
كتب عبدالله النيباري:
لقد نطق سمو الأمير بالحكمة التي يتوقعها منه أبناؤه أبناء الشعب الكويتي وينتظرونها· فهو رئيس الدولة والد الجميع وقائد المسيرة الحارس الأمين على أمنهم ومصالحهم، حامي الدستور ورئيس السلطات· وإذا كان بعض أفراد الأسرة الحاكمة أو بعض الفئات أو التكتلات لديها أجندات خاصة ظاهرة أو مخفية فصاحب السمو لا ينبغي أن يكون له إلا أجندة واحدة أمن الكويت ورقي وتطور شعبها ومجتمعها، فالكويتيون ينبغي أن يكونوا لديه كلهم على حد سواء من كان من أسرة الصباح أو أي أسرة أخرى صغيرة أو كبيرة كلهم أمامه أعضاء الأسرة الكويتية·
على مدى شهرين أو أكثر عاشت البلد تحت هاجس ومخاوف تعديل أو بالأحرى تعطيل الدستور في ضوء الأحاديث والتسريبات التي تم تداولها والتي انطلقت أساسا من أوساط الأسرة الحاكمة ومن أفراد مرموقين منها، فهي لم تكن دخانا بلا نار، وقد اعتبر ذلك نوعا من جس النبض أو قياس ردود الفعل أو التمهيد والترويج لفكرة مستقرة وربما قرار متخذ، بل وصل الأمر أن بعض الصحف المحلية والتي تعتبر أنها تنقل من مصادر قريبة من السلطة تحدثت عن ذلك وأشارت إلى ضجر القيادة السياسية وأوساط الأسرة الحاكمة مما يحدث في مجلس الأمة من تراشق متصاعد وما سمي بالتعسف في استخدام الأدوات البرلمانية أو الصلاحيات الدستورية، وتحدثت عن خطوط حمراء لاينبغي تجاوزها وأن هنالك كارت أحمر سيرفع في مواجهتها·
ورافق ذلك بروز الخلافات، بل والصراعات بين أفراد أسرة الصباح التي طفحت على السطح ووصلت صفحات الجرائد وشاشات الإنترنت إلى جانب اللغط والهمس في المجالس الخاصة والكلام الذي يجرى أحيانا إيحاء وأحيانا يفلت صراحة·
وتمدد التنافس والصراع فكل طرف يبحث عن من يستقوي به من كتاب وصحف وأصحاب المصالح والمنتفعين أو نواب وصلوا مقاعد المجلس بشراء الأصوات أو عن طريق المعاملات والواسطات أو أندية أو اتحادات وأنشطة رياضية·
وهذا أمر طبيعي فأصحاب المطامع ميالين لاستخدام كل الأساليب وجميع الأدوات كل شيء حلال مباح استخدامه لا يمنعهم قيم أخلاقية ولا يردعهم حياء ولا يوجد لديهم اعتبار لما يضر بالصالح العام وحقوق الآخرين أو مصلحة وطنية·
ولذلك فقد خص سمو الأمير جزءا مهما من حديثه لهذه المسألة مشددا "لن يسمح بتداول أي مشكلات أو خلافات قد تطرأ بينهم علنا وتمنى أن تختفي إلى غير رجعة تلك التصرفات التي سادت أخيرا وانتقدها الناس وجميع فئات المجتمع ولا يمكن أن يتصور شخص يكتب أو يهاجم أخاه أو ابن عمه" وحذر في لهجة حاسمة من التراشق بالاتهامات "من أجل أغراض شخصية قائلا المشكلة فيكم يا أبناء الأسرة وليست في الدستور، فكلكم تريدون أن تكونوا وزراء وتتصارعوا وتنقلوا صراعاتكم للإعلام"، "ولفت أن هناك من يؤزم لغرض في نفسه وعليه أن يبتعد عن التأزيم لا من أجل الأسرة فقط ولكن من أجل الكويت"·
ولا أعتقد أن أحدا يمكن أن ينافس أو يزايد على كلام سمو الأمير في انتقاده وتقريعه لأطراف الصراع في الأسرة، فكل ما كتب وكل ما قيل في هذا الشأن كان يراعي الحساسيات، ويجهد النفس في الدوران والالتفاف لكي يمارس وخزة إبرة، فجاء كلام سمو الأمير "تسونامي جارف" يفترض أنه هز من الأعماق كل من لديه إحساس، ولا يملك المرء إلا أن يشعر بأن الرجل فاض به الكيل مما يرى ويسمع وبلغ به الكيل الزبى ففاض وانفجر مزيحا المجاملات والمراعاة·
كما لم يوفر سموه تلك الصحف التي حاولت بالإثارة أن تستغل وتستثمر الموقف وتحرض الحكم على أفراد عبروا عن رأيهم ومخاوفهم على النظام وطرفي المعادلة الحكم والشعب، فجاء كلامه أقوى من الحجر ملجما كل من يتقول "لقد تأكد لي أن الحديث الذي أدلى به أحمد السعدون أخيرا قد تم تحريفه وأنه لم يقصد أبدا المعاني والدلالات التي بدت من طريقة نشره في الصحف حيث تعرض الحديث للتحريف· إن الكلام الذي قيل عبارة عن نصيحة نقدرها وهذه عادة أهل الكويت في تقديم النصح وهي ليست جديدة عليهم"· وكأنه يقول موتوا بتحريفكم· منتهى الحكمة وأقصى سعة الصدر وقمة السماح·
إن الكلام الذي أشاع الاطمئنان أملنا يتجاوز حدود التوبيخ والتقريع ليتحول إلى سياسة بآليات وأدوات تنفيذية تردع بالعمل والتنفيذ من لم يتعظ بما سمع·
هنالك من سيفسر هذا الكلام على أنه فورة غضب وامتعاض من سلوكيات غير سوية، وسوف نحني الرأس إلى أن تمر عاصفة الغضب·
ولكن أجندة رئيس الدولة هي حفظ أمن البلد واستقراره وحفظ مصالح طرفي المعادلة شعب وأسرة حاكمة وإذا كان كلام سموه مرحلة رقم 1 (فيز-ون) فأغلب الظن أن في جيبه حزمة إجراءات عملية للمرحلة الثانية (فيز-تو) لكي تكتمل سياسة ضبط أمور البلد حرصا على مصلحة الجميع·
مع الاطمئنان الذي أشاعه كلام سمو الأمير في النفوس بأن لا تعديل للدستور، وتحذيره للأطراف المتصارعة في الأسرة، لا يملك المرء إلا أن يسترجع الإجراءات العملية التي اتخذها المغفور له عبدالله السالم مع كبار الشيوخ فهد السالم وعبدالله المبارك حرصا على أن يسود تلاحم الشعب والأسرة ويترسخ الاستقرار لكي تستأنف الكويت مسارها لاستعادة مكانتها في طابور الدول المتقدمة، وبناء الكويت دولة عصرية ناهضة·