رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 7 مارس 2007
العدد 1764

إلا الدستور

بقلم عبدالله النيباري;

هل العيب في الدستور أم في عدم الالتزام بتطبيقه؟

بطرح هذا السؤال في جو عودة الحديث عن تعديل الدستور عبر تسريبات لأطراف في السلطة وما نشر في الصحافة المحلية من مقالات وتعليقات وافتتاحيات، وكلما اعتقدنا أن صفحة تعديل الدستور قد طويت وأصبحت تاريخا يعاد استحضارها من جديد لنكتشف أن الرغبة في تعديل الدستور أو بالأحرى التخلص من الدستور مازالت حية لم تمت، لكنها تدخل في مرحلة بيات أو كمون سياسي، والمطروح الآن عبر تلك التسريبات هو استبدال نموذج النظام الدستوري الكويتي بنظام شبيه بذلك المطبق في دولة البحرين، أي إيجاد مجلسين، مجلس للنواب منتخب لكنه محدود الصلاحيات أو منزوع الصلاحيات في الرقابة والتشريع، وإلى جانبه وموازن له مجلس للشيوخ له الصلاحيات نفسها لكن يتم تشكيله بالتعيين ربما من رؤساء القبائل وزعماء الطوائف وكبار التجار، وبعض الأكاديميين والمهنيين ليكون قيدا على مجلس النواب المنتخب·

وفكرة تعديل الدستور لتقييد صلاحيات مجلس الأمة أو نزعها ليست جديدة، فقد جربت السلطة ذلك في محاولات سابقة عديدة لكنها لم تنجح، فحل مجلس الأمة عام 1976 ولم يكد يمضي سنة على انتخابه عام 1975  كان لغرض تنقيح الدستور كما جاء في مرسوم الحل، وشكلت لجنة لتنقيح الدستور بالتعيين، إلا أن اللجنة على الرغم من أنها كانت معينة لم توافق على مشروع الحكومة الذي قدم لها، وقدم المشروع نفسه إلى مجلس الأمة الذي انتخب، بعد تعديل الدوائر، بنظام الـ25 دائرة وأيضا رفض ذلك المجلس مشروع الحكومة· كذلك حل مجلس الأمة عام 1986 والذي أيضا لم يمض على انتخابه سنة، كان الغرض تعديل الدستور وجاءت السلطة بصيغة المجلس الوطني المكون من 50 عضوا منتخبا و25 عضوا معينا وكان المجلس مقيد الصلاحيات مما جعله أقرب إلى المجلس الاستشاري أي حسب التعبير المصري "لا يهش ولا ينش"·

وصيغة المجلس الوطني جاءت بعد حركة الاحتجاج الشعبي التي عرفت بدواوين الاثنين المطالبة بإعادة العمل بالدستور وعودة مجلس الأمة· ولذلك ووجهت انتخابات المجلس الوطني بالمقاطعة الشعبية·

وكان المجلس الوطني شؤما على الكويت فما كاد يمارس أعماله حتى باغتنا غزو صدام المشؤوم·

وفي مؤتمر جدة بينما كانت الكويت ترزح تحت الغزو قرر المؤتمر إعادة العمل بالدستور وعودة مجلس الأمة بعد تحرير الكويت، إلا أن السلطة بعد العودة إلى الكويت عادت إلى محاولة استبعاد الالتزام بمقررات مؤتمر جدة وجرى جس نبض بعض الشخصيات لتشكيل لجنة تأخذ صفة تمثيل الشعب يتم اختيارها بالتعيين، ولما ووجه هذا الاقتراح بالرفض أعيد المجلس الوطني مما زاد الساحة اشتعالا وعادت إلى الظهور الحركة الشعبية الاحتجاجية مطالبة بالالتزام بمقررات جدة بإعادة العمل بالدستور وعودة مجلس الأمة· وهو ما أدى إلى تراجع السلطة عن صيغة المجلس الوطني والإعلان عن الاستجابة للمطلب الشعبي بتنفيذ ميثاق جدة·

والآن تعود الأفكار نفسها لتعديل الدستور، وإحدى الصيغ التي يروج لها هي حل مجلس الأمة حلا غير دستوري وتعليق العمل بالدستور لمدة عامين، يجري فيها تعديل الدستور لتبني صيغة المجلسين كالنموذج المطبق في البحرين·

وتستند هذه الدعوة إلى التذمر والامتعاض مما يجري في مجلس الأمة والشكوى من ممارسات خاطئة توصف بالتعسف في استخدام الأدوات الدستورية والتدخل في أعمال السلطة التنفيذية وإعاقتها وابتزاز الوزراء بعصا الاستجواب والسؤال إذا لم يلبوا طلبات النواب ووساطاتهم·

ولكن إذا افترضنا أن بعض أو أغلب ما تشتكي منه السلطة صحيح، فما هو العلاج؟ هل بالانقلاب على الدستور وإلغائه أم بالتطبيق الجيد للدستور والالتزام به؟ وهل السلطة بريئة مما يحصل في المجلس أم أن دورها كبير في صنع وإنتاج ما تشتكي منه؟

لقد بحت أصوات الناس التي تطالب السلطة بعدم التدخل في الانتخابات وتترك للشعب حرية اختيار ممثليه وأن تتعامل مع من يأتي به الشعب إلى سدة المجلس بإخلاص ومصداقية·

إن العديد من الأعضاء الذين تشتكي السلطة من ممارساتهم وطعنوها في الظهر وصلوا إلى مقاعد المجلس عبر فتح باب الوساطات والتغاضي عن استخدام المال السياسي لشراء الأصوات وربما تمويلها، ومثال ذلك ما جرى في الانتخابات الماضية بالنسبة لمهزلة العلاج في الخارج، وهو أحد بنود الاستجواب، واستخدامه أداة انتخابية، فارتفعت الميزانية إلى 120 مليون دينار وكانت قبل ذلك في حدود 20 مليون دينار، فمن المسؤول عن ذلك، المجلس أم الحكومة؟

والشيء نفسه بالنسبة للتوظيف والترقيات وتولي المناصب الإدارية، والمتاجرة بالعمالة، والتعدي على أملاك الدولة، والفساد المستشري في أركان البلاد، والروتين القاتل والتعقيدات والبطء في إنجاز المعاملات مما أدى إلى ركود الاستثمار، هذا إلى جانب عدم إيجاد علاج للارتفاع الفلكي في أسعار أراضي السكن وعدم توافر الأراضي لمشاريع التنمية، وانحدار مستوى التعليم بجميع مستوياته وضعف مخرجاته وتردي الخدمات الصحية وتدهور البيئة وانقطاع الكهرباء ونقص المياه، وظهور مشاكل جديدة إضافية كالازدحام المروري وعدم توافر المواقف والسلسلة طويلة·

كل هذه الأمور هي قضايا تنفيذية لا تحتاج إلى قرارات ولا قوانين من مجلس الأمة فهي ضمن صلاحيات السلطة التنفيذية ومسؤولياتها، وعدم قيام الحكومة بالوفاء بهذه الواجبات والمسؤوليات هو تقصير منها لا يمكن أن نعزوه لممارسات مجلس الأمة وانحرافه بالسلطة، بل يمكن القول إن تدني الأداء الحكومي وعدم قيام الحكومة بأدائها على الوجه الأكمل هو الذي يسمح لأعضاء مجلس الأمة وربما يدفعهم لمناوشتها ويضعها في موقع الهجوم من داخل المجلس ومن خارجه في الصحافة والدواوين·

ولا أحد يستطيع أن يحاجج بأن ما ذكرناه من مثالب هو من قبيل التجني فأغلبها إن لم يكن كلها أقرت بها القيادة السياسية·

هذه الأمور هي التي أصابت الكويت بالركود والشلل لدرجة اهتراء أوضاعها وأصبحنا في مؤخرة دول الخليج بعد أن كنا في المقدمة نموذجا يحتذى به، ولا أحد بكامل عقله يبرىء مجلس الأمة وأعضائه، ولكن الدور المركزي والأساسي في إدارة شؤون البلاد هو للحكومة التي أعطاها الدستور الهيمنة على مصالح البلاد وأوكل إليها حسن إدارتها، وغياب حسن الإدارة هو السبب فيما نعانيه·

ولذلك فالدعوة اليوم لتعديل الدستور ونزع صلاحيات مجلس الأمة هي هروب إلى الخلف، والاعتقاد بأن التحلل من قيود الدستور والقانون سيخفف من عوائق تقدمنا هو اعتقاد خاطىء ففي الأغلب سيزيد ويضاعف من العوائق ولنتذكر ما حصل في الكويت أثناء غياب مجلس الأمة·

ثم هنالك أمر مهم ينبغي أن نتذكره فتاريخ الكويت السياسي اتسم برفض أهل الكويت صيغة مجلس لا يكون مستقلا عن هيمنة السلطة، أي أنهم رفضوا المجلس البصام أو الاستشاري أو المعين، والتاريخ شاهد على ذلك في العشرينات والثلاثينات والخمسينات من القرن الماضي، ثم بعد إقرار الدستور رفضوا كل الصيغ التي تفرغه من محتواه، وما نص عليه من ضمانات لحماية الإرادة الشعبية·

والدعوة إلى تعديل الدستور بغير الآليات التي نص عليها أي بطريقة غير دستورية وعرضها للاستفتاء الشعبي هو مقامرة بالنسبة للشعب كما هي بالنسبة للحكم، فالدستور ثبت شرعية نظام الحكم فماذا لو كانت نتيجة الاستفتاء بعدم الموافقة، فهل سيعتبر ذلك استفتاء على شرعية نظام الحكم؟

الدستور الكويتي وثيقة تاريخية مهمة تم التوصل إليها بالتوافق بين الشعب ممثلا بالمجلس التأسيسي كممثل للشعب والشيخ عبدالله السالم كممثل للأسرة الحاكمة، وهو قاعدة راسخة لما تتمتع به الكويت من استقرار، والعصر الذي نعيش فيه هو عصر انتشار الديمقراطية وشيوعها للوصول إلى الحكم الرشيد·

ومخطىء من يعتقد أن معالجة مشاكلها هي بالعبث بالدستور، والصحيح أن ما نعانيه من أوجاع هو ليس بسبب وجود الدستور بل بسبب عدم الالتزام به وحسن تطبيقه، واليوم ونحن في ظروف تشكيل حكومة جديدة، فإن الأمل هو أن توفق البلاد باختيار حكومة من عناصر تكون فعلا قادرة على ممارسة دورها الدستوري كمهيمنة على مصالح البلاد لتتولى حسن إدارتها، وترشيد توظيف مواردها لتحريك عجلة التنمية لما فيه مصلحة الأجيال الحالية والقادمة وليس ذلك بعسير إذا توفر العزم·

طباعة  

"حدس" الخارج الأكبر من التشكيلة الجديدة بعد طعنها الرئيس
القوى السياسية لناصر المحمد: الاستقالة فرصة لحكومة أقوى

 
أمين عام "التحالف":
تحسب للرئيس.. والتشكيلة السابقة غير متجانسة

 
ليست المرة الأولى لكنها تعبير متكرر عن الضيق بالحياة النيابية
التسريبات حول الحل غير الدستوري.. أمنيات تنتظر التوقيت المناسب

 
بسبب عدم متابعة "الإعلام" لمناقصة مهاجعهم في محطات البث
"الحرس" قد يتعرضون للإشعاع

 
تناقض "الوزارة" حول محطات البث
 
العنجري والشايع ينفيان توزيرهما
 
جريمة قتل الأسرى المصريين هل تطيح بـ"الكويز" وإمداد إسرائيل بالغاز المصري؟
 
الإسلام السياسي ولعبة الشيطان:
حقائق الدوافع المالية والتحالف مع الأنظمة!

 
القمة السعودية - الإيرانية ومؤتمر بغداد
اللاعبون الإقليميون يصعدون على حساب استراتيجية أمريكية مضطربة

 
على خلفية قرارات محكمتي "العدل" و"الجنائية" الدوليتين
كيف سيستفيد البوسنيون من "الإدانة الجزئية" للصرب... وهل أصبح البشير مكشوفا بعد حكم دارفور؟

 
اتجاهات
 
فئات خاصة