رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 7 فبراير 2007
العدد 1761

انكشفت البنية الإسرائيلية أخلاقيا وعسكريا واقتصاديا

د· عادل سمارة:

حين يدور الحديث عن الفساد يستدعي ذلك الحديث عن السلطة بما هي آلية لتحقيق مصالح ومنافع يغطيها القانون، ولكن يوفرها الاقتراب من السلطة أي الحلول فيها، أو ممن في السلطة· وهذه أمور عامة في المجتمعات، لا يمكن لمجتمع يقوم على الملكية الخاصة، أن يزعم النأي عنها، وإن كانت تنتشر في مجتمعات بعينها أكثر من غيرها، كما أن شفافية مجتمعات ما تكشفها سريعا في حين أن بيروقراطية مجتمعات أخرى، تغطيها لمدى أطول·

الدارج لدى العرب، أن الكيان الصهيوني دولة مثالية في جميع الأمور، وهو ما يشجع العرب كثيرا على جلد الذات، حين مقارنة أنفسهم بالكيان، دون ضرورة· وفي الجانب الآخر، يحرص الصهاينة على الظهور بمظهر المثال وذلك ضمن مشروع التميز بالحرب النفسية من جهة، ولاكتساب قوة إضافية بلا رصيد من جهة ثانية، أي مصدرها الاقتناع حتى الامتلاء بأن العرب ضعفاء بامتياز· لذا، مثلا صدموا حينما اخترق المصريون خط بارليف وصدموا من موجات الهجوم السوري بالمدرعات المكشوفة في الجولان، ومن دور المقاتلين الفلسطينيين الجريئين فوق العادة في أعلى المواقع في جبل الشيخ، وأخيرا من حزب الله·

لكن هذا البناء الذي يزعم أنه "إسبارطي" تعرض في الأشهر الأخيرة لمستويات ثلاثة من الانكشاف:

الانكشاف الأخلاقي، سواء في شخص رئيس الدولة أو وزير العدل، وهو الأمر الذي سمح لبوتين بالاستهزاء برئيس الدولة أثناء زيارة أولمرت لروسيا قبل شهرين: "كيف كان له أن يفعل كل هذا - يقصد كتساف؟"· وهذا الانكشاف هو في جوهره فساد أخلاقي لمن هم في موقع السلطة ووجوب الظهور كقوة "مثال"·

ثم الانكشاف العسكري، الهزيمة في حرب لبنان، رغم استمالة الكيان وأمريكا لإنهائها كنهاية حرب أكتوبر 1973، ولكن لم يكن هناك من سبيل، فانتهت على غير ما انتهت إليه الحروب السابقة· وهي الهزيمة التي أكد الاعتراف الصهيوني بها بما فعله دان حالوتس رئيس أركان الجيش الصهيوني حيث استقال قبل أن تصدر لجنة التحقيق تقريرها·

وأخيرا، وربما ليس آخرا، كان الفساد المألوف في كل الأنظمة، والذي لم يتصور الإسرائيلي العادي أنه سيقع فيه! صحيح أن الاقتصاديين طالما نسبوا الفساد إلى "الدولة الرخوة" كما وضعها الاقتصادي السويدي جونار ميردال، والدولة الرخوة بالنسبة لميردال ليست غربية أوروبية على الأرجح، بل عالمثالثية، لا يسود فيها حكم القانون، ولا تزعم أنها دول المجتمع المدني· فهي رخوة أساسا لأن فيها فسادا يعيش ضمن النظام العام، ويتم احترامه كما لو كان هو النظام العام· وهذا أمر يربأ الكيان الصهيوني بنفسه عنه·

طارىء أو ضروري؟

لكن هذا ما وجدت حكومة أولمرت نفسها متورطة فيه، بل كان التورط لدى أولمرت نفسه، وهو التورط الذي يتم نقده والتحقيق فيه اليوم· لكن التورط المؤكد هو في مكتب أولمرت نفسه حيث وضعت سكرتيرته الخاصة قيد الإقامة الجبرية بتهم التورط في الغش والفساد وإساءة الائتمان واستخدام موقعها الحساس في توظيف موظفين كبار في الدولة· كيف لا والسيدة ترافق أولمرت منذ ثلاثين عاما، كما اعتقل إلى جانبها رئيس سلطة الضرائب جاكي ماتسا· ويتم التحقيق مع 20 مسؤولا في الجهاز الضريبي وأربعة مقاولين بتهم تلقي وتقديم رشى·

ولكي لا نتصور أن الكيان في وضع متهالك، لابد من الإشارة إلى أن عيون مراقب الدولة مفتوحة هناك، وهذا ما كشف غطاء برميل الفساد للجمهور· على سبيل المثال، حتى الأمور الصغيرة جرت مراقبتها· كان رئيس الطاقم في ديوان أولمرت يورام توربوفيتش قد تسلم هدية من مفعال هبايس بقيمة 300 شيكل، ولم يسلمها لمخزون الدولة، لكنها سجلت عليه، حتى لو لم يكن يعرف بها كما يزعم هو·

إنما، هل هذا الفساد طارئ، أم ضروري؟ وهذا يستدعي أمرين:

الأمر الأول: إن الكيان لم يعد الدولة التي تمثل المجتمع بأسره، بمعنى أنها في وضع "ثوري" يمنع، ولو أخلاقيا الانحراف، على الأقل لشعور كل فرد أنها دولته· فمع السنوات، تزايدت الفوارق الطبقية، وتبلورت طبقة متداخلة برأس المال الدولي، وتمكنت هذه الطبقة من تحول الدولة كأداة لتوسيع حصتها في كل شيء· ولمن رفض رؤية ذلك عليه أن يعود إلى الوراء قرابة ثلاثين عاما، حينما صعود الليكود إلى الحكم، في حالة أو لحظة شعبوية فريدة· فقد استفاد مناحيم بيغن ذلك الإرهابي الخبيث من تورط رابين في الفساد حيث قيد لنفسه حسابا بالعملة الصعبة في الخارج بينما كان رئيسا للوزراء وهو ما أطاح به على أية حال، وطرح نفسه ممثلا لليبرالية الجديدة والاتجاه النقدي في الاقتصاد فعين إيرليخ للمالية وجلب هذا أستاذه ملتون فريدمان ليكون مستشارا لحكومتين فقط في العالم، تشيلي بينوشيت وحكومة بيغن·

والأمر الثاني: هو شعور هذه الطبقة بأن الدولة (أي موظفيها) في خدمة تلك الطبقة·

والمهم أن بيغن وصل للحكم ممثلا للنقيضين، فحافظ على شعور المواطن أن الدولة دولته، لكنه شعور زائف:

النقيض الأول: هي الرأسمالية المعولمة، التي تجد مصالحها على صعيد عالمي وليس فقط داخل الكيان، وبالتالي فهو جاهز للخصخصة، والانفتاح·

والنقيض الثاني: وهو الأكثر فقرا وتخلفا، اليهود الشرقيون الذين صبوا أصواتهم لصالح الليكود· ولهذا ارتباط عميق على ما يفسره غرامشي على أنه قدرة "الدولة - السلة - الطبقة الحاكمة"، على خداع الطبقات الفقيرة بحيث تتمثل تثقيف الدولة وتستدخله كما لو كان لصالحها وهو على جلدها· إذاً كان بيغن أو حزبه مكتشف النقيضين فاستثمرهما·

لا عجب من حصول الفساد· فأصحاب الأعمال يهتمون جدا بأن يكون لهم تأثير على الحكومة لتسهيل أعمالهم الخاصة، وتسريع معاملاتهم، أو بما يجعل الأبواب إلى أصحاب القرار مفتوحا أمامهم، دون انتظار باعتبار الوقت هو "رأسمال"· وهنا علينا التنبه إلى عدم الخلط بين كون السلطة أو الدولة في خدمة رأس المال أو أداة للأغنياء كمجموع كطبقة وبين تنافس الرأسماليين أنفسهم فيما بينهم، أي التنافس داخل شرائح وحتى أفراد الطبقة الواحدة·

فمسؤول الجهاز الضريبي أمام خيارين: إما أن تكون له شخصيته القوية التي لا تسمح لرجال السياسة بإخضاعه، وإما أن يحتويه هؤلاء فيصبح في خدمتهم، أي إما خدمة المهمة أو أصحاب النفوذ·

ولكن متى يمكن أن يحصل أمر كهذا بمستوى أعلى؟

للسياسة الاقتصادية لبلد ما دور في خلق مناخ الفساد ولا سيما في المستوى الضريبي، فقد اعتمدت الحكومة الصهيونية في السنوات الأخيرة السياسة الضريبية الجديدة في الولايات المتحدة "خطة ويسكنسن" التي تقضي بتقليص نسبة المدفوعات الضريبية وهي تخدم الأغنياء بالتحديد، سياسة تصب في مصلحة الأكثر غنى في المجتمع، بمعنى أن هذه السياسة توفر على أصحاب المداخيل العالية مبالغ ضخمة في حين أن أصحاب الدخل المحدود لايوفرون شيئاً يذكر، وبالطبع تبرر السلطات هذه السياسة بأنها آلية لإنعاش الاقتصاد حيث تتوافر سيولة عالية بأيدي الأغنياء مما يشجعهم على الاستثمار وهو الأمر الذي ينتهي الى الازدهار  الاقتصادي، لكن هذا التفسير الاقتصادي الصحيح يقوم على أرضية طبقية، خدمة الأغنياء واستجلاب الفقراء للحفاظ على النمو، فالنمو هو الأساس شاء الفقراء أم أبوا!! فهل هذا فساد؟ بمعنى ما، نعم، لأن هناك أكثر من آلية لإنعاش الاقتصاد·

وطالما أن سياسة الحكومة ممالئة للطبقة العليا ماليا، فلابد لهؤلاء أن يجدوا طريقهم الى من يمسكون بالمناصب الحساسة في القطاع الضريبي ويؤثرون عليهم مما يخلق مصلحة متبادلة بين الفئتين وحينما تكون الحكومة في سلسلة من الإخفاقات يكون الجو للفساد مواتيا أكثر·

 

فساد مركب

 

ولكن أي نوع هذا الفساد؟ فالفساد متنوع أيضاً هناك فساد العالم الثالث "الدول الرخوة" وهو الفساد الاستهلاكي أو التبذيري والتصديري أي ضخ الفائض الى الخارج حيث الأمان والفوائد الأعلى للبنوك التي تستخدم هذا الفائض في قروض عالية الفائدة، وهناك الفساد الاستثماري أي توظيف الأموال المتحققة في البلد نفسها، مما يحرك الاقتصاد ويزيد النمو كما هو شأن دول النمور الأربعة ويبدو أن الفساد في إسرائيل هو فساد مركب أي من الاثنين· ففي حقبة العولمة والكيان معولم منذ اختلاقه، لا يمكن لاقتصادها أن ينعزل عن الشركات المختلطة ولا سيما بعد الخصخصة التي بدأها شمعون بيرس منذ منتصف الثمانينات وكانت الولايات المتحدة تلح عليه للإسراع في ذلك ولأن في إسرائيل قاعدة صناعية متقدمة فإن فرص الاستثمار المحلي المربح متوافرة للاستثمارين المحلي والأجنبي لا سيما بعد أن هيمن الاستثمار الأجنبي المباشر Foreign Direct Investment Fdi على الحراك المالي العالمي·

على العموم هناك أكثر من لون من الفساد، وهنالك كذلك عيون مفتوحة عيون مراقب الدولة، ولكن من يدري أين يتجه التحقيق في كل منها مثلا، حتى الآن، الصورة مطمئنة لرئيس الأركان المستقيل الذي نجح في تحويل التحقيق في هزيمة الجيش الى مشروع للإصلاح· أي ضمن الرجل عدم إدانته مباشرة رغم أنه يوم أسر حزب الله للجنديين كان يمارس فساداً صغيرا كان يتابع أسهمه في البورصة، وإن كان معه في ذلك حق فهو شخص، يفهم العولمة ويعرف كم هو مربح إتقان لعبة المضاربة ناهيك عن أن وضع العرب مطمئن لإسرائيل! وقريبا سوف يعلنون نتائج التحقيق في الفساد الأخلاقي، لنرى مصير كتساف ورامون، أما فساد مكتب رئيس الوزراء فقراءته لاتزال طازجة·

بيت القصيد، ربما يكمن في مجال آخر، فالحكومة  الحالية "وحكومة العسكر" أي قيادة الجيش، كل يمسك بالآخر بطريقتين:

- إمساك تلابيب زميله حنقا وتناقضا، مثلا أولمرت وبيرتس، أو بريتس وحالوتس أو أولمرت وليفني·

- ولكن الجميع يتخانق على حافة ظهر سفينة بلا "إطار" فكل حريص على عدم إلقاء زميله/ خصمه في البحر لأنه سيجره معه·

هذا الوضع تحديداً هو درجة من الفساد، وهو ما لم تعتد عليه إسبارطة أو ربما هو هناك ونحن لاندري·

عن: www.kanaanonline.org

طباعة  

استياء كبير من تسريبات الوزيرين لفكرة الحل وتعديل الدوائر
إيقافها مسؤولية مجلس الوزراء كمؤسسة

 
السجال الطائفي مدمر
 
اتهام قيادات أمنية ممارسة صلاحياتها بطريقة غير قانونية
 
في ثاني لقاء تلفزيوني مرتبك
أحمد الفهد "لطش" الجميع وزاد الخصوم

 
فيما اتهمتها المنتديات.. "فاست تيلكو" تنفي حجبها الموقع
"الشبكة الليبرالية" و"الوطنية" تتعرضان للانتهاك والتدمير

 
مصروفات قياسية في ميزانية 2007/2008
 
الحكومة استخدمت حادثتي الطائرتين كمبرر لتمريره
قرار عشوائي بشراء 60 طائرة

 
اغتيال الأكاديميين والعلماء العراقيين
 
رد بيت الزكاة على ما نشر حول الأسر المتعففة
المتعففون مواطنون كويتيون وديوان المحاسبة يدقق جميع الملفات

 
حرب لبنان كانت ستحول إسرائيل الى جسر نفطي استراتيجي!
بالغاز المصري والنفط الأذربيجاني تواصل إسرائيل بناء احتياطيات الأربعين سنة القادمة!

 
الجـــيران
 
اتجاهات