ربما يعتقد الكثيرون أن التسلط ومصادرة الآراء أمر ولد مع العرب من بطون أمهاتهم! أو أنه مستورد برضاهم كالخبز والطحين أو مستورد بغير رضاهم كإنفلونزا الطيور!!
عندما انتقلت الخلافة من العصر الراشد إلى "معاوية بن أبي سفيان" رضي الله عنه واستتب الأمر لبني أمية، تحولت الخلافة من صورها المتعددة والمتمثلة في الشورى لانتقاء الخليفة إلى صورة واحدة وهي جعلها في بني أمية فقط، إن خط الانحدار السياسي بدأ من تلك اللحظة عند العرب رغم الصورة الظاهرة من عدل وتحكيم كتاب الله والفتوحات والحركة الأدبية والعلمية التي كانت آنذاك، ناهيك عن تدوين الحديث الشريف، والشعر وتراث العرب من العصر الجاهلي ومن عصر النبوة وصدر الإسلام، ورغم كل هذه الفضائل والروائع الإنسانية فقد نحت الدولة الإسلامية في برنامج الخلافة منحا آخر في حصرها في بني أمية فقط!
فكانت سنة للعباسين والحمدانيين والفاطميين والعثمانيين وغيرهم على نهج سياسي يبتعد عن الشورى والديمقراطية وهو خلاف النهج السياسي للرسول صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين رضي الله عنهم!
إذن حين نتهم أمريكا بالتسلط والتحكم وتغير الأنظمة الديكتاتورية إلى أنظمة أكثر تماشيا مع اللون الأمريكي اتهامنا لها هو مجرد عبث، لأننا نرمي الناس بالحجارة وللأسف بيوتنا من زجاج!!
نحن توارثنا الدكتاتورية من جيل إلى آخر وتعلمها منا أطفالنا!! ومارسناها مع أقرب الناس إلينا، ثم عدنا نتفوه بدعوات الحريات وعروقنا تنبض بالتسلط ومصادرة الفكر واحتكار المهن والفنون!!
فماذا سيدون التاريخ عنا؟! وماذا سيكون رأي أبنائنا وأحفادنا فينا؟! جدير بنا أن ننفض غبار التصنع عن أعيننا وأن نواجه وأقعنا بمزيد من الوضوح لنضع أكفنا على الوجع ليسهل الوصول إلى العلاج، عندما نصبح نبلاء في نظر أنفسنا نكون قادرين على ضرب مثال للآخرين، وإن لم نكن قادرين على الرقي لدرجة النبل علينا أن لا نوهم أنفسنا بذلك ولا نخدع الآخين بمثاليات نحن أبعد ما يكون عنها! فالعرب في عصر الجاهلية كانوا صادقين لا يكذبون حتى في أحلك الظروف! يمقتون كل صفة دنيئة ويقبلون بل يتنافسون في مكارم الأخلاق وصفات النبل والشجاعة والفصاحة، فماذا أبقي العرب اليوم من هذه الصفات؟!
إن احترام الرأي الآخر والإنصات له دون تسفيه لصاحبه هو اللبنة الأولى في بناء منظومة الحريات المتكاملة من إعلام وتربية وسياسة وتشريع··· ومن ذلك تنطلق الحياة العصرية المتمدنة التي تحمي دم الإنسان وفكره وتوفر له حقوقه، إن تاريخنا العربي رغم جوانب الإشراق في صفحاته إلا أنه لا يخلو من نزعات التسلط ونغمات الإقصاء وتكميم الأفواه!
ربما لو أدرك الكتاب والصحافيون والأحرار اليوم عهدا من عهود الدولة العثمانية أو العباسية أو الأموية لأرسلت هذه الدول لهم من ينادي ويقول "شارع الصحافة·· للخلف دُرْ!!"
ali_sowaidan@maktoob.com |