وماذا بعد؟ وأين ومتى ستتوقف هذه التصرفات الرخيصة؟ قبل فترة وصل منشور مع جريدة كنت أكتب بصورة مستمرة معها، ولرداءة وتدهور أسلوب الحوار في المنشور وخطورة الرسالة المبثوثة فيه قررت التوقف عن الاستمرار في الكتابة مع هذه الجريدة باعتبار تحملها مسؤولية الإعلان عن المنشور، فقط لأفاجأ به مطبوعا بصورة فاخرة "ورق لامع مقوى مصقول أجود بكثير من ذلك المرسل مع الجريدة" ويوزع في··· مدرسة ابتدائية· نعم، مدرسة التربية الإسلامية في هذه المدرسة، ولا أدري إن كانت مدارس أخرى قد وزعت المنشور ومدى علم وزارة التربية بالموضوع، قامت مشكورة بتوزيع المنشور على الأطفال الذين حضروا للبيوت بعشرات الأسئلة عن الصور المطبوعة والجمل المطروحة فيه· أعتقد أن الكثيرين منا اطلعوا على هذا المنشور، بدليل أن بعض السيارات تعلق ملصقا يوزع معه وفيه اسم الرسول محمد صلى الله عليه وسلم في وسط قلب حب أحمر يعلوه جملة مكتوبة بخط اليد وبلونين أحمر وأخضر براقين تقول: "في قلب كل مسلم"· وبالرغم من سذاجة هذا الطرح، فالمذكور نبي الله وليس اسم شخصية عامة توضع في قلب حب، إلا أن مشكلتي الرئيسية ليست في الواقع مع هذا الرسم الساذج، مشكلتي مع الرسوم المصورة والتعليقات والمواضيع المطروحة في المنشور "أرجو أن يبقي القارئ مسألة أن هذا المنشور يوزع الآن على أطفال المرحلة الابتدائية على البال خلال قراءة هذا المقال"· يقول المنشور: "نحن اليوم نعيش فترة عصيبة في حياتنا، أصبح فيها سب الرسول صلى الله عليه وسلم، والانتقاص من شخصه الكريم عليه الصلاة والسلام ديدن كل كافر، وملحد، وزنديق، وعدو، وحاقد، من شتى الملل والأجناس من: يهود، وعباد صليب، وعباد بقر، وعباد حمير، ومجوس، وممن لا دين لهم"· هذا كلام موجه لأطفالنا؟ المنشور يصف ملكة الدانمرك بـ "العجوز الشمطاء" ويحرض على دول مثل النمسا، والسويد وفرنسا سائلا: "هل ما زلتم تسمون مثل هذه الدول: بالدول الصديقة؟" ثم يقول: "لا مسالم أو منصف بين النصارى، بل كلهم ذوو عداوات تاريخية مستحكمة ضاربة الجذور!! ويخطئ من يظن أن في الأوروبيين وغيرهم من النصارى من هو نزيه أو محايد داعيا أن "لا تنخدعوا بالدعوات التي تدعو الى: التعقل، والهدوء، والسكينة"· أما الرسومات في المنشور فحدث ولا حرج، فواحدة تبين أبا ملتحيا قصير الدشداشة يسأل طفلته "يا ابنتي يا عائشة·· لماذا الدانمرك هي أكبر منتج للحليب والجبن؟ فترد الطفلة "يا أبي··· لأن كلهم بقر"· وصورة أخرى للصليب معلق في رأس تنين يحاول نهش الكرة الأرضية (مكتوب عليها "العالم الإسلامي" وتعلوها الكعبة، وثالثة لطفل ووالدته يتزلجان حيث يسأل الطفل "لماذا يا ماما المسلمون يضحون بأرواحهم في سبيل نبيهم؟ فتقول الأم "لأنهم على حق!!! ولا تخبر بذلك أحدا"· أما النصائح المقدمة في المنشور للمسلمين وحكامهم فتشتمل على: "الانسحاب من هيئة الأمم المتحدة اليهودية الكافرة، ومنظماتها جميعا للأبد، قطع النفط للأبد، مقاطعة الاتحاد الأوروبي للأبد ولو قدموا مليون اعتذار، مقاطعة منظمة التجارة العالمية للأبد، سحب سفرائنا وطرد سفرائهم لدينا للأبد، قطع العلاقات الدبلوماسية والسياسية والاقتصادية والثقافية إلخ للأبد، مقاطعة اقتصادية للأبد"· يعني نشرب نفطنا بروحنا ونحفر حفرة تحت الأرض ونعيش فيها كلنا، أو أقول ننتحر انتحارا جماعيا، أعتقد أسهل من الحلول المطروحة· هذا بعض مما جاء في هذا المنشور الرخيص والذي عندما تم توزيعه مع بعض الجرائد قلنا "طاف"، بالرغم من وضاعة الطرح والخطورة الأمنية للمنشور، فهو يشكل رد فعل ساذج لا بد ألا يلقى صدى، وأن يزول بعد فترة، لكن أن يوزع هذا المنشور على أطفالنا في الابتدائي، فلا وألف لا·
لا أعلم من القائمين على هذا العمل الرديء ولا معلومات لدي عن ماهية مصادرهم المالية لطباعة الورق الفاخر الملون بفظاظة، هناك أرقام تلفونات وموقع صفحة إلكترونية، ولكن ليس هناك جهة واضحة تتحمل مسؤولية مادته، فمن هؤلاء ومن أذن لهم بتوزيع هذا الفكر الإرهابي على أبنائنا؟ من قال إننا جميعا نقبل بهذا المستوى من الحوار؟ من قال إننا جميعا نعلم أولادنا كره الآخر واحتقار بقية الأديان ورمي كل مشكلة على اليهود؟ من قال إننا جميعا نعلم أولادنا أن يردوا على الخطأ بخطأ أكبر، وعلى الوقاحة بوقاحة أدنى؟ إن كان هذا نهج القائمين على هذا المنشور فليوزعوه على أولادهم (أنقذهم الله من تطرف أهاليهم) لكن ليس لهؤلاء الحق في نشر هذا الفكر على أبنائنا· متى سيتوقف هذا الجنون؟ متى؟ بالذمة أيرضى رسول دين الإسلام والسلام، هذا الرجل العظيم الذي لم يرد بإساءة قط على كل الفئات المجتمعية والثقافية والسياسية التي حاورها في حياته على لغة هذا الخطاب؟ أهكذا تنتصرون لرسول الإسلام، بالسب والتحقير وتعميم الكفر والزندقة على خلق الله والتأكيد على أننا أعداء العالم كله؟ من المستثنى في هذا المنشور؟ لا أحد، الكل أعداؤنا، ويجب أن نقاطعهم "للأبد" النداء موجه للمسؤولين لإيقاف توزيع هذا المنشور الإرهابي على أطفالنا في المدارس، إذا كانت حرية الرأي التي لا يؤمن بها القائمون على هذا المطبوع الرخيص قد حمت مطبوعهم وأمنت له الانتشار بطرق مختلفة، فعند أبواب المدارس تتوقف حرياتهم، إلا الأبناء هم الأمل المتبقي بعد أن أصبح البلد في جيوبهم· لدي اسم المدرسة التي تم توزيع المنشور فيها وصورة عنه كذلك، أتمنى أن يتم شيء بأقصى سرعة لوضع حد لهذه المصيبة·
ebtehalahmad@hotmail.com |