حمد حسين:
بعد أن ظلت المبادرة العربية التي صدرت عن قمة بيروت قبل بضع سنوات في سلة المهملات الإسرائيلية - الأمريكية منذ لحظة إطلاقها بدأ تداولها فجأة قبل انعقاد القمة العربية القادمة في الرياض، وأول من أطلق حملة هذا التداول هو الجانب الإسرائيلي، ثم جاءت التحركات الأمريكية التي يقودها نائب الرئيس الأمريكي ديك تشيني وتشارك فيها وزيرة الخارجية بزيارة مخططة لترتيب أوراق القمة العربية كما يبدو مع ما تسمى دول الرباعية العربية·
التصريحات الإسرائيلية التي أطلقتها وزيرة الخارجية الإسرائيلية وطالبت فيها القمة العربية القادمة بشطب النص على حق العودة الفلسطينية (رغم أنه جاء في المبادرة في صيغة المطالبة بحل عادل استناداً الى القرار رقم 194 ولم يشر إلى "حق العودة) وطالبت بإلغاء النص على الانسحاب الإسرائيلي إلى حدود الرابع من حزيران والاكتفاء بوضعه موضع التفاوض كأمر متنازع عليه سرعان ما تلقفها وزير الخارجية الأردني في اجتماع القاهرة الذي يعد جدول أعمال القمة، وطرح الطلب الإسرائيلي بوضوح، وجاءت ردود الفعل الرافضة لإجراء مثل هذا التعديل في موقف موحد سوري- مصري- سعودي بالإضافة الى موقف أمين عام الجامعة العربية·
فما الذي دفع الأمريكيين بلسان الناطق باسم البيت الأبيض ونائب الرئيس الأمريكي وأخيراً رئيس وزراء إسرائيل ووزيرة خارجيته إلى تداول هذه البضاعة والحديث عن "جوانب إيجابية" فيها، ولكن بعد "تعديلها" وأخذ الخطوط الإسرائيلية الحمراء في الاعتبار؟ ولماذا تجيء رايس إلى المنطقة وتستبق انعقاد القمة العربية؟
أكثر ما يوضح الصورة ذلك التفسير الذي قدمته صحيفة هاآرتس الإسرائيلية حين ذكرت قبل أيام أن واشنطن تدير الآن اتصالات تستهدف طرح موضوع تعديل المبادرة العربية على جدول القمة العربية باعتبار أن هذا التعديل هو المدخل لتغيير المناخ السياسي في المنطقة على قاعدة "المصالح المشتركة" بين إسرائيل وما تسميه واشنطن محور "الاعتدال" العربي، وهو ما يعني تحديدا تهيئة المناخ لاستكمال خطوط التحالف الشيطاني الذي تفكر فيه واشنطن منذ الصيف الماضي بين ما تسميها الدول العربية المعتدلة وإسرائيل·
فكرة هذا التحالف ولدت في الأيام الأخيرة من الحرب على لبنان واندحار مخطط الغزو الإسرائيلي وبدء تبدد خطة البنتاغون التي وضعت في العام 2002 حسب الجنرال الأمريكي ويسلي كلارك التي استهدفت تدمير خمس دول عربية هي العراق وسورية ولبنان والصومال والسودان وأخيراً إيران، وجاء الاتفاق بين رئيس الوزراء البريطاني بلير والرئيس الأمريكي بوش في اجتماع واشنطن السري الشهير في أىام حرب لبنان الأخيرة على ضرورة تشكيل هذا التحالف، والذي لن يكون مقنعا وممكنا بالنسبة للدول العربية المقصودة به إلا إذا تظاهرت بريطانيا والولايات المتحدة بتقديم حل للقضية الفلسطينية·
الأمر الثاني، والأكثر إلحاحاً بالنسبة لحكومة الإسرائيلي أولمرت هو إيجاد فرصة لإنعاش وضعيته المهتزة ووضعية حزبه المهدد بالاندثار بتداول ما يسمى "بالعناصر الإيجابية" في المبادرة العربية، وتتركز الإيجابية كما شرحتها وزيرة خارجيته في اقتناع الدول العربية الذاهبة الى قمتها، وبخاصة دول "الاعتدال" بأن بقاءها أو بقاء أشخاص رؤسائها بالأحرى مرهون بإقامة علاقات تطبيع مع إسرائيل قبل التفكير بالحصول على أي سلام معها·
فإذا واصلت القمة العربية أو أطراف نافذة فيها السير على طريق هذا التطبيع كما تفعل الآن عدة دول عربية علنا وسراً، وإذا تم التنازل عن حق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى أرضهم وقبول توطينهم في البلاد العربية فإن إسرائيل تكون بذلك قد ضمنت وهذا هو العنصر الثالث، الإمساك بالقدس وكتلة المستعمرات في الضفة الغربية·
هناك رفض عربي ظاهر كما يبدو للخضوع للمطالب الأمريكية - الإسرائيلية، وتمنع في أوساط حاكمة، وخلافات داخلية في أكثر من مركز قرار عربي، ومخاوف من المغامرة في طريق هذا التحالف الشيطاني وصولاً الى تمهيد الأجواء لحروب أهلية عربية - عربية، وحروب- عربية - إيرانية وليس هناك إجماع على الذهاب الى القمة لتوليد مثل هذا التحالف رغم وجود أطراف عربية بدأت ترى أن بقاءها مرهون بعودة القوة الأمريكية - الإسرائيلية الى الصعود· وكل هذا يعني أن القمة العربية إما أن تكون آخر "القمم" الجامعة ويذهب كل فريق في طريقه، أو تبقى قمة الرياض على الحد الأدنى من التجمع وتؤجل الحسم رغم السياط السرية والعلنية التي تلهب بها واشنطن ظهور بعض زعمائها·