كتب محرر الشؤون العربية:
أعلنت الحكومة اللبنانية بلسان رئيس وزرائها فؤاد السنيورة ورئيس مجلس النواب نبيه بري موقفا قاطعا يوم الأحد الماضي من الاتصالات والمشاريع السياسية التي طرحها الموفدون الأمريكيون والأوروبيون، فقالت بأنه لم يعد هناك مكان لبحث أي شيء الآن، والمطلوب هو وقف إطلاق النار فوراً وبلا شروط وإجراء تحقيق في المجازر الصهيونية التي ارتكبت في لبنان طيلة الأسبوعين الماضيين، وأضاف بري أنه حتى الشروط السابقة التي كان قد طرحها بشأن تبادل الأسرى قد تغيرت·
جاء هذا إثر تكشف فظاعة همجية الإرهاب الصهيوني في قانا·· حيث هاجمت الطائرات الإسرائيلية في منتصف الليل مبنى تحتمي فيه عدة عائلات لبنانية بأطفالها وهدمته على رؤوسوهم وهم نيام أطفالا ونساء ورجالاً·
هذا الموقف الموحد الذي خرجت به الحكومة اللبنانية أمام إصرار الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها الغربيين على فرض الشروط الإسرائيلية على لبنان قبل أي وقف لإطلاق النار وجد دعماً جماعياً على الصعيد اللبناني من كل الأحزاب والتيارات اللبنانية والمقاومة، على حد سواء، وتوحد لبنان في موقف نادر أمام حرب بدأت تتكشف خيوطها الأمريكية وأهدافها الخفية بلا مواربة، وملخصها إخضاع لبنان بالقوة وتحويله الى مستعمرة امريكية- إسرائيلية مشتركة·
موقف المقاومة الحكيم والعقلاني والذي أثبت مصداقيته ساهم مساهمة كبيرة في إيصال الفريق الحكومي الى هذا الموقف حين قبل أفكار النقط السبعة التي طرحتها كأسس للتفاوض مع الولايات المتحدة وحلفائها كأرضية للنقاش، ولكن مع قناعة مسبقة بأن حتى هذه النقط لن تردع العدو الصهيوني وحليفه الأمريكي الذي ظل طيلة الأسبوع الماضي يحثه على مواصلة قصف لبنان وتحريك جسر جوي يحمل أسلحة دمار شامل الى الترسانة الإسرائيلية·
على الأرجح سيسجل تاريخيا للحكومة اللبنانية ورئيس مجلس النواب ورئيس الجمهورية والمقاومة أنها الدولة العربية الوحيدة التي رفضت الإملاءات الأمريكية- الإسرائيلية ووضعت خطاً واضحاً ومطلباً جعل وزيرة الخارجية الأمريكية رايس تنكفئ عائدة الى بلادها برزمة شروطها الإسرائيلية من دون أن تحقق شيئاً·
موقف الحكومة اللبناينة المعبر عن إجماع لبناني قل نظيره في معارك الدفاع السابقة عن لبنان، مضافاً إليه الرأي العام الدولي الذي بدأ يراجع حساباته أمام الهمجية الإسرائيلية والتعنت الأمريكي أحدث حرجاً كبيراً لعدد من الأنظمة العربية التي أصابتها الصحوة فجأة أمام الصفعة التي صفعت بها مجزرة قانا الضمير العالمي، وبدأت تطالب بدورها بايقاف فوري لإطلاق النار شأنها في ذلك شأن دول الاتحاد الأوروبي·
مجلس الأمن الدولي لم يستطع أن يفلت من القضبة الأمريكية الإسرائيلية فاكتفى أمام هول المجزرة بالتعبير عن "الحزن" ولم يدن هذا الفعل الإرهابي وظل اعضاؤه ضائعين لا يعرفون ما يفعلون أمام أنظار المندوب الأمريكي العنصري "جون بولتون" الذي يفرض ما يشاء·
والآن مع هذا الموقف اللبناني الموحد، ومع صمود المقاومة الإسلامية الذي أدهش الأعداء قبل الأصدقاء لا يبدو أن الاتصالات الأوروبية "الفرنسية- والبريطانية" التي حلت محل كونداليسا رايس التي أغلقت بوجهها أبواب بيروت، يمكن ان تزحزح هذا الموقف العادل والواضح، وأن لابد في نهاية الأمر من الانصياع وأخذ قرار بإيقاف إطلاق النار وقد بدأت بوادر هذا من قول بعض المصادر الإسرائيلية إثر جلسة للكنيست الإسرائيلي أن بريطانيا وأمريكا ابلغتا "أولمرت" بأنهما اتفقتا على وقف إطلاق النار يوم الأربعاء "اليوم" لأن التأخير والتمديد لحربه بعد "قانا" أصبح اشكاليا وأن لديه مدة 72 ساعة قبل أن يسوي وقف إطلاق النار·
والواضح من هذا أن الولايات المتحدة قررت مواصلة الحرب حتى السبت القادم في ظل تزايد عزلتها هي وحليفتها بريطانيا (نشرت صحيفة الاندبندنت البريطانية على صفحتهاالأولى يوم أمس مربعين أحدهما يشمل كل دول العالم عدا ثلاث وهي الدول الموافقة على الوقف الفوري لإطلاق النار أما المربع الثاني فكان فارغا إلا من علم اسرائيل وبريطانيا وأمريكا)، كفرصة أخيرة ربما تحقق فيها إسرائيل إنجازاً ولو ضئيلا على الأرض بعد فشل طيلة ثلاثة أسابيع عن تحقيق أي هدف من أهداف حربها الهمجية على لبنان مثل هذا الإنجاز لا يبدو أنه سيتحقق في ضوء ضربات المقاومة التي تتصاعد كما ونوعاً على الأرض وفي البحر ضد عدو يذوق لأول مرة طعم مقاومة حقيقة مصممة على هزيمته·
