن التفكير في الذنب، يوجد ظلمة روحية في القلب ويمحو الصفاء الروحي من الإنسان·

النصيحة على مرارة مذاقها تشكل أداة رائعة لتبادل المعلومات والخبرات الناجحة من مخزون العقول البشرية بأقل التكاليف لتبرز النقص الذي تقدمه النفس بطبيعتها الخطاءة فعماد الدين وقوامه النصيحة، والعمل المتقن هو تضافر الطاقات والإبداع لاستخلاص المضامين الكاملة للفكر، ويطلب قانون الإسلام تواجد العواطف كأساس متين للتعامل والعلاقات الإنسانية لذلك لا يتم التناصح إلا بين القلوب المحبة حبا مسؤولا·

تظهر المرونة التوافقية بين الناصح والمنصوح عندما يقومان بإبدال المعلومات من خلال فريق عمل واحد قد تخصص في عمران النفوس وعمران الدنيا، فإننا نتبادل المعلومات لنكون معه أكفأ من خلال فريق عمل يعمر ولا يدمر كما يجب أن نعلم أن جرعة النصيحة مرة لا يقبلها إلا أولو العزم· وبهذا الصدد يقول القرآن الكريم: "الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولو الألباب"·

�����
   
�������   ������ �����
 

لا عقل.. ولا طبيعة!:
أحمد حسين
كوني جميلة.. واصمتي:
سعاد المعجل
بعيدا عن السياسة:
محمد بو شهري
لا دستور جديد:
المحامي نايف بدر العتيبي
معاناة شعبية:
مسعود راشد العميري
مأزق الإصلاح في الكويت!:
عامر ذياب التميمي
التراكض صوب أسواق المال:
د. محمد حسين اليوسفي
استراتيجية شارون:
عبدالله عيسى الموسوي
جماعاتنا الإسلامية سبب.. وليست السبب!:
ناصر بدر العيدان
ما أهمية النصح وكيف يمكن إيصاله الى من نحب؟:
د. سعاد الفضلي
العنف:
فيصل أبالخيل
العقود الحكومية تحت المجهر:
عبدالحميد علي
ممارسة مشروعة للتغيير.. ولكن!:
عبدالخالق ملا جمعة