كتب محرر الشؤون المحلية:
النقاش الذي دار في مجلس الأمة وفي الصحافة المحلية كشف عن حقيقة مواقف النواب والكتل السياسية تجاه الدفاع عن الأموال العامة، ومصالح الدولة، ومحاربة الفساد الذي يقر الجميع ظاهريا على الأقل باستشرائه، وبين مدى صدقية قسمهم بموجب المادة 91 من الدستور بالذود عن حريات الشعب ومصالحه وأمواله، وأداء أعمالهم بالأمانة والصدق· وإذا كانت المادة 17 من الدستور تنص على أن للأموال العامة حرمة وحمايتها واجب على كل مواطن فما دار في مجلس الأمة يكشف صدق وصلابة نواب الأمة في تأدية هذا الواجب·
ما دار من مناقشات حول قضية الناقلات وحول موقف وزير النفط منها كشف عن وجود ثلاثة مواقف فئات·
الفئة الأولى من النواب هي التي وقفت بصلابة وعبرت بصراحة مدافعة عن حرمة المال العام مطالبة بمحاسبة سراق المال العام ووضع حد لإطالة مدة النظر في القضايا المحالة إلى القضاء وعلى الأخص قضية اختلاسات الناقلات وسرقة الاستثمارات، وهذه الفئة هي التي عبر عن موقفها مداخلات السعدون والصقر ومسلم البراك وعلي الراشد وعدنان عبدالصمد وعبدالله الرومي، وهي المجموعة التي بلورت موقفها في إعلانها عن عزمها استجواب وزير النفط الحالي الذي ظهر انحيازه للمتهم الخامس الذي وصفه بأنه أستاذه ومستشاره في القضايا النفطية وقال إن وراء مناقشة قضية الناقلات مقاصد سياسية ناسيا أو متجاهلا أنه بصفته وزيرا للنفط هو الخصم القانوني لقريبه المتهم الخامس نيابة عن الحكومة والشعب والدولة، هذه الفئة من النواب ترجمت إيمانها بحرمة الأموال العامة وبواجب حمايتها وصدق قسمها الدستوري·
الفئة الثانية هي المجموعة التي دافعت عن سراق المال العام وطالبت بصراحة لا تحسد عليها إغلاق ملف قضية الناقلات وبالتبعية كل قضايا التطاول على المال العام، هذه المجموعة هاجمت من هاجم سراق المال ومن طالب بالاقتصاص العادل من كل من تطاول على الأموال العامة، الحجج والذرائع التي ساقها خطباء هذه المجموعة بدعوى الانتقائية في الحديث عن قضية الناقلات وأنه لطم على جنازة وأن القضية مضى عليها عشرون عاما وأن الأموال المختلسة قد استردت مما يقتضي شطب القضية، هذه الحجج لم تنطل على المواطنين على الرغم من حملة الأكاذيب التي تشنها صحافة الدفاع عن سراق المال العام· واخترعت هذه المجموعة كذبة الفحم المكلسن والمدينة الإعلامية بقصد التشويش وخلط الأوراق وطمس معالم قضايا التعدي على الأموال العامة، وحماية المعتدين عليها بدلا من حمايتها، هذه الفئة هي التي هبطت بمستوى النقاش في جلسة الثلاثاء 22/5/2007 إلى مستوى الألفاظ البذيئة والسباب والشتائم التي كانت محل استنكار الجميع·
الفئة الثالثة هي التي اتسم موقفها بعدم الوضوح وبقي مواربا أحيانا ومكشوفا أحيانا أخرى، فلم يسمع لها صوت يعبر عن مصداقية الدفاع عن المال العام والالتزام بالقسم في الذود عن مصالح الشعب وأمواله فعندما تحدثوا مروا مرورا ناعما على قضية اختلاسات الناقلات والاكتفاء بالإشارة إلى أنهم أول من قدموا سؤالا حول الناقلات، وكان تركيزهم على بدعة المدينة الإعلامية كما فعل النائب ناصر الصانع وهو يعلم أنه إن كان هنالك ما يمكن أن يثار حول المدينة الإعلامية فهو لا يتعدى تقديم طلب لم يستكمل إجراءاته وتم إلغاؤه وأن الأرض التي يوحي وكأنها خصصت للمدينة الإعلامية، قد تم تخصيصها لجامعة الكويت ولمعهد الأبحاث·
هذه المجموعة كما عبر عنها قياديو حدس ونوابها تطالب بالتهدئة والاكتفاء باعتذار وزير النفط عن الخطيئة التي ارتكبها وكأن ما ارتكبه وزير النفط زلة لسان وليس موقفا منحازا للمتهم الخامس في اختلاسات الناقلات، ولا تؤيد تقديم استجواب ضده حفاظا على جو الوفاق مع الحكومة، في حين أنها لم تكن ترى مثل ذلك عندما شاركت في استجواب أحمد العبدالله وزير الصحة وزعزعت جو التوافق معها على الرغم من أن الأخطاء التي حوسب عليها العبدالله كانت إرثا استلمه ولا يمكن مقارنتها بخطيئة وزير النفط· بل يمكن اعتبار هجوم النائب تحت التجربة دعيج الشمري أكثر إفصاحا عن موقف هذه المجموعة عندما شن هجوما على التكتل الشعبي متهما إياهم بأنهم ليسوا أكثر من ظاهرة صوتية تستخدم الصراخ والصوت العالي للضغط على الحكومة، وأنه نقل هذا الرأي إلى رئيس الوزراء في مقابلتهم له، ولم يتورع عن الكذب على مسلم البراك بتصريحه الصحافي وحديثه في الدواوين عن استشارة البراك في صيغة الاعتذار الذي قدمه وزير النفط· هذا الموقف لا يعبر إلا عن مسعى لإيجاد غطاء سياسي لوزير النفط لكي يبقى في منصبه ويواصل مساعيه المخلصة في الدفاع عن أستاذه ومستشاره المتهم الخامس علي الخليفة حليف وصديق "حدس" الذي فتح جريدته لهم واستقبلت مطابعه مجلاتهم وجرائدهم وإذا عرف السبب بطل العجب·
إذاً جلسات مجلس الأمة الأخيرة وما دار فيها من نقاش وسجال قد كشف حقيقة المواقف، وتمخض عن فرز سياسي وبين بالملموس سمعا وبصرا ما لم يكن ممكنا استنتاجه بالاستدلال والتحليل المنطقي، وجاء الاستجواب ليضع النواب والتكتلات الاختيار، ولا يستبعد في هذه الحالة أن تدفع بعض التكتلات التي تبحث عن غطاء يسترها لتوظف ضغطها لاستقالة الوزير·