رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 11 اكتوبر 2006
العدد 1746

على خلفية تظاهرات ورصاص القوى الأمنية
الانقسام الفلسطيني بين المحاصرين وبين من يهللون للحصار!

·         شروط المقاطعة الغربية تتحول الى جدول أعمال سياسي لشريحة فلسطينية داخلية

 

عزمي بشارة*:

تظاهرات القوى الأمنية في غزة المطالبة بدفع الرواتب المتأخرة لهذه القوى تحولت الى تظاهرات عنيفة، هذا الأمر يبدو ظاهريا شبيها بتظاهرة نقابية مطلبية تتجاوز حدّها، ولكن تحتها يكمن شيء سياسي أكثر شؤما، الموظفون بالطبع يريدون رواتبهم، مثل بقية العاملين، وبخاصة الآن بحلول شهر رمضان وتصاعد المطالب الشرائىة، والموظفون، مثل بقية العاملين، خاضعون للمقاطعة الاقتصادية نفسها التي فرضت لأسباب سياسية· الانقسام هنا ليس انقساما أفقيا بين الموظفين وطبقات العاملين الآخرين، ولكن الانقسام عمودي يشق المجتمع على أساس تفرعات سياسية، من جانب هناك أولئك الذين هم موضع المقاطعة بسبب موقفهم الجماعي ضد شروط "الرباعية"، ومن جانب آخر هناك الذين يرون المقاطعة هجوما على خصومهم، السياسيين إضافة الى ذلك، كشكل من أشكال الدعم لمواقفهم·

مازال على الفلسطينيين أن يربحوا حريتهم ودولتهم، ولكنهم أنشؤوا هوية، حركة وطنية وإرادة في القتال من أجل الحرية، وفي الظروف الراهنة، فإن الوقوف الى جانب المقاطعة الاستعمارية يعني التخلي حتى عن هذا الإنجاز الصغير الذي تحقق عبر تضحيات هائلة·

ويبدو الوضع جليا جلاء تاما: كانت هناك انتخابات ديمقراطية، ونتائج هذه الانتخابات لم تسر القوى الأجنبية، التي قررت الالتفاف عليها بطريقة بالغة الوحشية، طريقة إخضاع ذلك الجمهور من الناخبين لقبضة خانقة اقتصاديا، والآن، سيفكر الإنسان أن أي شعب يمتلك أدنى إحساس بالهوية الوطنية سيعتبر هذا العمل إهانة فظيعة لإرادته الوطنية، وسيجمع قواه للرد، وفي الحدود الدنيا، فحتى أولئك الذين خاضوا الانتخابات ضد الفائزين، سيقفون جانبا، ويتركون للفائزين أن يحكموا، بغض النظر عن معتقداتهم ومناهجهم، فقبل كل شيء، لم يصدر أي قرار دولي يدعو الى فرض عقوبات على الحكومة الفلسطينية، ولهذا ليس هناك سبب يدفع لخضوع الأنظمة العربية لمقاطعة هذه الحكومة ورفض اللقاء بممثليها، يضاف الى هذا فقبل زمن طويل من قرارها بالانضمام الى المقاطعة، فإن معارضة الفلسطينيين للحكومة يمكن أن تعمل على تقويضها، وهي مهمة لن تكون بالغة الصعوبة، كما أظهرت روسيا وتركيا وآخرون·

يمكنك أن تمسح عينيك وتغمضهما وتفتحهما مرة أخرى، وتظل تجد صعوبة في تصديق ما يحدث، يقرر جزء من الشعب الفلسطيني التظاهر ضد جزء آخر من الشعب ذاته، ليقول له إنه إما أن يخضع للمطالب الثلاثة للذين فرضوا المقاطعة أو الابتعاد وترك آخرين يحكمون·

المتظاهرون يقولون: "نحن خاضعون لحصار إسرائيلي - أمريكي - أوروبي· ولكن هذا أمر واضح، ومادام واضحا، إذن لا أهمية له، ما هو المهم هو الشروط، وهذه الشروط على السلطة الفلسطينية أن توافق عليها كي تنتهي المقاطعة، لأن الحكومة المنتخبة، برفضها لهذه الشروط، تكون قد جاءت بالحصار منذ البداية"· هذه هي الكيفية التي يتم فيها إخضاع الشعب لمنطق وأهداف الذين فرضوا الحصار، وهذه هي الكيفية التي أصبحت فيها الشروط التي وضعتها القوى الخارجية المعادية جدول أعمال سياسي لشريحة من القوى الداخلية، وفي سياق هذه العملية ألقيت حرية الاختيار والوحدة الوطنية جانبا لقاء وعد بالخبز للجماهير·

ومن جانبها تحولت الجماهير أداة لإسقاط الحكومة وانتخابات أخرى يوافق الغرب عليها، وستكون أعظم إنجازات الحكومة الجديدة القادمة الى السلطة المجيء بالطعام الى الشعب، وهكذا تضع حدا للمبدأ، المنزلق شديد الانحدار وتذهب نحو المزيد من الغرائز البدائية·

إن مانراه يتقدم ليس فقط النكوص الى مرحلة ما قبل تكوين حركة التحرر، بل انحطاطا أيضا ورجعة الى سياسة ما قبل العصور الحديثة، من الصعب التصديق بأنه في هذه الفترة وهذا العصر، سيصل الغرب والعرب الى هذه الدرجة من الانحطاط بحيث يستخدمون الطعام سلاحا للانقلاب على خيار ديمقراطي، والأصعب التصديق بأن بعضا من أصحاب هذا التكتيك يمكن أن يجعلوا أنفسهم يلعبون به، ويمكنهم بسهولة تامة إحباطه·

لقد حدثت في لبنان عملية مماثلة بالمصادفة، هنا في لبنان، لم تتم تبرئة المعتدي من اللوم فقط، بل ووضعت الضحية تحت الرقابة، حين خرجت الضحية مرفوعة الرأس، وأنكر عليها انتصارها، ليظل الشذوذ قائما·

ولا يملك المرء إلا أن يتساءل: لماذا لم يتقدم "ديمقراطي" أو "ليبرالي جديد" فلسطيني بارز ليحتج على ذلك الحصار الذي يفرضه الغرب الديمقراطي ضد نتائج الانتخابات التشريعية الفلسطينية التي شهد لها العالم بالعدالة والنزاهة رغم أنها جرت تحت احتلال أجنبي، ورغم أن بعضا من المتنافسين مثل حماس، كان مجرد مشاركته تنازلا كبيرا في ضوء معارضته للبنى ذاتها (السلطة الفلسطينية) التي خلقها الاحتلال؟

لم تلغ أي مؤسسة من مؤسسات المجتمع المدني مؤتمرا من مؤتمراتها لدعم الديمقراطية والممولة غربيا احتجاجا على المقاطعة، ولم تقاطع في المقابل خبيرا واحدا في الديمقراطية من المؤسسات الأمريكية والأوربية المعنية بنشر الديمقراطية· وبالفعل، لم يهتم ديمقراطي واحد أو يزعج نفسه بالإشارة الى أن المقاطعة وقعت قبل زمن طويل بعد أن وافقت حماس على هدنة، وأوقفت كل العمليات الاستشهادية· هل هذا ما تعاقب حماس بسببه؟ يبدو الأمر كذلك أحيانا، ومثل هذه الحقيقة وحدها يجب أن تمنح بعض الناس سببا ليخرسوا ويتوقفوا عن إعطاء النصائح لحماس·

حتى اليسار الجديد والقديم، وهو الذي تموله الآن صناديق التنمية الأمريكية والأوروبية المختلفة، ويقف بصلابة مواليا للديمقراطية بعد تاريخ طويل من تضامن صاخب مع مختلف الأنظمة المستبدة، مادامت ليست عربية، لم يعلن تضامنه مع حكومة منتخبة محاصرة مثلما سيفعل أي ديمقراطي وطني في الغرب حيث الطبيعة الثانية للديمقراطي أن يضع جانبا الخلافات السياسية، ويقف وراء حكومة ديمقراطية تتعرض للهجوم من الخارج·

المشكلة ربما هي أن حرية ربط الديمقراطية بالوطنية هي امتياز غربي خالص· لأنه في العالم العربي، على الأقل، يبدو أن الديمقراطي العربي يتوقع منه أن يضع خطا، على أساس أنه لا يعيش في أي واحد من العالمين (الغربي والعربي) بل في عالم المؤسسات المدنية الممولة غربيا التي تضمن له الأمان الاقتصادي على الأقل·

في هذه الأثناء فشلت النخب الحاكمة العربية، التي أعيدت تسميتها في الآونة الأخيرة باسم "المعتدلة" في امتحان ديمقراطيتها ووطنيتها على حد سواء، ديمقراطيتها كانت امتحانا سخيفا لم ترده أبدا منذ البداية، ولكنها سحبت خجلة الى قاعة الامتحان حيث برهنت عن حق أنها غير قادرة على تقديم أبسط الإصلاحات الديمقراطية التي ابتزتها واشنطن بها· وعندئذ، حين طلبت منها واشنطن الإصلاحات، وثقت روابطها بإسرائيل لقاء أن تتوقف واشنطن عن الغوص في وحل قضاياها المحلية، ولكن مقاطعة الحكومة الفلسطينية المنتخبة فرض امتحانا قاسيا، لأن موضوعي الديمقراطية والوطنية متلازمان هنا معا، وهنا تجاوزت الأنظمة "المعتدلة" نفسها من أجل سادتها الغربيين، وكان جوابها هو أن كل من يتحدى وضعية مستعمر أو سلطة احتلال أو آخرين بالقوة، يستحق ما يحل به، وأن المسار العقلاني الوحيد للسلوك هو أن تفعل ما تقوله لك إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية· وهو ما يفعله المعتدلون بالضبط، وهم يتحركون قدما في آخر مراحل عملية انحطاط معادية حتى للمناخ· بالطبع، الكل في الولايات المتحدة الأمريكية، من اليمين الى اليسار، يعرف أنه لا شيء معتدل في الطريقة التي تفكر بها هذه الأنظمة أو تتصرف، فالفساد وانتهاك حقوق الإنسان والاستبداد والسيطرة على آلة الحكومة والانتقام من الخصوم السياسيين، بل وحتى إعداد الأبناء للوراثة ليست حتى أنصاف أشياء تفعلها· والحقيقة أن السبب الوحيد لتلقيب هذه الأنظمة بالمعتدلة هو أنها ستفعل أي شيء تقوله أمريكا من أجل أن تظل في السلطة، بما في ذلك تشجيع تسوية للقضية الفلسطينية منحازة للعدو، ولا شيء من الاعتدال في هذا·

* ترجمة عن الأهرام ويكلي (5-11 أكتوبر 2006

طباعة  

شكوى تثير إشكالية إفصاح شركات الخرافي في الاستحواذ على "المال"
الأسهم المخالفة تستبعد لدورتين انتخابيتين

 
لأنها سيطرة لأغراض غير استثمارية
توقف الشراء فانحدر سعر السهم

 
فرصة تاريخية لمكافحة الفساد إن كانت جادة
الحكومة تتهرب من مواجهة فساد الـ B.O.T

 
تخلق ضجة ثم تنسحب بهدوء
"حدس" تسعى لانتصار سهل في استجواب السنعوسي

 
فشلت كل محاولات فك التشابك بينها وبين وزارات الدولة الأخرى
البلدية حكومة قائمة بذاتها

 
فيما شكلها وزير الطاقة ويترأس أعمالها
شكوك في حيادية لجنة التحقيق

 
"نفط الكويت" و "الخدمات البترولية" وشكاوي العاملين
تعيينات بـ "الواسطة" وليس للكفاءة مكان!!

 
تطلب إضافة لأرض تستغلها حاليا لتصل الى مليون ونصف متر مربع
المالية توافق وتطلب موافقة البلدية على طلب "الشيخة"

 
وشركة فنادق تطلب إضافة لمساحتها المستغلة أيضا
 
في أعقاب جولة رايس
هل يلبس "المعتدلون" الأحزمة الانتحارية الناسفة؟

 
اتجاهات