بحشد بالغ الكبر نادر الحدوث ودع أهل الكويت مساء الأحد 17/9/2006 رجلا من أعز رجال الكويت وأبرز قياداتها الاجتماعية والسياسية جاسم حمد الصقر (أبو وائل) وما ذلك الحضور الكبير في تشييع جثمانه إلا تعبير عن مدى المحبة والاحترام والتقدير الذي يحظى به المرحوم أبو وائل، فقد كان بمعنى الكلمة أخا لكل كبير وأبا لكل صغير، وصديقا حميما لكل من عرفه واحتك به وزامله في عمل ونشاط·
شعور المشيعين والمعزين يوحي بأنهم لم يفقدوا رمزا اجتماعيا وقائداً سياسيا فقط بل إنهم فقدوا ركنا من أركان نسيج الكويت الأخلاقي والثقافي وفكرها الإصلاحي يعز تعويضه، فهو أحد أفراد الجيل الذي قاد التطورات الإصلاحية في الكويت في القرن العشرين، ذلك الجيل الذي حمل في قلبه طموحات الرقي والتقدم والنهضة للكويت والأمة العربية، وقد عاصر أبو وائل تلك التطورات وعاشها متفاعلا معها بكل الأحاسيس الصادقة، وساهم بقسط وافر في صنعها من خلال المواقع التي شغلها في الحياة العامة، ولم تشغله التجارة، كونه من عائلة تجارية عريقة، عن تكريس الجزء الأكبر من حياته والقسط الأوفر من طاقاته وجهوده للقضايا الوطنية والقومية، ولكن كان لأبي وائل أسلوب مميز في تعامله الخاص أو في تناوله وتصديه للقضايا الوطنية العامة، فقد كان بحسه المرهف مثالا في التواضع وقمة في الكبرياء، منحازا دوما للحق واضحا وحاسما في مواقفه، ولكن كل ذلك مع التمسك الشديد بالاعتدال والاتزان والحكمة، والتعبير الدقيق عن الرأي لدرجة أنه يجهد نفسه لحد الإرهاق أحيانا في توخي الوضوح في الطرح واحترام عقل ومشاعر محاوره، كان رحمه الله آية في التفاني والتضحية ونكران الذات يلجم طموحه إذا ما اقتضت المصلحة العامة، كانت المناصب والمراكز تسعى إليه لكنها أبدا لم تغره لأنه أكبر منها·
أذكر أنه بعد انتخابات 1992 التي فاز فيها بعضوية مجلس الأمة كان تحت ضغط لترشيح نفسه لرئاسة المجلس وكان له نصيب كبير في الفوز وجاء يتشاور معنا الدكتور أحمد الخطيب وشخصي المتواضع، وقد أبدينا له وجهة النظر القائلة، بأن مجلس 1985 الذي حل والذي لم يكمل مدته الدستورية كان برئاسة الأخ أحمد السعدون الذي كان له دور مميز في الحركة الشعبية المطالبة بعودة المجلس وإعادة العمل بالدستور والتي كان لأبي حمد عبدالعزيز الصقر ولكم شخصيا دور كبير فيها أيضا، وقد تفسر منافسة ترشيح السعدون الذي كانت تعارضه الحكومة انحيازا لمواقفها وتخلق التباسات يستحسن أن نتفاداها، فما كان منه رحمه الله إلا أن عزف عن الترشيح تنازلا وتفانيا وبروح مفعمة بنكران الذات حرصا على وحدة الموقف الشعبي وتغليبا لمتطلبات المصلحة العامة حسب تقديره وقناعاته·
وفي الوقت نفسه لم يمتنع أبدا عن الاستجابة إذا ما نوشد لتولي مهام مسؤوليات وطنية وقومية منها رئاسته للجنة المصالحة بين العراق وإيران إبان الحرب بينهما ولجنة مقاومة التطبيع مع إسرائيل، ومشاركته في تأسيس اللجنة الكويتية للتآخي مع الشعب العراقي قبل سقوط نظام الطاغية في العراق·
أبا وائل بكل تلك السمات سيفتقدك إخوتك وأبناؤك وأصدقاؤك وكل محبيك فأحر العزاء لهم جميعا وعلى الأخص لآل الصقر الكرام·
أسكنك الله فسيح جناته وألهمهم جميعا الصبر والسلوان··
عبدالله النيباري