رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 25 أبريل 2007
العدد 1771

لوعة الغياب
مريم سالم

كتب الكاتب الراحل عبدالرحمن منيف في نهاية القرن المنصرم كتابه لوعة الغياب يرثي فيه جملة من المبدعين العرب الذين تركوا خلفهم مشروعات أدبية تنوعت بين الرواية، والعمل المسرحي، والقصة، والشعر، وحاول منيف في هذا الكتاب أن يطلق شرارات لحرق الخمول المتمثل في ذاكرة الجمعية العربية والتي كثيرا ما تنسى مبدعيها بمجرد أن تنتهي مظاهرات التأبين هنا وهناك، وربما اللوعة التي يشعر بها كل متعمق في ظاهرة النسيان تلك تجتاح البعض من المبدعين الذين كلما غاب أحدهم أدركوا أن الفراغ اتسع للمزيد من الانطفاءات، ولعل الرثاء هنا يدفع بالمبدع إلى التنقيب عن تلك الومضات التي تضيء عتمة الروح، ومن هنا حرص بعض المبدعين على كتابة سيرهم الذاتية قبل أن توافيهم المنية فلا يجدون من يمسح عنهم غبار السنين، ولا يجدون من ينصفهم بعد أن أصبحوا أثراً بعد عين·

وتمثل هذا الحرص في ما تركه لنا البعض من الذين انكبوا على استعادة أدق التفاصيل التي ساهمت في نحت هذا المبدع داخليا وشكلت زوايا ومداخل شخصيته التي ترجمتها موهبته فيما بعد، ورغم أن عدد هؤلاء المبدعين والأدباء في عالمنا العربي قد يكون لا بأس به إلا أنه بالمقارنة مع كتّاب السير الذاتية الغربية سيبدو ضئيلا بلا شك، وفي هذا الاتجاه قدم الباحث السويدي تيتز رووكي فوتوغرافيا تحليلية نفسية لطفولة عشرين مبدعاً عربيا في تاريخ العرب الحديث منذ عام 1929 حتى عام 1988 ونال بها درجة الدكتوراه من جامعة استوكهولم عن الأدب العربي، وربما من أهم ما خرجت به هذه الدراسة القيّمة أن السيرة الذاتية تنقل للقارئ خبرة ثقافية وحياتية تمت صياغتها في قالب أدبي حيث يتوقف مدى التواصل بين النص والقارئ على مدى قدرة هذا الأخير على التقمص والتوحد الرمزي مع الكاتب، مما ينشئ خيطاً من التواصل بين أفراد المجتمع ونقل الخبرات وحث المرء على تأمل حياته والبحث عن المشتركات بين التجارب الإنسانية·

 وفي هذا الصدد لا يزال البعض من مبدعي الأمة غير مدركي لأهمية هذا الأدب الذي لا يقارب المسافات بين القارئ والكاتب فحسب، وإنما يجسر المراحل الزمنية بين الأجيال، فالتوغل في بعض السير يضع القارئ في مناخات نادرة لم يتسن له أن يستشعرها بكل أبعادها فالمبدع هنا يصبح شاهدا على تاريخ المكان والزمان معا، إلى جانب ما يترجمه من رؤية شخصية بحته تلهم كل من يقرأ له بأهمية هذا التنوع في الحس والشعور تجاه أصغر الأشياء وحتى لو كان هذا الشيء بابا عتيقا، فما بالك بمدن استولت على قلب المبدع ولم تدعه إلا وهو يلفظها على وريقاته·

لذا فإن القارئ الذي ينوس بين نتاجات المبدعين والأدباء على اختلافها، يظل يبحث عنهم في هذه الكتابات وقد لا يجدهم طالما كان التخفي بارعا في عزل حياتهم عن أعمالهم الأدبية لدرجة أن البعض يلمس فرقا شاسعا بين حياة الأديب وواقعه المعايش الذي قد يذهلك حين تقرأ لأحدهم ولا تجده بين السطور، ولعل هذا هو قمة الإبداع، لكن يبقى المبدع ملزما بشكل ما في تصوير واقعه من منظوره الإبداعي كي يفسح أمام القارئ فرصة النفاذ إليه والتوحد مع رؤاه التي شكلت مخيلته الإبداعية، وربما الأهم في هذه الكتابة النوعية هو الاختصار المكثف لكل اللحظات التي تفتقت أمامه ذات نهار وتركت ظلالها في روحه، فلكل إنسان محطاته التي يحن إلى العودة إليها بصورة ما ولا تتسنى العودة أمام الجميع طالما الذاكرة غير منشغلة باستحضار الآخر وهو المبدع نفسه الذي غادر لحظاته وانشغل عنها دون أن يدرك ما تركته في نفسه من أثر عظيم·

من هنا تأتي أهمية أدب السير الذاتية للأدباء والمبدعين فهو يطلق رصاصة على ذاكرة النسيان العربية كي يستفزها في اختراق القشرة التي تغلف تجارب حياتية تظل ممتعة رغم آلامها وهو ذات التعبير التي كتبته غادة السمان حين وضعت بين يدي القارئ العربي الرسائل التي تبادلتها مع الراحل غسان كنفاني، وكشفت بها عن تلك العجينة الرومانسية التي دعكت مناضلا مبدعا، وقدمت بجرأتها تلك منجزا إبداعيا آخر وربما على صعيد نضالي آخر يضاف إلى إنجازاته الإبداعية، ورغم ما أثارته هذه الرسائل من خلافات إلا أن القارئ تقبلها على أنها سيرة حياة لا بد أن يتقاسمها مع أبطالها الحقيقيين طالما واصل تقاطعاته مع كتاباتهم لدرجة الإلهام·

وإذا توقفنا عند سلسلة السير الذاتية التي نشرها بعض المبدعين سندرك أن القاسم المشترك بينهم يتجسد في الرغبة في وضع نهاية محتملة لأفكارهم نحو التاريخ الذي عاشوه ولمسوه لأن من الصعب جدا أن تترجم لشخصية إبداعية دون أن تنفذ إلى مسامها و تتوقف عند مختلف الزوايا الحادة منها والمنفرجة والتي يصعب على من يترجم لها القبض على خفقات الشعور بالاحتمالات التي راودت هذا المبدع تجاهها وتركت جراحاتها في اللاشعور واستقرت في وجدانه، ولعل الكتابة في هذا الاتجاه الصاخب بالتأملات ينعكس على القارئ الذي لا يستلهم تجربة الكاتب وحدها بمعزل عن افتتانه بالعمق الذي يصل إليه من خلال هذا الإبحار في حياة الآخر·

ورغم افتقار المكتبة العربية لهذا الأدب فإن الكتابات التي اندرجت تحت هذا التصنيف تكاد تشيع أجواء مختلفة حين تلقط أنفاس الباحث والمهتم بهذا النوع من المطالعة، ولعل أكثر ما يظل يدهش القارئ لها هو شعوره بالحميمية التي تتملكه لدرجة الذوبان في مجريات السيرة الذاتية وكأنه جزء لا يتجزأ منها، فالحزن الذي يجتاحه عند نقطة النهاية، والوصول إلى لحظة إسدال الستار التي يكرهها لدرجة قد تشعره بالفقد وتتركه أمام وداع من نوع خاص·

وعليه فإن جماليات السير الذاتية الإبداعية تتلخص في تقديمها لشخصيات ملمهة، تركت أثرا ملموسا في محيطها الأدبي، وساهمت في إحداث التغيير تجاه كثير من المشاهدات اليومية التي قد نصفها بالروتينية، وهذا ما يجعلها مختلفة ومبدعة في نفس اللحظة، لذا من الصعب تقبل خسارتهم رغم المسافات التي تفصلنا عن حياتهم الواقعية، لكن هذا الأدب الرفيع والفذ من نوعه يجمعنا بهم حتى حين يغادرون ليبدأ مع هذا الرحيل لوعة الغياب·

* كاتبة إماراتية

�����
   

أناقة العقول:
علي عبيد
لقاء المعارضة والقيادة:
د.عبدالمحسن يوسف جمال
دستور الشباب:
سعاد المعجل
بلبل ينعق:
على محمود خاجه
الهرم المقلوب... أزمة ضمير:
المحامي بسام عبدالرحمن العسعوسي
تصريحات لا مسؤولة:
المهندس محمد فهد الظفيري
خادمة للتنازل!:
علي سويدان
بوركت ياصاحب السمو..:
محمد جوهر حيات
سلطة الفاكهة والكوكتيل:
فيصل عبدالله عبدالنبي
مفاهيم رجعية:
محمد بو شهري
حبل الشك انقطع:
أحمد سعود المطرود
السلام الصهيو - أمريكي:
عبدالله عيسى الموسوي
السباق...:
سعاد بكاي
لوعة الغياب:
مريم سالم
الانتزاع من الوطن:
د. لطيفة النجار
لاءاتنا الثلاث..
لا إسقاط لقروضنا.. ولا تنازل عن ديوننا ولا ضرائب علينا!:
خالد عيد العنزي*