بقلم: عبدالله النيباري
كان بإمكان الحكم كما فعل الرئيس شيراك رئيس جمهورية فرنسا، بتأجيل جلسة الاثنين 22/5/2006 التي كان سيعرض فيها طلبا بسحب طلب الإحالة الى المحكمة الدستورية مدة شهر بإصدار مرسوم أميري وفقا للمادة "106" وإعطاء فرصة للتشاور للتوصل الى حل في أجواء أكثر هدوءا·
إلا أن حل مجلس الأمة من دون تقليص عدد الدوائر والإعلان عن إجراء الانتخابات على أساس نظام الخمس والعشرين دائرة أكد توقعات أكثر الناس تشاؤما وهو أشبه بصب الزيت على نار مشتعلة·
صحيح أن الحل دستوري لكن أحدا لم يتوقع أن تستخدم الحكومة مواد الدستور لتقويض مطلب تقليص الدوائر، ووسيلة للالتفاف عليه، خاصة بعد التعهدات التي سمعت من أعلى الجهات بأنه "لا عودة لنظام الخمس والعشرين دائرة (انسوها)"·
ولو أن رئيس الوزراء أو أحمد الفهد الذي يتصرف وكأنه الرئيس الفعلي للوزراء، تقدموا بأي مشروع للعشر دوائر أيا كان ذلك المشروع حفاظا على شيء ولو يسير من المصداقية، لوجدنا لهم عذراً· أما أن تأتي الحكومة بوزرائها الشيوخ والشعبيين بمشروع قانون العشر دوائر ثم تتواطأ مع نوابها في المجلس لإحالته للمحكمة الدستورية فتلك لعبة بائسة مفضوحة ما كان ينبغي أن تقدم عليها ولا يمكن أن تقدم عليها أي حكومة تحترم نفسها مهما بلغ تهافتها·
وهنا نذّكر دون منة بموقف الشعب ومجلس الأمة وما عبر عنه من وفاء وتماسك يسّر عبور أزمة صراع أجنحة الحكم بالتمسك بالدستور، في ذلك الوقت كان الرأي العام والموقف الشعبي موضع التقدير والثناء، واليوم يصبح الشعب نفسه والأعضاء أنفسهم أصحاب وقفة الوفاء والانحياز للمرجعية الدستورية، يصبحون "أصحاب حالة الشحن والتأجيج التي شغلتنا عن باقي أولوياتنا وممارسات انحرفت عن المسار البرلماني السليم تهدد أمن الوطن واستقراره بما انطوت عليه من مظاهر الفتنة والشقاق وهز الثقة بين أبناء المجتمع الكويتي"·
الله أكبر·· ثم لا يلتفت الحكم ويتم تجاهل التحريض والتأجيج من المعارضين لتقليص الدوائر وممارسات صحف قوى الفساد وسراق المال العام وناهبي أراضي الدولة، وتصريحات بعض النواب التي كانت فعلا تؤجج الفتنة، فكيف يكون هؤلاء أصحاب رأي مخلصون وبرلمانيون ديمقراطيون وغيرهم أصحاب شحن وتأجيج وإثارة الفتن·
هل غاب العدل والإنصاف الى هذه الدرجة؟!
إن التجمعات الشعبية الأصيلة التي تصدّرتها طلائع الشباب وضمت الكبار رجالاً ونساء وأمهات، وحتى ما حصل في مجلس الأمة عندما انفجر الغضب استنكارا لموقف الحكومة المخالف للعقل والمنطق، كل ذلك تم بأسلوب وإن كان صاخبا أو عنيفا في تعبيراته لكنه كان سلميا حضاريا، كان ينبغي أن يفتخر بها الحكم لا أن يتضايق منها أو يعتبرها تحديا أو ليّ ذراع أو استضعافا له·
حقيقة الأمر أن الذرائع التي استند إليها الحكم في قراره لا تبرر إطلاقا ما أقدم عليه وزج البلد في أزمة مظلمة، ولو أن الحكم قبل بمشروع الخمس دوائر الذي أوصت به اللجنة الوزارية التي حازت على ثقة سمو الأمير، ما كان ذلك سيعتبر خضوعا أو تراجعا بل قرارا حكيما، إذن كان هنالك مخرج أنسب وأفضل وأكثر توافقا مع الرغبة الشعبية وحل ناجع لتنفيس الاحتقان وعبور الأزمة كما عبرنا أزمة انتقال السلطة·
ومع ذلك ومع كل ما حصل، إذا كان هنالك نية أو رغبة في إزالة حالة الاحتقان وتلافي استمرار حالة المواجهة والتأزم فهنالك مخرج آخر يمكن أن يكون مرضياً لجميع الأطراف ألا وهو إصدار مرسوم أميري بإجراء الانتخابات على أساس الدائرة الواحدة والانتخابات النسبية، وهو مقترح عبرّ معظم النواب من المعارضة أو المحسوبين على الحكومة عن قبولهم له·
الانتخاب النسبي على أساس القوائم أو الترشيح الفردي يعالج مشكلة النسبة والتناسب والعدالة في التوزيع ويقضي على ظاهرة الرشوة والواسطة والتلاعب بجداول الناخبين، والأكثر من ذلك أنه وحده فقط يضمن دخول المرأة للبرلمان التي يصعب تصور حصول ذلك بالنظام الحالي·
فهل يتحرك حكماء الأسرة للدفع بإصدار مثل هذا المرسوم ألا يستحق الشعب الكويتي الوفي ذلك، بدلا من زجه في حالة المواجهة وإدخاله في نفق أزمة مظلمة لا يعلم أحد متى وكيف تنتهي؟!
في اعتقادي أن النواب المطالبين بإصلاح الدوائر سيقبلون ذلك فهل يقبل الحكم؟