بقلم: أحمد النفيسي
عندما قيل للزعيم البريطاني ونستون تشيرتشيل بأن الفساد قد عم الكثير من مؤسسات الدولة سأل محدثه قائلا: وماذا عن القضاء؟ فأجاب بأن القضاء البريطاني بخير، فرد تشيرتشيل: إذاً بريطانيا بخير·
الحكم الذي أصدرته المحكمة الدستورية يوم الاثنين 30 أبريل 2006 بإلغاء قانون التجمعات باعتباره قانونا مناقضا لنصوص الدستور هو حكم تاريخي بكل المقاييس وهو يشكل معلما أساسيا في طريق تطور ونهضة البلاد ويأتي بمرتبة الحدث الثاني على هذا الطريق بعد صدور دستور عام 1962·
قالت المحكمة في شرحها لحيثيات الحكم بأن الدستور عهد للقانون تنظيم حق الاجتماع، قاصدا ضمانهُ وأن يكون أسلوبا قويما للتعبير عن الإرادة الشعبية من خلال الحوار العام وأنه لا يتصور أن يكون قصد الدستور إطلاق سلطة الدولة في إخفاء الآراء بقوة القانون أو منحها سلطة وصاية تحكيمية على الرأي العام أو تعطيل الحق في الحوار العام·
صدر هذا القانون عام 1965 كواحد من ثلاثة قوانين مناقضة للدستور وهي بالإضافة إليه تعديل قانون المطبوعات بتمكين الحكومة من التعطيل الإداري للصحف وقانون الوظائف العامة بحقها في عزل الموظفين إداريا تحت ذريعة "المصلحة العامة" مما أدى الى استقالة نواب القوى الوطنية الديمقراطية من عضوية مجلس الأمة وهم: د· أحمد الخطيب وجاسم القطامي وسامي المنيس ويعقوب الحميضي وسليمان خالد المطوع وعبدالرزاق الخالد وراشد التوحيد وعلي العمر، ثم عدل القانون مرة أخرى بمرسوم بقانون في أكتوبر عام 1979 أثناء الحل غير الدستوري لمجلس الأمة وتعليق الدستور حيث حظر التعديل الاجتماعات التي يحضرها أو يستطيع حضورها 20 شخصا وشمل ذلك الدواوين، وطبق أول ما طبق على ديوانية الاثنين للقوى الوطنية الديمقراطية التي شرفني الأخوة بنقلها الى سرداب منزلي بعد إغلاق نادي الاستقلال، حيث هُدد بالمداهمة وتفتيش المنزل إذا استمرت جلسات الديوانية·
ومنذ ذلك الحين ظل هذا القانون سيفاً مصلتاً على حريات الناس التي ضمنها الدستور واستخدم في مناسبات عدة أبرزها فض تجمعات الدواوين أيام الاثنين المطالبة بعودة العمل بالدستور عام 1990·
والآن جاء حكم المحكمة الدستورية ليلقي هذا القانون الجائر الى الأبد في مزبلة التاريخ، ووقف القضاء الكويتي شامخا ورأسه فوق السحاب ورفع معه رؤوسنا جميعا·
إنه لمن حسن الطالع حقا أن يكون حكم المحكمة الدستورية التاريخي هذا هو أول حكم تصدره باسم صاحب السمو أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد مما يجعل شعبنا يتطلع بأمل كبير لم يمتلئ به صدره منذ عقود من الزمن بأن ينجر مع الإنجاز التاريخي للقضاء قانون تقليص الدوائر الانتخابية الى خمس دوائر· وبذلك يضع عهد صباح الأحمد الكويت على طريق نهضتها الكبرى في زمن مفصلي من تاريخ الكويت·
إن حدث ذلك فإن أبناء الكويت سيلقبون الشيخ صباح الأحمد بأبو الإصلاح مثلما يسمون الآن عبدالله السالم بأبو الدستور·
وسنستطيع أن نقول مع تشيرتشيل والثقة تملؤنا بأن الكويت بخير·
أما أنتم يا قضائنا الأجلاء فلا نستطيع·· لا نستطيع أن نعبر عما نكنه لكم من عرفان وتقدير·