· إحالة "السياسة" للنيابة خطأ، فهل طُلب منها عدم النشر وأمتنعت؟
كتب محرر الشؤون السياسية:
انشغل الناس على مدى ثلاثة أسابيع في تسريبات حل المجلس والتعديلات الدستورية التي لما تنف بشكل قاطع إلا في لقاء صاحب السمو أمير البلاد مع رؤساء تحرير الصحف اليومية الأحد الماضي·
وقد تفاعلت القوى السياسية وجمعيات النفع العام ونواب المجلس والفعاليات السياسية والكتاب خلال تلك الفترة بالتعبير عن القلق الشديد من تلك التسريبات، وشدد الجميع على الموقف الوطني الثابت من أي محاولة للعبث في بالدستور أو التعامل بشكل غير دستوري مع السلطة التشريعية كما اعتبر مجرد تسريب مثل تلك الأمور تطوراً خطراً، طالب الجميع بالوقوف في وجهه، كما اعتبر البعض تلك التسريبات بالونات اختبار يراد منها جس النبض لما هو فعلي وقد يكون وارداً لولا ردة الفعل الواضحة الرافضة لمجرد الحديث بتلك الطريقة والتفكير في النكوص الى أسلوب تجاوزه الزمن وتطور المجتمع الكويتي·
لقد أريد لتلك التسريبات أن تأخذ مداها قبل أن يوضع لها حد، فقد ترك الناس في قلقهم الشديد على احتمالات تطور الأمور بالاتجاه السلبي، ولم يصدر أي تصريح رسمي مخول ينفيها وبشكل خاص في أثناء غياب صاحب السمو الأمير خارج البلاد· واستغرب المراقبون أن يصدر أول تصريح رسمي على لسان نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية الشيخ محمد الصباح وليس عن الديوان الأميري أو سمو رئيس الوزراء أو نائب رئيس الوزراء وزير الدولة لشؤون مجلس الوزراء أو وزير الإعلام الذي أعلن في أكثر من مرة أنه الناطق الرسمي بلسان الحكومة·
إلا أنه وبعد النفي اليتيم لوزير الخارجية استمرت الزميلة "السياسة" في تسريب مزيد من المعلومات حول إجراءات تقول إن مراجع عليا تفكر في اتخاذها وصولاً الى طرح تعديل المادة الرابعة من الدستور وهي المادة التي لا يسمح الدستور بتعديلها إلا فيما يختص بمسمى الإمارة فقط، ومع ذلك لم يصدر ما يشير الى ضيق المسؤولين بتلك التسريبات التي تنسب الى جهات ومراجع عليا·
ويرى المراقبون أنه كان بالإمكان تعامل الديوان الأميري مع تسريبات جريدة السياسية بالطريقة المعتادة وكان المتوقع أن تلتزم الجريدة لو أنها تلقت اتصالا يوجهها الى عدم المضي في تلك التسريبات، إلا أن ذلك لم يحدث وفهم من قبل كثير من المراقبين على أنه ضوء أخضر كان قد أعطي للجريدة، ما زاد من نار الإشاعات اشتعالاً بل ربما شجع الجريدة على مزيد من نشر تلك التسريبات·
لذا فإن إحالة الزميلة السياسة إلى النيابة العامة اسلوب خاطئ في معالجة أمر كان يكفي لمعالجته بالطلب من الزميلة عدم نشر تلك التسريبات بدلاً من السكوت عنها ثم إحالتها إلى النيابة بتهمة إثارة البلبلة·
وبعد مضي كل ذلك الوقت وإصدار كل تلك البيانات وعقد كل الندوات والتصريحات والاجتماعات وانشغال النواب وفعاليات البلاد في تداول تلك التسريبات وما يضاف لها من إشاعات، يأتي النفي متأخراً كثيراً ليدفع بالبعض للاعتقاد بأن التسريبات كانت صحيحة وربما كانت الفكرة موجودة وتم التراجع عنها بعد معرفة الثمن المحتمل للتعامل معها·
ويرى المراقبون أن الناس لا يمكنها أن تأخذ مثل تلك التسريبات من دون اهتمام بالغ فيها، لأن التجربة السابقة غير مشجعة البتة، بل حتى تعامل السلطة مع رغبة الشعب بتعديل الدوائر والتعامل معها بكل ذلك الاستهتار والتسويف لم تكن سوى دليل إضافي على عدم الرغبة الجدية في تحويل الديمقراطية الى نظام راسخ يتعامل الجميع من خلاله لا بالاستمرار في محاولات إلغائه أو تجاوزه وتهميشه·
ومن المفترض أن يتعلم الجميع دروساً كافية من الماضي فلم يحل المجلس بشكل غير دستوري إلا وانطوى ذلك على كوارث سياسية واقتصادية واجتماعية وانعكس سلباً على العلاقة المتميزة بين الحاكم والمحكوم في الكويت· فإهمال تلك الدروس لن يدفع الناس الى نسيانها والاستمرار في التهديد بالانقلاب على النظام الدستوري لا يشكل مصدر قوة بل يعبر عن قلق مستمر وانعدام للثقة في النظام ولن يفهم إلا على أنه تأكيد لمخاوف الناس من اعتبار البعض النظام الديمقراطي الدستوري خطأ تاريخياً يجب التخلص منه·
إننا نعيش في زمن تطالب فيه الشعوب بمزيد من الحريات والشفافية ومزيد من الديمقراطية كي تمضي في طريقها نحو التنمية المستدامة، لا أن يستمر البعض في التعامل مع المواطنين على أنهم رعايا والدستور على أنه هبة ومنحة ومنة يمكن استرجاعها والتراجع عنها في أي وقت·
