بقلم: عبدالحميد علي*
hamid@shafafeyah.org
في جلسة الاثنين 20 نوفمبر الجاري تقدم عدد من النواب في مجلس الأمة باقتراح لفتح باب ما يستجد من أعمال للتصويت على المشروع بقانون "اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد" وبالفعل حصل على الإجماع من خلال التصويت عليه في المداولة الأولى وكذلك في المداولة الثانية استثناء من المادة 104 من اللائحة الداخلية وتقرر إحالتها الى الحكومة·
منظومة دولية لمكافحة الفساد
تؤسس اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد لمنهج شامل متعدد المسارات لمنع الفساد ومكافحته بكفاءة وفاعلية من منطلق أساسي وهو أن الفساد لم يعد شأنا محليا وبالتالي فإن التعاون الدولي بهذا الصدد يصبح أمرا حتميا·
وتجيء هذه الاتفاقية لتشكل منظومة متكاملة مع "اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية" والتي سبق أن وافق عليها مجلس الأمة وصدر بموجبها القانون رقم 5 لسنة 2006 في 27 مارس الماضي لتدخل بذلك حيز التنفيذ الفعلي· وكان رئيس الوفد الكويتي المستشار المحامي العام الأول محمد الزعبي الى مؤتمرالأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية في أوائل أكتوبر الماضي قد صرح أمام المؤتمر بأن أحكام ومواد هذه الاتفاقية أصبحت واجبة التطبيق في دولة الكويت·
عودة الى ذي بدء
في 9 ديسمبر 2003م وقعت حكومة دولة الكويت على اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد التي اعتمدتها الجمعية العامة في قرارها رقم 85/4 المؤرخ في 13 أكتوبر 2003·
وفي 11 يوليو 2004 أحالت الحكومة الى مجلس الأمة مشروع قانون بالموافقة على اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد بموجب المرسوم رقم 179 لسنة 2004 ثم استردته لاحقا بالمرسوم رقم 48 لسنة 2005 لتعديله كما سيتبين لاحقا لتعيد تقديمه ثانية في 6 مارس 2006 وهو المشروع المعدل بالمرسوم رقم 49 لسنة 2006 متضمنا تحفظاتها، وفي مايو 2006 أقرت لجنة الشؤون الخارجية البرلمانية المشروع المقدم من الحكومة وكان من المنتظر أن يعرض على المجلس للمصادقة عليه قبل تصاعد أزمة الدوائر وما أعقبها من حل دستوري للمجلس ثم إعادة انتخاب مجلس الأمة الجديد، حيث تم لاحقا التصديق على الاتفاقية في جلسة الاثنين 20 فبراير الجاري كما ذكرنا في بداية حديثنا·
تكاتف الجهود
لاحظت جمعية الشفافية الكويتية أن برنامج أولوياتا التكتل النيابي الثلاثي الذي قدم لمجلس الأمة كاقتراح تمت الموافقة عليه في جلسة 30 أكتوبر الماضي لم يتضمن أية إشارة لبحث موضوع الاتفاقية وكانت الجمعية قد أدرجت التصديق عليها ضمن وثيقة رؤية الكويت للإصلاح التي طرحتها إبان الحملات الانتخابية في يونيو المنصرم ووقع عليها 17 مرشح أصبحوا نوابا في مجلس الأمة الحالي ضمن مجموعة أخرى من الشخصيات السياسية والفاعلين في المجتمع المدني ومن ثم بادرت الجمعية الى الاجتماع ببعض التكتلات النيابية، كذلك وجهت مخاطبات رسمية الى جميع النواب دون استثناء تستحثهم فيها على الإسراع في إدراج التصديق على الاتفاقية ضمن أولوياتهم في الوقت الذي كانت فيه قد انتهت من إعداد مخطط لحملة متكاملة تستهدف التصديق على الاتفاقية ولحسن الحظ لم يتطلب الأمر تفعيلها إذ جاء التجاوب بأسرع من المتوقع·
والحقيقة أن عددا كبيرا من النواب كان متحمسا لهذه الاتفاقية منهم نواب حاليون وسابقون مثل مسلم البراك ومرزوق الحبيني ووليد الجري ود· فيصل المسلم وأحمد المليفي وراشد الهبيدة، وعادل الصرعاوي ومحمد الخليفة، ود· حسن جوهر وصلاح خورشيد، ود· يوسف الزلزلة وحسين مزيد ود· ضيف الله أبو رمية ومحمد براك المطير وكان هؤلاء قد سبق أن تقدموا باقتراح لاستعجال هذا الموضوع في 22 يونيو 2005، وكذلك فعل رئيس مجلس إدارة الفرع الكويتي لمنظمة "برلمانيون عرب ضد الفساد" النائب صالح الفضالة عندما وجه رسالة الى رئيس مجلس الأمة في 9 فبراير 2006 يحثه فيها على العمل على المسارعة في المصادقة على الاتفاقية·
نذكر هنا أيضا باستطلاع الرأي الذي أجرته إدارة البحوث والدراسات بمجلس الأمة خلال شهري سبتمبر وأكتوبر الماضيين حول أهم القضايا والمشكلات التي يرغب المواطن الكويتي بمناقشتها في المجلس بغية إيجاد الحلول الملائمة لها والذي تبين من خلاله وجود عشرة قضايا تستحوذ على جل اهتمام المواطنين وتتقارب في تكراراتها حتى تكاد تتحصل على ذات الأولوية لولا الفوارق الطفيفة في أرقام التكرارات· وفي المجمل فإن العينة التي أخذت تمثل 1% من إجمالي عدد الناخبين الكويتيين (ذكورا أو إناثا) في محافظات الكويت الست، ما نريد التأكيد عليه هنا في سياق موضوعنا أن قضية حماية المال العام قد جاءت في المركز الثالث لدى الذكور بنسبة تكرارات بلغت 69,6% والسادس في الترتيب العام الإجمالي· كذلك جاءت قضية القضاء على الوساطة والفساد الإداري في المركز الثامن بنسبة تكرارات بلغت 64,8%·
تحفظات الحكومة
وفقا لما نشرته الصحف في أوائل مارس الماضي فإن الحكومة قد قدمت مشروعها متضمنا ثلاثة تحفظات على الاتفاقية إلا أنها تأتي جميعها ضمن الأحكام غير الإجبارية وكما تقول أدبيات منظمة الشفافية الدولية فإن الأحكام الاختيارية تمثل:
"الممارسات الصحيحة، ولكن في بعض الحالات هناك عقبات قانونية أمام إدخالها الى النظام القانوني لدولة ما"· وعموما فإن التحفظات الحكومية قد تضمنت ما يلي·
1 - التحفظ على الاختصاص الإلزامي الخاص بالتحكيم أو العرض على محكمة العدل الدولية المنصوص عليها في البند (2) من المادة (66) من الاتفاقية والإعلان عن عدم الالتزام بأحكامه·
2- إصدار الإخطار المشار إليه في البند (6) فقرة (أ) من المادة (44) من الاتفاقية باعتبار هذه الاتفاقية الأساس القانوني للتعاون بشأن تسليم المجرمين مع سائر الدول الأخرى الأطراف في هذه الاتفاقية·
3 - إصدار الإخطار المشار إليه في البند (13) من المادة (46) من الاتفاقية بالإعلان بأن وزارة العدل هي السلطة المركزية المعنية بتلقي طلبات المساعدة القانونية المتبادلة·
ورغم عدم اختصاصنا القانوني إلا أننا نرى بأن التحفظين الثاني والثالث يعدان مطبين أساسيين يستوجبهما إدخال الاتفاقية في حيز التنفيذ، أما التحفظ الأول فيلاحظ أنه يترتب عليه عدم التزام الدول الأطراف الأخرى تجاه حكومة الكويت بنفس ما تحفظت عليه وفقا للبند 3 من المادة 66 من الاتفاقية وعموما يجوز لحكومة الكويت لاحقا سحب التحفط في أي وقت وفق الآلية المنصوص عليها في البند 4 من المادة 66 من الاتفاقية·
وماذا بعد الإحالة؟
والآن وبعد أن تقرر إحالة الاتفاقية الى الحكومة بعد أن صدق عليها مجلس الأمة، يبقى أن يصادق عليها من قبل سمو الأمير ثم تنشر في الجريدة الرسمية الكويت اليوم ويتم إيداعها لدى الأمين العام للأمم المتحدة حسب نص المادة 71 من الاتفاقية متضمنة الإخطارات والتحفظات التي أشرنا إليها لتدخل بذلك الى حيز التنفيذ الفعلي بجانب سابقتها "اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية"·
يتبقى أخيرا أن ثمة جهودا حثيثة يجب أن تبذلها عدة أطراف لملاحقة تنفيذ هاتين الاتفاقيتين تبدأ بالإيعاز للجهات الحكومية المعنية لوضعهما موضع التنفيذ لتنطلق دواليب العمل في مجلس الأمة ومؤسسات المجتمع المدني والإعلام غير الحكومي من صحف وفضائيات، إنها خطوة في رحلة المليون ميل لكبح جماح الفساد·
* الكاتب عضو مؤسس في جمعية الشفافية الكويتية
www.shafafeyah.org