صنعاء - خاص بالطليعة:
اليوم الأربعاء يتجه الناخبون الى صناديق الاقتراع لانتخاب رئيس للجمهورية من بين اثنين رئيسيين متنافسين، علي عبدالله صالح ممثل المؤتمر الشعبي الحاكم، وفيصل بن شملان، مرشح أحزاب المعارضة المنضوية تحت ما تسميه اللقاء المشترك، بعد عدة أيام شهدت فيها الحملات الانتخابية عنفا كلاميا وجسديا هو الأشد منذ إجراء أول انتخابات حزبية تعددية في العام 1993، كما شهدت على الصعيد نفسه ارتفاعاً في وتيرة استهلاك "القات" وتداوله واستخدام مزارعه كرشوة للناخبين والأنصار، وارتفاعا خياليا في أسعاره، وتجنبا لأي تمحور حول برامج انتخابية ولجوءا الى استفزاز مشاعر الانتماء القبلي·
حسب أحد المتابعين لمجريات الحملات الانتخابية الحاشدة، يبدو أن المرشحين والناخبين الذين يأخذون ظاهريا بأساليب اللعبة الديمقراطية وقواعدها، قد استطاعوا تفريغها من مضامينها الحقيقية، وأبرزها روحية تداول السلطة وإنشاء العقلية السياسية، وحشدوا فيها الموروث القبلي التقليدي بأكثر عناصره رداءة، أي استخدام السلاح الجاهز في أية لحظة، في متناول اليد (الجنبية والبندقية)، والنظر الى السلطة بوصفها غنيمة يجب إقصاء الآخرين عنها بأي ثمن·
صحيح أن الحملات السياسية التي استخدمت الحشود والكاستيات وأكثر ما يحمله قاموس اللهجة الشعبية من سباب مقذع للخصوم، بينت بشك جلي كم هو عزيز كرسي الحكم لدرجة استدعت الرئيس الحالي والقادم لاستنهاض كل ما هو سابق للدولة كي يهيمن على الدولة ومقاليد الحكم فيها، بل أعطى نفسه الحق في منح صفة الشهادة على من قضوا في التدافع خلال ندوة "جماهيرية" دعا لها الرئيس مستخدما جميع أدوات ووسائل وسلطة الدولة لصالحه مقابل منافسه· لقد حاول الرئيس المرشح و"حزبة" أو قبيلته السياسية (لا فرق) أن يطمس بقية عناصر الاستقطاب الأخرى ذات الطابع الاجتماعي - السياسي، مقابل التحشد القبلي الذي يعتبر العنصر الحاسم ليس في اليمن فقط بل على امتداد الوطن العربي الذي يعود بسرعة مذهلة الى زمن ما قبل الدولة·
اليوم، وبعد مرور أكثر من ثلاثة آلاف عام على نقش اسمي قبائل "حاشد" و"بكيل" على ألواح المسند، يشير الى أن "الديمقراطية اليمنية" بنسختها الفريدة، كانت الأكثر إخلاصا لتكوينات المجتمع اليمني التقليدي من أية ديمقراطية في العالم، لهذا السبب ربما، ورغم مطالبة الناخبين بالذهاب الى صناديق الاقتراع بلا أسلحة، هناك تخوف حقيقي من أن يلعلع الرصاص ويسيل الدم في هذا اليوم، وأن ينظر بعض الناخبين الى هذا اليوم على أنه يوم "غزو" إما أن ينجح فيه هذا الفريق فيعود الى السلطة التي لم يغادرها بالطبع (علي عبدالله صالح) أو يستولي على مواقعها مشرح المعارضة (فيصل بن شملان)·
المعركة وصولا الى يوم الاقتراع حقنت الجميع بما يكفي ليوم المواجهة بين كتلتين متقاربتين من حيث القوة "الانتخابية"، تزعم كل كتلة أنها الأقدر على بناء دولة قانون ونظام، بما يعني اعترافا "ديمقراطيا" بأن الانتخابات لا تجري في ظل دولة قانون ونظام فعلية، بل في ظل قبيلة في طريقها الى أن تكون دولة، أو أن تستمر في تقمص شخصية الدولة وثوبها بينما الجسد والعقل يكرس القبيلة· وإلى أن ينجلي الغبار الذي ستخلفه طوابير الذاهبين الى صناديق الاقتراع، والمحتشدين حول المقار الانتخابية، يمكن القول بكل ثقة أن النظام العربي "الانتخابي" لن يختلف في اليمن هذه المرة عن المرات السابقة ولن يختلف كثيراً عن انتخابات "الديمقراطية" المصرية حيث يقبع منافس الرئيس في السجن كي لا يجرؤ أحد في المستقبل على فعل مماثل، أو كديمقراطية المرشح الواحد كما في سوريا ومن قبلها عراق صادم، أو ربما بشكل أخف كما يفعل الرئيس التونسي "الضرورة" هو الآخر ليبقى في الحكم الى أن يتدخل عزرائيل، لذا يصبح احتمال فوز مرشح المعارضة اليمنية في ظل هذه التجارب والظروف وامتلاك منافسه لكل إمكانيات وسطوة السلطة، أمراً أقرب الى الخيال، وبانتظار مسرحية أخرى مع اقتراب الانتخابات اليمنية القادمة حيث سيعلن قبلها الرئيس عزمه "المؤكد" هذه المرة على عدم خوض الانتخابات وقد "يتراجع" عن قراره أمام "ضغط" الجماهير أو ربما يكون ابنه أحمد علي عبدالله صالح قد وجد طريقة لرئاسة الحزب في وقت سيكون نجل الرئيس المصري قد وصل هو الآخر لينظم الى "جمهوريات" التوريث العربية العتيدة·