· مسؤولية تاريخية كبيرة ملقاة على سمو رئيس الوزراء
كتب محرر الشؤون السياسية:
أهمية التشكيل الوزاري المرتقب أنه يضع الكويت بين خيارين لا ثالث لهما الأول هو مواصلة السعي لتحقيق الإصلاح المنشود مع التمسك بالدستور وعدم المساس به ودفع عجلة التحول الديمقراطي والتنمية، والثاني هو الانقلاب على الدستور بتعديله لصيغة شبيهة بالنموذج المطبق في البحرين باستحداث مجلس للشيوخ يختار أعضاؤه بالتعيين وتقليص صلاحيات المجلس المنتخب في الرقابة والتشريع أي تقليم أظافره ونزع سلطاته ليصبح مهمشاً "لا يهش ولا ينش"·
أطراف في الأسرة الحاكمة مازال يراودها الحنين إلى عهود الاستبداد والانفراد بالسلطة فهي لا تستطيع تحمل التعايش مع الدستور أو العيش تحت سقفه وقبول ما يفرضه من قيود وضوابط هي السمة الأساسية لدولة القانون والمؤسسات·
هذه الأطراف كانت تأمل بتقويض الدستور من الداخل وذلك باستخدام مصالح الدولة وأجهزتها لكي تأتي نتائج الانتخابات بمجلس يكون طوع اليد وتكون الأغلبية الساحقة من الموالين ورغم كل النصائح بتجنب التدخل في الانتخابات العامة أو الانتخابات داخل المجلس إلا أن طمع هذه الأطراف في الثروة والنفوذ حجب بصيرتها عن رؤية مصالح المجتمع بكل أطرافه حكاماً ومواطنين، فمارست العبث بالدولة وسخرت كل الأساليب ففتحت أبواب الوساطة للتوظيف والترفيه والنقل والإعفاء من الخدمة بمرتب وتركيز أعوانهم في المواقع الإدارية القيادية والتأثير في مسار مناقصات الدولة والرخص والمعاملات كل ذلك لإنتاج وإعادة إنتاج مجلس مطواع خالٍ من أصحاب الرأي المستقل والموقف الصلب·
هذه الفئة بعد أن خسرت رهان تقويض التجربة الديمقراطية من الداخل وفشلت في إجهاض مشروع تعديل الدوائر وأبعدت من دائرة القرار قفزت إلى طرح نظرية السيف والمنسف في اجتماعات الأسرة مؤخرا كنظام للحكم بدلا من الدستور والديمقراطية، والمقصود بالسيف والمنسف أسلوب الترهيب والترغيب أي استخدام المال الوفير لدى الدولة والمصالح والمنافع لكسب الموالين·
ومن لم يقبل الاصطفاف في طابور الموالين يواجه بالسيف أي بالترهيب والقمع اقتداء بما هو مطبق بالدول ذات الأنظمة الاستبدادية في المحيط العربي التي يعشعش فيها الفساد وينفرد حكامها بالقرار فيما تعيش الشعوب حالة الحرمان من الحقوق والشعور بالظلم وعدم الرضا المكبوت·
هذه الأطراف لا يدخل في اعتبارها البحث عما يكرس استقرار البلد ولا تفكر في الحاجة لاستراتيجية التنمية والتطوير وليس في أولوياتها نشر العدل والمساواة، ولا يعنيها بناء دولة المؤسسات واحترام سيادة القانون وهمها فقط في استعادة سلطتها وتضخيم ثروتها واستقطاب أتباع لها·
وهي ترى في النظام الدستوري البرلماني قيداً على أطماعها وعقبة في تركيز السلطة في يدها والانفراد بها·
لذلك فإن أهمية التشكيل الوزاري القادم هو ما إذا كان مرحلة تقود البلد الى مشروع الانقلاب الجهنمي على الدستور أم يتمخض التشكيل الوزاري عن صيغة تؤدي الى التوافق وإطفاء بؤر الحرائق وتضع البلد على بداية طريق الإصلاح·
هذه المسؤولية الجسيمة ملقاة اليوم على أكتاف رئيس الوزراء المكلف، بعد أن طرحت أمامه جميع التقديرات والاحتمالات والتحديات واستمع الى كل وجهات النظر من الأطراف كافة وأصبحت الصورة وما يترتب عليها من تداعيات واضحة له·
صحيح أن جرعة التفاؤل التي شاعت لدى الناس في بداية التكليف قد أخذت في التلقص والآمال في برنامج إصلاحي جذري أخذت في الانكماش إلا أنه مع ذلك هنالك بصيص من الأمل أن يأتي التشكيل الحكومي المنتظر بما يحقق قدراً من التوافق ويجنب البلد الاندفاع الى نفق مظلم·
لقد مرت الكويت بتجارب تجاهل إرادة الشعب ومحاولة الانقضاض على الدستور، فلم تجن منها إلا عدم الاستقرار والمواجهة بين قوى الشعب والحكم·
نظرية السيف والمنسف هي من مخلفات عصور الأباطرة وحكم الاستبداد والقهر، السيف اليوم يترجم بسيف القانون الذي يستمد منه الحكم شرعيته وهيبته، والمنسف هو حسن إدارة ثروات البلد وموارده في التنمية والتطوير وعدالة توزيع الدخل، وهيبة الحكم هي في أن ينأى أفراده وأطرافه عن مزاحمة المواطنين في كل كبيرة وصغيرة·
الأمل في أن تتغلب الحكمة والرؤية المستنيرة وإعلاء مصلحة المجتمع على قصر النظر والمصالح الآنية والذاتية·