عندما أخبرني عبر الهاتف صديقي العزيز أبو ياسر "يوسف العجاجي" أن هناك أخباراً جيدة من البحرين، ولكن هناك خبر حزين فقلت ماذا؟ فقال: إن الأخت الطيبة والإنسانة الودودة والمرأة المكافحة والمثابرة والرائعة في تاريخها السياسي قد انتقلت الى رحمة الله تعالى قبل أيام عظم الله أجوركم بوفاة أختكم المرحومة ليلى عبدالله فخرو·
أغقلت السماعة فسرحت أفكاري قليلا تسترجع الماضي، تشحذ شريط الذكريات فتصر على العودة الى عهد المراهقة السياسية وتجارب الماضي، حيث قرر بعض الشباب الكويتي في أواخر القرن الماضي، وبالذات صيف 1969 الالتحاق بصفوف الثوار والثورة في سلطنة عمان·
وكان دليلنا وأكثرنا تحمسا في ذلك الوقت الأخ أحمد الربعي "عجل الله تعالى بشفائه وأطال في عمره" حيث كان يجذبنا بأطروحاته الثورية وشعاراته السياسية الى أن قررنا الوقوف في صفه والسفر الى عدن عاصمة جمهورية اليمن الشعبية، ومنها الى المكلا عاصمة حضرموت وبالتالي الالتحاق بالثوار في جبال عمان الجنوبية "منطقة ظفار" وهناك تمت عدة لقاءات طيبة وإنسانية بين شباب من مختلف دول الخليج العربية جاؤوا للكفاح من أجل التغيير ومن أجل مستقبل أفضل "كما كانوا يعتقدون"·
وحدهم هدف إنساني نبيل وحلم في بناء مجتمع عادل ومتقدم لسلطنة عمان ولبلدانهم ولعوائلهم وأهلهم الذين تركوهم وراءهم، ولكن الغريب في الأمر أن معظم من تسنم الصعاب وتجشم الألم والمعاناة كانوا من الشباب الذكور إلا من تلك الجزيرة الوادعة الرائعة الجميلة "البحرين" كان بعضهم من الفتيات الشابات، وفي مقدمتهم تلك الإنسانة الودودة الخلوقة الكتومة الهادئة الحبيبة هدى "ليلى عبداله فخرو" وأختها بثينة·
"هدى" هذه الإنسانة الصلبة المثابرة صاحبة القناعات التي لا تتزعزع والتي كان يحسب لرأيها دائما ألف حساب، في كل اللقاءات السياسية والمشاورات الفكرية، ولكي تثبت هذه الإنسانة للآخرين رؤاها حول وحدة المنطقة ووحدة شعوبها وأملها المحلق بالخيال لإقامة كيان سياسي واحد يضم كل هذه الإمارات، اقترنت برفيق نضالها العماني الذي أنجبت منه فتاتين ممزوجتي الدم والخلق بهذه القيم النبيلة·
كان الصعود فوق الجبال مع ثوار عمان حلماً سرمدياً طوباويا لاستشراق المستقبل، وكان جزءاً من درب الآلام الطويل الذي شمل الغربة والمرض وفراق الأحبة والأهل والوطن، ولكن وطن "ليلى" كان واسعاً ممتدا على رقعة عريضة يضم كل إمارات الخليج العربية، كانت ليلى ذلك الملاك الذي يرفرف بجناحيه على معظم اللقاءات الفكرية والسياسية ويحنو على الأطفال في تلك الجبال الوعرة يداوي ويناغي ويغني ويربي ويدرس تلك البراعم، التي كما يقول الأخ العزيز عبد الجليل النعيمي عنهم في مقالة يرثي فيها الفقيدة ليلى "سواعد تساهم في بناء حاضر ومستقبل سلطنة عمان الشقيق" وأنا على يقين ألف مرة من ذلك حيث يحتلون مناصب رفيعة في الوقت الحاضر جعلت من سلطنة عمان دولة مقتدمة على كل صعيد في منطقة الشرق الأوسط يشار لها بالبنان·
تحقق هذا الحلم جزئياً عام 1981 بقيام مجلس تعاون لدول الخليج العربية ولكن ظل مشروع الإنسان في ذلك المجلس ومساعدته واحترام حقوقه تؤرق جوانبها الى أن عادت الى البحرين عام 1995 بعد غياب قسري طويل لتنضم الى التحركات الشعبية والوطنية، التي تطمح الى بناء مجتمع قائم على القيم الإنسانية والعدل والمساواة والمحبة والديمقراطية·
لم أعرف "ليلى" بصورة قريبة إلا في بيروت، عندما زرتها عدة مرات كرئيس للاتحاد الوطني لطلبة الكويت وبعدها كنائب للرئيس للعلاقات الخارجية للإشراف على فرع الاتحاد الوطني لطلبة الكويت في بيروت وخلال لقاءاتي معها ومع غيرها بالجامعة الأمريكية وفي كلية البنات الأمريكية، عندما وحدنا الهدف والتنظيم "الحركة الشعبية الثورية في عمان والخليج العربي" كانت لقاءات سريعة وعابرة مع شباب وشابات من البحرين، عرفت منهم عن قرب أختها بثينة والزميلات النجيبات مثل: صالحة وفوزية وأسماء وغيرهن اللاتي كن شعلة نشاط وحيوية في الوسط الطلابي والحراك السياسي·
لقد جسدت تلك الحركة الثورية في منطقة الخليج العربي بداية إرهاصات لقيام مجلس التعاون ولكن على المستويين الشبابي والشعبي فلقد اختلط دمع ودموع وآلام وآمال رفاق الكفاح والعمل الإنساني والسياسي من البحرين والكويت والإمارات على أرض سلطنة عمان الطيبة·
كان الشباب من الجنسين ومن مذاهب مختلفة موحدين لا يشعرون بأية فوارق لا طبقية ولا مذهبية، كان ديدنهم بناء مجتمع متقدم وراق يحترم القانون ويقدس الحريات الفردية، وإنسانية الإنسان والقيم الديمقراطية ولكن ههيهات ما بين الخيال والواقع! ولكن "ليلى" لم تستكن يوماً ولم تلن، وهي من تلك العائلة الوطنية العريقة والغنية في ممكلة البحرين بل ثابرت وواصلت عطاءها حتى وهي على فراش المرض "كما يروي المقربون منها" وعبر "ليلى" عرفت وجوها نسائية طيبة من عائلة فخرو الكريمة وما زالوا يلعبون دورا اجتماعيا وثقافيا وسياسيا له رصيد شعبي كبير في مملكة البحرين من أمثال: بثينة ومنيرة وبلقيس فخرو، "أطال الله في أعمارهن"·
فإلى جنة الخلد يا ليلى وليلهمنا الله وكل محبيك وأهلك ورفاقك الصبر والسلوان·
alqadirigallery@yahoo.com |