كتب محرر الشؤون العربية:
كل من شاهد النقل الحي الذي وفرته قناة "الجزيرة" ليلة العاشر من أكتوبر الماضي طيلة أكثر من ثلاث ساعات للانفجارات الهائلة المتتالية التي أضاءت سماء بغداد، وظلت تتوالى مرة على شكل وميض متوهج، ومرة على شكل انفجارات تشكل غيوما تشبه نبات فطر هائل، أدرك ساعتها أن حدثا غير عادي يجري للمرة الأولى في سياق المقاومة العراقية للاحتلال الأمريكي، لم يكن الأمر هذه المرة أمر سيارة مفخخة تودي بأرواح عشرات المدنيين في الأسواق أو في المساجد أو حيث يتجمع العمال، أي لم يكن من نمط الأعمال الإرهابية التي تمارسها عصابات مجهولة الهوية وغامضة الأهداف، بل كان فعلا موجها الى أكثر معسكرات الذخيرة الأمريكية في جنوبي بغداد أهمية المسمى "معسكر فالكون"، ونجمت عنه تلك السلسلة من الانفجارات·
وفي الوقت الذي كانت فيه قناة "الجزيرة" تواصل بث الصورة الحية، كانت المقاومة العراقية تصور المشهد وتعيد بثه على شبكة الإنترنت·
وأورد موقع "العراق أبداً" ترجمة لمعلومات مأخوذة عن موقع البنتاغون الإلكتروني (وزارة الدفاع الأمريكية) تقول بأن هذا المعسكر يقيم فيه 5000 جندي، إلا أن البنتاغون سارع في ليلة الانفجارات ذاتها الى القول إن المعسكر لا يقيم فيه سوى 100 جندي، وشهد شهود عيان عراقيون على أن مطار الحبانية شهد في تلك الليلة هبوط ما يقارب 9 طائرات أمريكية كبيرة تحمل الى المستشفى هناك عشرات القتلى والجرحى، وقدر بعض العراقيين القتلى الأمريكيين في المعسكر بالمئات·
في اليوم التالي، ورغم ضخامة الحدث، والذي تناولته وتداولته وكالات الأنباء الغربية والعربية بالصوت والصورة، وعكف خبراء المتفجرات على دراسة طبيعة نيران الانفجارات التي أضاءت السماء، ووصلت شظاياها الى مسافة 20 كيلومترا بعيدا عن مكان المعسكر، لمعرفة طبيعة الذخيرة التي تم تفجيرها، وهل هي تقليدية أم غير تقليدية كما أشار بعضهم، ضرب الجيش الأمريكي والحكومة الأمريكية طوقا من التعتيم الكامل على مجريات تلك الليلة، ولم تعد لا وكالات الأنباء ولا المعلقين تتناول الحدث على غير العادة· إلا أن الاجتماع الموسع الذي عقده الرئيس الأمريكي جورج بوش مع القادة العسكريين وأركان حكومته لإعادة بحث الاستراتيجية الأمريكية في العراق بعد أيام قليلة من انفجارات المعسكر، يلقي الضوء ربما على معنى هذا التطور البارز في عمليات مقاومة الاحتلال، بالإضافة الى الأمر الذي لفت أنظار المراقبين، وهو سقوط أكثر من مئة جندي أمريكي قتلى خلال شهر أكتوبر الماضي وحده·
إلا أن الإشارة الأبلغ دلالة على أن ضرب المعسكر الأمريكي كان موجعا الى حد كبير جاءت في إشارتين صدرتا عن الرئيس الأمريكي، الأولى قوله إن ما يحدث في العراق يذكر بحرب فيتنام، والثانية قوله في خطاب له إن الانسحاب الأمريكي الآن من العراق سيخلق شرق أوسط جديدا تحاصر فيه إسرائيل ويقطع فيه النفط عن الغرب، ويدير حكوماته متطرفون، وسواء جاءت هذه الإشارات إقرارا بواقع الحال، أو لتخويف بعض أنظمة المنطقة ودول الاتحاد الأوروبي إذا تقاعسوا عن دعم السياسات الأمريكية المترنحة، فإنها تعبر بالفعل عن جزء مما حمله اندحار الجيش الإسرائيلي في الجنوب اللبناني من آثار، أو ما أطلق عليه بعض المعلقين المقربين تغيرا كبيراً لخرائط الشرق الأوسط لا يشتهيه الأمريكيون ولا حلفاؤهم·