تأسست الكويت وتعايشت سلميا مع محيطها وفتحت ذراعيها لكل من أراد العيش على أرضها منذ مئات السنين عندما كانت الحياة صعبة وشاقة وقبل ظهور النفط وبعده كان الناس يأتون من الدول المجاورة للبحث عن لقمة العيش، والرزق في هذه الأرض الطاهرة الطيبة وكانوا يمارسون شتى أنواع الأعمال من الغوص والبيع والشراء والخدمة لدى الموسرين وغير ذلك من الأعمال الشريفة، وتوالت الهجرات إلى هذه الأرض الطيبة من الشمال والجنوب والشرق والغرب من الجزيرة العربية والخليج التي تقع الكويت فيها ومن العراق وإيران ومن بعض الدول الإفريقية وعدد من بلاد الشام، ولا شك أن الهجرة من نجد كان لها الأثر الكبير في تكوين هذا الوطن وخصوصا أن الهجرات المتقدمة ومنها الأسرة الحاكمة وبعض الأسر المرموقة اجتماعيا في وقتنا الحالي التي ترجع في مجملها إلى أصول قبلية تحضرت عندما استوطنت واستقرت·
ومن الثابت والمؤكد أن الشعب الكويتي هو مزيج من هجرات ولا وجود لشعب أصيل بمعنى أن لا وجود لهنود حمر سكان أصليين وبيض أوروبيين فاتحين ومهاجرين جدد كما في الولايات المتحدة الأمريكية إنما الجميع نازحون ومهاجرون وباحثون عن الرزق وإلا فما الذي يدفعهم للهجرة عن مواطنهم الأصلية؟ ومادام الأمر على هذا النحو فما الذي يمنع من منح فئة البدون الحق في الحصول على الجنسية الكويتية إذا كان سبب وجودهم على هذه الأرض الطيبة هو السبب نفسه للمهاجرين المستوطنين القدامى للبحث؟ وما الهدف من غض النظر عنهم ومعاملتهم كمواطنين طوال سنوات مضت والصرف عليهم وتعليمهم وتطبيبهم ومنحهم بعض الحقوق وعندما أضحوا فئة منتجة وفاعلة ومتعلمة نتخلى عنهم!·
إن هذه الفئة التي عاشت على أرض هذا الوطن العزيز وترعرعت وكبرت فيه ودرست في مدارسه والأغلبية خلقت فيه وجبلت على حبه وتقمصت شخصيته وكيانه وشجعته وبكت من أجله وضحّت على ترابه الطاهر حتى لهجتهم ولكنتهم وأسماؤهم وعاداتهم توحي بالانتماء لهذا الوطن عندما يناظرهم المحايد من الخارج، وليس العنصري والمنتفع البغيض الداخلي الذي لا يفكر إلا في مصالحه ويعتقد أن تجنيسهم سيسبب له خسائر مادية متناسيا أنه يعيش في الكويت أكثر من مليون عربي وأجنبي يعملون ويتكسبون، فما الضرر من إعطاء البدون حقوقهم والاستعانة بهم بدلا من العمالة الزائدة الرخيصة التي لا تمنح الوطن شيئا وليس لهم أي وضع مشابه لوضع فئة البدون؟ فالأقربون هم الأولى على كل الأحوال، وأنا هنا لا أقول بتجنيس الجميع بل يجب التدقيق والتمحيص ومنح المستحقين شرف المواطنة وهم شريحة واضحة للعيان من العسكريين وأبنائهم وغيرهم من زادت فترة إقامتهم عن الأربعين عاما ففي أغلب الدول يستحق الإنسان جنسية البلد إن مكث فيها أكثر من عشر سنوات دون أن يغادرها أو إذا تزوج مواطنة ودامت عشرته الحسنة عدة سنوات أو من أقام مشروعا يفيد البلد ويستوعب العمالة الوطنية أو من ولد فيها وغير ذلك من التسهيلات التي تمنحها الدول المتقدمة، فمن يستحق تجنيسه يجب أن يجنس حسب القانون والنظام الذي يجب أن يراعي الجوانب الإنسانية وسمعة الوطن، كما يجب أن لا تضيع حقوق الآخرين الذين لا تراهم السلطة التنفيذية يستحقون الجنسية عن طريق منحهم الحق في العمل والعلاج والتعليم والزواج وحتى الإقامة الدائمة وتوفير سبل الراحة لهم ليمارسوا حقوقهم التي نادى بها ميثاق حقوق الإنسان العالمي وعدم التضييق عليهم، وأجزم أن المواطن الشريف لا يمانع بتاتا في تقاسم الخير مع أخيه من فئة البدون فلقد تعايشنا مذاهب وطوائف وقبائل وعوائل وقوميات قبل ظهور النفط وقت الفقر، فما الذي يمنعنا اليوم وقت الرخاء والرفاه من أن نتعايش بسلم وأمن وعدالة اجتماعية وتكافؤ فرص؟! فالإنسان في حياته ينشد الاستقرار والأمن والعيش الكريم والاطمئنان، وهذا ما نفتقد بعضا منه اليوم نتيجة بقاء مشكلة فئة البدون دون حل جذري، والله يحفظ كويتنا من شرور الغادرين·
nayef@taleea.com |