· هل يفتح "المعتدلون" الفلسطينيون الطريق نحو تحالف عربي- إسرائيلي·· وضد من؟
كتب محرر الشؤون العربية:
حسب ما فهمه طرفا الحكومة الفلسطينية الآخذة بالتشكل "فتح وحماس" فإن اللقاء الذي جمعت فيه وزيرة الخارجية رايس بين الرئيس الفسطيني محمود عباس ورئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت كان فاشلاً ولم يأت بجديد حسب تعبير رئيس كتلة فتح في المجلس التشريعي الفلسطيني ولم يحمل سوى الشروط الإسرائيلية - الأمريكية ذاتها التي تملى على الحكومة الفلسطينية كما قال ناطق باسم الحكومة الفلسطينية·
ولكن هذا الفشل الظاهر سيكون أكثر مدعاة لقلق أي مراقب يلاحظ أن وزيرة الخارجية الأمريكية منذ اللحظة الأولى رفضت بشدة الإفصاح عن جدول أعمال اللقاء وكل ما تسرب عن أنه وضع تشكيلة الحكومة الفلسطينية في دائرة الاهتمام وانتهى أخيرا بالإعلان عن الانتقال الى مرحلة المحادثات السرية، أي أن اللقاءات القادمة بين أولمرت وعباس ستكون بعيدة عن الأضواء وربما في منتجع سياحي كما جرت العادة منذ بدأت لقاءات المنتجعات، منتجع كامب ديفيد "السادات - بيغن" والمنتجع النرويجي "فريق أوسلو" والمنتجع كامب ديفيد الثاني "عرفات - باراك"·
ما الذي تقرر أن يكون جدول أعمال هذه اللقاءات السرية؟ صائب عريقات كان مهتما بالتأكيد تعليقا على حدث اللقاء على أن الرئيس الفلسطيني هو المفوض بالتفاوض وهو أمر يؤكد من طرف خفي على أن محاولات الحكومة الأمريكية دعم الرئيس الفلسطيني وأخذه الى لقاء مع أولمرت والتبشير بأكثر من لقاء قادم يعني أن نهج الحكومة الأمريكية ما زال ذاته في التعامل مع الطرف الفلسطيني الذي أعلن في مناسبات متعددة التزامه الكامل وغير المشروط بالمطالب الثلاثة الشهيرة· الالتزام بالاتفاقيات السابقة مع إسرائيل، والتخلي عما يسمى العنف، أي المقاومة بالتعبير الصريح، والاعتراف بدولة الاحتلال الإسرائيلي· ولكن المبادرة السعودية التي أنجزت اتفاق مكة أوجدت كما فهمت كل الأطراف واقعا فلسطينيا جديداً، لا هو بموقف عباس الملتزم بالرؤية الأمريكية- الإسرائيلية ولا هو بموقف حماس الرافضة لهذه الرؤية بل هو موقف وسط يؤكد على أولوية وحدة الموقف الفلسطيني الذي ستجسده حكومة الوحدة الوطنية المقبلة·
فلماذا هذه القراءة الأمريكية لمبادرة مكة وكأنها لم تكن؟! فقد أصر أولمرت على أن إسرائيل والولايات المتحدة ستقاطعان حكومة الوحدة الوطنية بينما خففت رايس من لهجة القطع بالقول إن الولايات المتحدة لن تصدر حكمها قبل تشكيل هذه الحكومة، يبدو أن هذه القراءة الأمريكية لا تتجاهل اتفاق مكة بل تأخذه كواقعة توظف في مسار أوسع حتى من المشكلة الفلسطينية، وبالعودة الى التحركات التي سبقت إنجاز اتفاق مكة الذي يستحيل تصور إنجازه من دون موافقة الحكومة الأمريكية أو علمها على الأقل، يلاحظ أن الجهد الأمريكي انصب على تغيير طرفي الصراع: صراع فلسطيني- إسرائيلي أو عرب- يهود بتعبير الكاتب في الهيرالد تريبيون "جورج كوهن" "14 فبراير 2007" ووضع معادلة جديدة يختفي فيها اللاعبان الرئيسيان- عرب- يهود وتحل محلهما ثلاثة أطراف هي يهود - سنة - شيعة - أو سياسياً إسرائيل - عرب - إيران مثلث الصراع هذا الذي رسمت خطوطه أو مارست رسمه زيارات رايس السابقة للمنطقة ومنطقة الخليج تحديداً، يضع أمام ما تسميهم الحكومة الأمريكية المعتدلين من العرب خيار التسليم لإسرائيل كطريقة للمشاركة في حلف مشترك ترعاه الولايات المتحدة لخوض حربها الطويلة الأمد سواء على صعيد العراق أو لبنان أو فلسطين أو إيران· ولكن اقتراب المعتدلين العرب من إسرائيل يقتضي على الأقل تقرير أن تؤخذ بعض المطالب العربية وليس كلها بالطبع في الاعتبار، وهذا هو ما يقف أمام التريث الأمريكي في موقفها من الحكومة الفلسطينية القادمة ووراء الميل الأوروبي الى إعادة التفكير، وبخاصة أن العنصر الروسي في دخوله على خط قضايا المنطقة بدأ يتضح بجلاء في الأشهر الأخيرة ويعبر عن إرادة سياسية ترفقها صفقات أسلحة واتفاقيات نفطية بأن تكون لروسيا كلمتها في ما يجري من صفقات هي حتى الآن محتكرة من قبل الولايات المتحدة وحدها، ولا يجب أن ننسى بأن جوهر أزمة الصراع في المنطقة هو القضية الفلسطينية، بمعنى أن دوام هذا الصراع يوفر السلاح للمتطرفين العرب حسب تعابير بلير-بوش "أي المقاومين العرب" لمواجهة السياسة الأمريكية - الإسرائيلية ولذا دفع منذ بضعة أشهر في اتجاه اتخاذ موقف قوي لتقديم "شيء للعرب والفلسطينيين" والواضح الآن أن الهدف سيكون جائزة أكبر، فقد يتنازل لاعب الشطرنج الماهر عن بعض القطع، الجنود أو الخيل مثلا، ولكن سيحافظ على القلاع وعلى الملك والفيلة حتى يحسم اللعبة لصالحه في نهاية المطاف·
وقد يكون ما نشهده الآن من إعادة المسار الفلسطيني بأسلوب "أوسلو" الى باطن الأرض أي الى المفاوضات السرية بين طرفين متفقين على الاتفاق "أولمرت وعباس" وبعد أن سُلبت حكومة الوحدة الوطنية أي علاقة لها بالمفاوضات "كما يجري الأمر الآن فعلا" شبيها بلعبة شطرنج من هذا النوع، بالطبع هناك انتباه من قبل حركة حماس "الطرف الثاني في اتفاق حكومة الوحدة" وهي تنغمر في متاهة تشكيل الحكومة وتصادفها التحفظات والعراقيل من بعض "الفصائل" الفلسطينية الى أنها قد تجد نفسها وقد كسبت حكومة وحدة وطنية وخسرت برنامج المقاومة أو خسرت قدرتها على مواجهة اتفاقيات الرئيس عباس السرية التي ستكون "ملزمة" أيضا وتضاف الى الإلزامات السابقة وخسرت التراجع على اتفاق مكة إذا تبين أنه يقاد لتطبيق القسم الأول من "خريطة الطريق" أي تصفية البنية العسكرية للمقاومة ومنظماتها·
اللافت للنظر أن رئيس الوزراء الفسلطيني إسماعيل هنية شدد أكثر من مرة قبل لقاء رايس وعباس وأولمرت وخلاله على دعمه للرئيس الفلسطيني في مواجهة الضغوط الأمريكية - الإسرائيلية فهل هناك فعلا ضغوط أمريكية - إسرائيلية على رئيس فلسطيني ملتزم ومطالب علنا بإلغاء مشروع المقاومة والقبول بأي شيء مهما كان؟ ضغوط على من تصفه الحكومة الأمريكية "بالمعتدل" وتراه إسرائيل شريكا في السلام؟ لقاء القدس الذي جمع بين رايس وأولمرت وعباس يمكن رؤيته من هذا المنظور مواصلة لهذه العملية التي تشمل "عملية السلام" رغم تخلي أطراف لعبة هذا "السلام" عن بعض قطع الشطرنج في سبيل الجائزة الأكبر التي ألمحنا إليها·