رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 1 نوفمبر 2006
العدد 1748

حصار غزة أكثر فضائح "المجتمع الدولي" هولا

باتريك سيل*:

طيلة السنوات الست الماضية قتلت إسرائيل 2300 فلسطيني من أهالي غزة، منهم 300 خلال الأربعة أشهر الماضية منذ أن اعتقل مقاتلون فلسطينيون جندي إسرائيلي، العريف جلعاد شاليط، بهجوم عبر الحدود في 25 يونيو الماضي، أما الجرحى فيصل عددهم الى عشرات الآلاف، معظمهم من المدنيين، وبينهم الكثير من الأطفال·

ويتواصل القتل يوميا، بوساطة الدبابات ونيران القناصة، والقصف من البحر والجو، وبوساطة فرق متخفية بملابس مدنية ترسل الى الأراضي العربية لإقامة الكمائن والقتل، وهذه العمليات الأخيرة تخصص إسرائيلي أتقنه الإسرائيليون طيلة العقود القليلة  الماضية·

فإلى متى سيظل "المجتمع الدولي" يسمح باستمرار المجزرة؟ إن القمع الوحشي للمناطق المحتلة، ولغزة على وجه الخصوص، هو من أشد أعمال القمع فضائحية في العالم اليوم·

إنه اللطخة الأكثر سوادا في سجل إسرائيل المثقل بالانتهاكات كدولة تزعم أنها دولة ديمقراطية·

المطلوب الآن شكل من أشكال التدخل ملح، ربما على شكل قوة دولية على الحدود بين غزة وإسرائيل، لحماية كلا الجانبين من بعضهما البعض، والسماح بدخول بعض الهواء الى اقتصاد غزة المحتضر، وعلاج الكارثة الإنسانية·

وعلى رئيس الوزراء البريطاني توني بلير، المساند القوي، ولو لفظيا، لحل الدولتين، ويجب أن يشعر بإحساس معين بالذنب لكونه فشل في إقناع الرئيس جورج بوش في التقدم نحو قضية تقرير المصير الفلسطيني· قد يكون بانضمامه الى بوش في غزو العراق، تخيل أنه يستطيع إقناع الرئيس الأمريكي بإحداث تقدم في عملية السلام الإسرائيلية - الفلسطينية، ولكن يبدو أنه لم يحسب حساب المحافظين الجدد الموالين لإسرائيل في واشنطن، وتأثيرهم على سياسة بوش الشرق أوسطية· بوش الذي بدلا من كبح الصقور الإسرائيليين والمستوطنين المتعصبين التوسعيين قتلة العرب، أطلق يدهم إطلاقا كاملا، وما يزال هذا دأبه·

ربما يفسر هذا لماذا أعلن بلير أمام آخر مؤتمر لحزب العمل قبل شهر، أنه سيجعل حل النزاع الإسرائيلي - الإسرائيلي أولوية له في ما تبقى له من وقت في الحكومة، ولكن المحزن أن أي فعل لم يحدث بعد هذه الكلمات الشجاعة، باستثناء اقتراح أن بريطانيا ستساعد الفلسطينيين على بناء مؤسسات· أية مؤسسات؟ في أي عالم فنطازي يعيش بلير؟ هناك مليون ونصف فلسطيني، يعيش ثلثان منهم تحت خط الفقر، ويعاني 45% منهم من البطالة، محشورين في شريط ضيق بطول 360 كيلومتر مربع تحت الحصار والجوع، مقطوعين عن العالم ويتم قصفهم بالقنابل والصواريخ يوميا، ثم يتحدث بلير عن بناء مؤسسات فلسطينية!! فماذا بشأن إيقاف القتل اليومي؟ هل كلمة بريطانيا لا قيمة لها؟

لقد تصفحت مواقع الحكومة البريطانية على شبكة الإنترنت، ووجدت خطابات مثيرة وتصريحات لوزيرة الخارجية مارجريت بيكيت ومسؤولين آخرين عن العراق وإفريقيا وأفغانستان وتغيير المناخ وما إلى ذلك ولكنني لم أجد كلمة عما يجري من إخضاع إجرامي لغزة·

هذا الموضوع ترك أمره لجان إيجلاند، منسق الشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة، ليطلق على غزة صفة "قنبلة موقوتة"، وليحذر من انفجار اجتماعي·

ولكي يوضع حد للحصار المخزي  لحكومة حماس المنتخبة ديمقراطيا، هناك أقوال شائعة بأن محمود عباس، رئيس السلطة الفلسطينية، قد يعين "منيب المصري"، وهو رجل أعمال ثري من نابلس، ليرأس حكومة تكنوقراط مستقلة، ولكن حماس، وأنا أكتب هذا المقال، لم توافق على التنحي·

إن تحمل وصبر غزة أسطوري، ولكن حتى الأكثر شجاعة بين الناس عليه أن يترنح حين لا يعود قادرا على إطعام أطفاله ويتحول بيته الى حطام·

الوضع كله يتطلب عملا عاجلا أكثر من أي وقت مضى، فوفق تقارير قادمة من إسرائيل، هناك إنذار بشيء أوسع وأكثر تدميرا· تقول هذه التقارير إن أولمرت رئيس الوزراء وعمير بيريتس وزير الدفاع ودان حالوتس رئيس هيئة الأركان، وقد خرجوا حديثا من المجزرة العشوائىة التي أطلقوها في لبنان في هذا الصيف (ولا شك أنهم يتوقون الى محو ذلك الإخفاق التام من الذاكرة)، هم على وشك شن عدوان عسكري على غزة، أوسع مدى من القصف بالطائرات والمدافع والاقتحام بالدبابات الذي يحدث منذ شهور، وهدفهم المعلن هو وضع حد مرة واحدة والى الأبد لصواريخ القسام المحلية الصنع التي ما يزال الفلسطينيون من موقع التحدي يطلقونها من وقت لآخر على صحراء النقب، وهي صواريخ تثير الغيظ الى حد كبير، ولكنها أسلحة غير فعالة، فهي لم تقتل سوى خمسة إسرائيليين طيلة السنوات الست الماضية·

الهدف الإسرائيلي الآخر الأكبر هو تدمير حماس واقتلاع كل معارضة فلسطينية مسلحة لإسرائيل في قطاع غزة· ويطلق الجنرال حالوتس تصريحات مثيرة الى حد قوله أن حماس والجماعات الفلسطينية الأخرى هربت الى غزة من مصر أسلحة تصل قيمتها الى ملايين الدولارات، وتتضمن أسلحة مضادة للدبابات والطائرات، كما تتضمن أطنانا من المتفجرات، وأنها أنشأت مدينة كاملة تحت الأرض لتخزين ترسانتها، ويصرح حالوتس بأنه لن يُسمح لغزة بأن تتحول الى لبنان آخر·

إسرائيل تحتل الآن جزئيا ما يدعى ممر فيلادليفيا على حدود غزة مع مصر في محاولة لوضع حد للانفاق والتهريب عبر الحدود· وفي الضفة الغربية، صحيح أن الوضع يشهد عنفا أقل، إلا أنها في طريقها للوصول الى الوضع في غزة، وحسب أقوال موظفي الأمم المتحدة هناك، فإن الضفة الغربية أصبحت مجزأة بما لا يقل عن 528 حاجز تفتيش إسرائيلياً، (بزيادة نسبة %40 منذ أغسطس الماضي) وهي حواجز تقيد تقييدا حادا حرية حركة الفلسطينيين·

ولم يتم تقطيع الضفة الغربية الى ثلاث مناطق فقط، بل حتى ضمن هذه المناطق تعزل التجمعات الفلسطينية عن بعضها البعض، مما جعل من الصعب جدا وصول الناس الى أراضيهم الزراعية أو الحصول على الخدمات الأساسية مثل الصحة والتعليم· وفيما يختنق الاقتصاد الفلسطيني ويعاني السكان الفلسطينيون، يواصل جدار الفصل الإسرائيلي ابتلاع الأراضي الفلسطينية، في وقت تحظى فيه عشرات المستوطنات غير الشرعية بنمو عمراني متواصل·

الأمر الآخر الأكثر مدعاة للقلق حتى من صمت لندن عن هذه التطورات والتواطؤ مع واشنطن، هو دخول أفيجادور ليبرمان في الحكومة الإسرائيلية كنائب لرئيس الوزراء·

ليبرمان هذا، المولدافي، والبالغ من العمر 48 عاما، جاء الى إسرائيل في سن العشرين عاما، وهو زعيم حزب يدعى "إسرائيل بيتنا" المكون أساسا من المهاجرين الروس، ويعتبر أكثر تطرفا حتى من اليمين الإسرائيلي، والمشهور عنه أنه أوصى بإغراق مصر والمصريين بقصف سد أسوان بقنابل نووية، وهو أشد أنصار المستوطنين حماسا ويعارض أي انسحاب إسرائيلي من الأراضي الفلسطينية· وحله الذي يقدمه لمشاكل إسرائيل هو "طرد" كل العرب من إسرائيل لخلق بلد نقي عرقيا، وقد دافع عن طلب الحكم بالإعدام على أي عضو عربي في الكنيست يتجرأ على لقاء أفراد من حزب الله أو حماس، ومثل هذا الشخص، في أي بلد ديمقراطي حقا، كان سيتعرض للإدانة وللعزل بوصفه فاشيا خطرا، ولكنه في إسرائيل بدلا من ذلك يدخل الوزارة ويصبح نائبا لرئيس الوزراء ويمنح وظيفة في صياغة السياسة الإسرائيلية تجاه "الخطر الاستراتيجي" الذي يواجه البلد·

والخطر الاستراتيجي هنا هو الاسم الرمزي للنشاطات النووية الإيرانية، واختيار ليبرمان لهذا المنصب، حسب تعبير صحيفة "هآرتس" هو "اختيار لأكثر الأشخاص انفلاتا وانعداما للشعور بالمسؤولية من بين الموجودين، يعد تهديدا استراتيجيا"·

ويجب أن تكون واقعة أن ليبرمان ستكون في متناوله أسرار الأسلحة النووية الإسرائيلية، وسيكون في واقع الأمر مشرفا على وزير الدفاع، مصدر قلق لا يستهان به، في ضوء معرفة أن القادة الإسرائيليين والمعلقين لمحوا مرارا وتكرارا الى أنه إذا فشلت الولايات المتحدة في ضرب إيران، فقد تشعر إسرائيل أنها مجبرة على القيام بهذا العمل، وبدخول ليبرمان في الحكومة، فإن المواجهة الإسرائيلية - الإيرانية، وهي إحدى أشد المواجهات خطورة في منطقة متفجرة، ستتصاعد درجة أو درجتين· ويبدو زعيم حزب العمل عمير بيريتس الذي هو الآن خيبة كبيرة لليسار بسبب ولعه بالسياسات الحربية في لبنان وغزة، سعيدا سعادة بالغة بجلوسه حول طاولة وزارية واحدة مع فاشي شهير·

وفي ظل انتباه العالم المركز على الكارثة المفتوحة في العراق، وعلى انبعاث الطالبان في أفغانستان، وعلى كيفية تلطيف طموحات إيران النووية، وهي ثلاث مشاكل لم يقدم لها حتى الآن حل معقول، يتواصل نزيف الفلسطينيين وجوعهم ومعاناتهم من إذلال وحياة صعبة لا يمكن تخيلها تحت حكم إسرائيل العديم الرحمة·

 

* كاتب بريطاني بارز في قضايا الشرق الأوسط، ومؤلف كتاب "الصراع من أجل الشرق الأوسط"، و"أبونضال: بندقية للإيجار"·

(هيرالدتريبيون - 27/10/2006)

طباعة  

العودة إلى نهج السبعينات والثمانينات يقود البلد إلى كارثة
الأخطاء الصغيرة لا تعالج بخطأ أكبر

 
خطابات افتتاح دور الانعقاد الثاني.. العبرة في التنفيذ
 
سانتافي كانت السابقة الأولى.. والآن لجان الـ BOT
القضاة أصبحوا رؤساء لجان تحقيق غير معروفي الصلاحيات

 
صندوق إعانة المرضى كشف المستور عن مصير أموال التبرعات الخيرية
الأموال النقدية يصعب ضبط كمياتها ومصيرها

 
هاليبرتون أمام القضاء للتحايل والرشاوى في إعمار العراق
 
تحليل سياسي
ماذا حدث في معسكر فالكون؟ ولماذا تذكر بوش فيتنام؟

 
الكويت تتصدر قائمة الاحتيال على المرور في نيويورك
 
فيما لايحق "للإعلام" مصادرة كتاب محلي إلا بحكم قضائي
"آخر شيوخ الهيبة" يصادر ثم يعود الى المكتبات

 
اتجاهات