· الإرهاب لادين ولاجنسية ولاوطن له
· تطوراتنا في حقوق الإنسان مجرد إرهاصات
· الماركسية والليبرالية رضعتا من ثدي واحد في مفاهيم الحريات
· الإسلامولوجيا هو استخدام الإسلام ضد الإسلام وتحويله إلى أيديولوجيا لاتقبل الحياة
· حرية البحث العلمي في النجف أكبر منها في أكسفورد
· يجب استخدام العقل لتطبيق التعاليم الإسلامية في سياقها التاريخي
· الحداثة في الشعر هي الوجه الإيجابي للعولمة
أجرى الحوار فراس حسين:
ضمن زيارة قصيرة استغرقت ثلاثة أيام· استطاعت "الطليعة" أن تجري حواراً مطولا مع المفكر والباحث في القضايا الاستراتيجية العربية و الدولية د· عبد الحسين شعبان·
وتنوعت ميادين الحوار مع المفكر العراقي بناء على فقهه الكبير بكثير من الجوانب الثقافية بجانب تحليلاته السياسية والتي وضعناها كبوابة رئيسية لمحور المقابلة·
د· عبد الحسين شعبان أديب وناقد يدعو للحداثة و التجديد قبل أن يكون قانونياً وسياسياً ومحللاً استراتيجياً معروفاً، وحاز على وسام وجائزة أبرز مناضل لحقوق الإنسان في العالم العربي لعام 2003، كما ساهم بفكره الغزير بترك ثروة كبيرة من المؤلفات والبحوث في المكتبات العربية·
وفي حوارنا مع المفكر العراقي تطرقنا لرؤيته المستقبلية لأحوال المنطقة بدءا من العراق وقضاياه الثقيلة وانتهاءً إلى حال المنطقة في ظل الملف النووي الإيراني· كما استوضحنا منه مصطلحاته الحديثة التي أثمرت من شجرته النقدية للتطرف الديني·
واستقصينا رأيه الصريح كمناضل في حقوق الإنسان حول حكم إعدام الطاغية مؤخرا· لنخرج في نهاية المطاف من الميدان السياسي إلى الميدان الفكري و الأدبي بأسئلة متنوعة حاولنا أن نكتشف بها سر مفاتيحه الفكرية والثقافية، لنضع هذا الحوار بين أيديكم على حلقتان بدأناها بالجانب السياسي الاستراتيجي أولاً، والآن بالجانب الفكري الثقافي·
· حاربت التطرف الديني وأطلقت عدة مصطلحات أبرزها "الإسلامولوجيا" هل لك أن توضحها؟
- نعم حاربت "الإسلامولوجيا" و"الإسلاموفوبيا"· و"الإسلامولوجيا" هو استخدام الإسلام ضد الإسلام - أي تحويل الإسلام الى "إيديولوجيا" - أي تحويل التعاليم الإسلامية السمحاء مثل كل دين الى عقيدة جامدة مانعة صماء لا تقبل الحياة و لا تقبل التكيف مع الحياة·
وهذا الأمر يمارس في العراق وفي جميع الدول العربية والإسلامية، ويحول كل ما هو حياتي ويومي وآني إلى مقدس وسرمدي لا يمكن المساس به، في الوقت نفسه نرى تعاليم الدين سمحاء منفتحه ومرنة أيضا·
هناك آيات قرآنية على سبيل المثال ينبغي أن تأخذها بسياقها التاريخي وإلا ستتحول إلى شيء ضد التطور والحياة· ويجب أن نستخدم العقل - الذي هو هبة ربانية - لمعرفة كيفية تطبيق التعاليم الإسلامية في سياقها التاريخي· يقول الإمام علي: (لا تعلموا أولادكم على عاداتكم، فقد خلقوا لزمان غير زمانكم)· تبدل الأحكام بتبدل الأزمان، فعندما يتبدل الزمان يجب أن تبدل الحكم، وعندما تظهر حقائق جديدة في العلوم لا بد أن تأخذها بنظر الاعتبار ونكيف التعاليم الدينية بما ينسجم مع قضية التطور، لأن الدين ديناميكي عصري حضاري متطور منسجم مع الحياة وليس ضد الحياة والحداثة·
أما "الإسلاموفوبيا" فهي النظرة الغربية الجاهزة التي تتهم السلام بالإرهاب، و"الإسلاموفوبيا" هي جزء من "الزينافوبيا" وهي كراهية الأجانب - الرهاب من الإسلام - كراهية الإسلام - وتلك النظرة قصدية وإكراهية من بعض القوى المتنفذة في الغرب سواء كانت سياسية أو إيديولوجية تريد أن تزج العالم الإسلامي في نطاق "الإسلاموفوبيا" لتعزله ولتطوعه باعتباره خطرا قائما بعد انهيار الشيوعية الدولية·
النظرة الحقيقية للإسلام هو أنه دين مثل باقي الأديان، وإذا كان هناك متطرفون في الإسلام فهناك متطرفون في اليهودية وأيضا في المسيحية، وإذا شهدت المنطقة العربية بعض الإرهابيين فهناك منظمات إرهابية قامت في الغرب مثل منظمة "بايدرمانهوف" ومنظمة "الألوية الحمراء" ومنظمة "باسك" الإسبانية و"الجيش الإيرلندي"، علما بأن ظروف منطقتنا تختلف عن ظروف المناطق الأخرى، فبلداننا تعيش تحت الاحتلال وتستلب، ففلسطين تعيش تحت الاحتلال منذ سته عقود من الزمان·
وللعنف أسباب تخلقه مثل تفاوت الثروة والأمية والتخلف والديكتاتوريات والتهميش وعدم الاعتراف بدورالأقليات، كل ذلك ينمي البيئة الحاضنة للإرهاب·
فالإرهاب لا دين ولا جنسية ولاوطن له· والإرهاب ممتد لا جغرافية له، والعنف يمارس في كل مكان· لماذا الأمر مقتصر على المسلمين و العرب؟!
· (حقوق الإنسان)، تبحث عن تجديد فهم قضايا في الساحة العربية هل هناك استجابة بشكل يرضي طموحك؟
- لا شك هناك تطورات حصلت - على الأقل على الصعيد النظري - هناك إرهاصات جرت في المنطقة العربية استجابة للتطور الدولي وبضغط أحيانا من الغرب، وهنا توجد جدلية ما بين الإصلاح من الداخل أو من الخارج، وأنا مع أي إصلاح شريطة أن يستجيب هذا الإصلاح لمصالح الشعب ومصالح التطور والتقدم ولاحترام حقوق الإنسان - حينها - سيكف مثل هذا الإصلاح من أن يكون لمصلحة الخارج أو جهات متنفذة في المجتمع الدولي· وسنكون معنيين بالضغط على الحكومات من أجل تحقيق إصلاحات داخلية قبل أن ياتي الإصلاح خارج إرادتنا عاصفا ومدويا ويحصل المحظور، وعلى الحكومات أن تفهم أنها إذا امتنعت أو عرقلت أي خطط للإصلاح الداخلي ستضطر لاحقا الى أن تستجيب لإصلاحات قد تكون بتدخلات خارجية تلحق ضررا بحاضرومستقبل هذه البلدان وبمستقبل الأمة العربية·
· كيف جمع د·شعبان بين الدراسات القانونية والسياسية والمناضلة لحقوق الإنسان والإبداع الأدبي؟
- يكمن السر في البيئة، فمدينة النجف مدينة حاضنة وتجمع الكثير من الروافد و السواقي التي تشتبك في جميع هذه الأمور، لدينا في النجف يقال الشعر في الأفراح والأتراح· الخباز يقول الشعر، وصاحب المقهى يقول الشعر، كذلك رجل الدين، وتجده أيضا يقدم مع الزاد اليومي من اللبن والتمر البرحي· وقبل مئتي عام كان عدد سكان النجف ثلاثة آلاف فقط وكان عدد الشعراء مئتي شاعر لك أن تتصور ذلك·
النجف تجمع المتناقضات· العوائل الدينية معظمها يسارية ومدينتنا منغلقة من ناحية الشكل لكنها منفتحة على الفكر التقدمي بشكل لا حدود له، سألت الجواهري في مرة من المرات كيف استطاع أن يتعرف على أفكار ثورة أكتوبر وأن يؤيد البلشفية - بهذا المعنى - قال: كنا نأخذ المجلات التي تأتي الى النجف مباشرة من سورية ولبنان ومصر ولا تصل إلى بغداد·
والمدينة شهدت جدلا حتى بدايات القرن الماضي، ما بين المشروطة والمستبدة وكان الميل النجفي أقرب الى المشروطة - أي دولة مقيدة بدستور أي ملكية دستورية - بينما المستبدة هي دولة ملكية مطلقة·
وكانت الجامعة النجفية مشجعة على الجدل والحوار وقبول الرأي الآخر، وحتى تتم تعليمك في جامعة نجف العلمية التي قال عنها د·محمد فاضل الجمالي رئيس الوزراء العراقي الأسبق في محاضرة له عام 1957 في جامعة أكسفورد حين أجرى مناظرة بين حرية البحث العلمي في أكسفورد وفي النجف، وتوصل الى حقيقة مثيرة ومدهشة وهي أنها في نجف أكبر من أكسفورد· حيث يتطلب من طالب العلم في النجف أن يقدم أطروحتين في إحداهما يؤيد ويدعم ويفسر وفي الأخرى يعارض ويناقض ويفند، فيما يقدم الطالب في أكسفورد أطروحة واحدة·
والكثير ممن درسوا في المدرسة النجفية الدينية توجهوا وجهة أخرى لا دينية، مثل العلامة حسين مروة الذي درس في نجف أربعة عشر عاما ثم قرر أن يترك الدراسة الدينية الفقهية وكتب مقالا في مجلة الهاتف قال فيها: (لقد خلعت عمامتي ورميتها في الكناسة، لقد تعرفت على ماركس في النجف) وأصبح من المنظرين الشهيرين في الحركة الماركسية العربية· كذلك العلامة محمد شرارة والد حياة شرارة·
· كأديب وصديق لأبرز الشعراء الكلاسيكيين "الجواهري" هل نعتبرك من دعاة الحداثة في الشعر العربي؟
- الجواهري شكل الحلقة الذهبية الأخيرة في الشعر الكلاسيكي، حاول أن يقدم صور حديثة بتعابير كلاسيكية، وشكل محطة من محطات الشعر الكلاسيكي التي استشرفت أبعادا فلسفية حداثية·
وشكل الجواهري بيئة جدل أيضا، بجانب سعد يوسف وأودونيس ومحمود درويش هم من كبار الشعراء العرب، مثلوا القصيدة الحديثة والكلمة المموسقة ذات الدلالة والصورة الجمالية·
وتعتبر الحداثة جزءا من العولمة لكنها الوجه الإيجابي المشرق منه، وعلينا أن نعولم حقوق الإنسان والثقافة أيضا·
· أين أنت من الماركسية التي كنت من أبرز دعاتها في العراق؟
- أشعر الآن أنني أقرب إلى الماركسية من السابق· الماركسية غير الرثة - غير البالية وغير التقليدية - الماركسية التي تقبل التطور التاريخي وليست عبارة عن نصوص مقدسة لا يمسها الباطل، وبمعناها الذي يقبل فكرة المنهج والجدل، وبالمناسبة الماركسية رضعت من ثدي واحد مع الليبرالية خصوصا في مفاهيم الحريات - والحرية تعني الضرورة - فضاء الحرية شكل بالنسبة "لروسو" وفيما بعد "لماركس" مشترك إنساني - هذا ما نبحث عنه وعلى الماركسيين العرب أن يقدموا نقدا ذاتيا، وأن يتعلموا من تاريخهم ودينهم وحضارتهم، لا أن يستعيروا النصوص الصماء ويحاولوا أن يلووا عنق الواقع ليوظفوها على طريق سيريول بروست، عليهم أن يستنبطوا من الواقع ما ينسجم مع هذه الأحكام والتعاليم الحية ذات الوجه الإنساني والتي تبحث عن العدالة الاجتماعية، وهذه القضية ستبقى قضية كونية إلى نهاية الوجود·
* * *
فقه التسامح في الفكر العربي والإسلامي
أهدى د·عبد الحسين شعبان نسخة من كتابة الأخير "فقة التسامح في الفكر العربي الإسلامي" للدكتور أحمد الخطيب ضمن زيارته للطليعة·
وتدور الفكرة الأساسية في هذا الكتاب حول التسامح في الفكر العربي - الإسلامي "الدولة والثقافة"، فيبحث في فصله الأول في موضوع "الرهن والتاريخي في مسألة التسامح" ويطل على الغرب وفكرة التسامح خصوصاً بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 الإرهابية التي حصلت في الولايات المتحدة، وتأثيراتها السلبية وانعكاساتها الخطيرة على حال حقوق الإنسان في العالم أجمع، وبخاصة على العالمين العربي والإسلامي وبالتحديد بعد الحرب على أفغانستان والعراق·
وفي القسم الثاني من الفصل الأول تم تناول جذر فكرة التسامح عبر فلسفة التنوير، كأساس للمقارنة والاسترشاد حين بحث الفكرة في الإسلام ومقابلها في حياتنا المعاصرة·
أما الفصل الثاني فإنه يتناول "التسامح والفقه الدولي المعاصر"، وتوقف عند الأمم المتحدة وفكرة التسامح وإعلان اليونسكو والتسامح، وبحث في إشكاليات ومعنى التسامح على المستوى الدولي·
وخصص د·عبد الحسين شعبان الفصل الثالث لمناقشة مسألة "التسامح في الفكر العربي- الإسلامي"، فقدم هذا الفصل بدراسة أولية لمسألة "اللاعنف والتسامح في المسيحية" التي هي أقدم من الإسلام سعياً للبحث عن المشترك الإنساني وتمهيداً لدراسة التسامح في الإسلام، وذلك من خلال تناول ثلاثة مباحث: الأول يتعلق بالتسامح والإسلام السياسي، والثاني يتناول الشريعة الإسلامية والتسامح، والثالث يدرس جذر التسامح والتوثيق العربي-الإسلامي من خلال حلف الفضول ودستور المدينة وصلح الحديبية والعهدة العمرية ووثيقة فتح القسطنطينية·
أما الفصل الرابع فإنه موقف على البحث في السيرة المحمدية بتقديم نماذج من التراث والمعاصرة، فيه تم بحث الأصول في التسامح لدى النبي محمد (ص) وتم التعرض لموقفين متناقضين للفكر العربي- الإسلامي المعاصر من التسامح·
أما الفصل الخامس فدرس "الخطاب العربي-الإسلامي المعاصر بشأن التسامح" حيث عرض آراء وأفكار بعض المصلحين العرب والمسلمين منذ أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، عبر إطلالة على الفكر الديني والليبرالي·
وجاءت كلمة الناشر في ظهر الكتاب - المطران جورج خضر:
"يقيم الدكتور عبد الحسين شعبان في الإسلام إقامة المؤمن وإقامة المؤرخ (···) لا "يخترع" إسلامه ولا يبتدع· هو لا "يعصرن" القرآن ولا يسقط عليه أفهومات ليست منه بل يأخذ نفسه بما فيها من حداثة إليه، وهذا ليس بالتوفيقية الرخيصة، إنه سعى إنسان يفتح عقله المجبول بالحضارات ليتقبل النور الإلهي الذي يقذفه الله فيه·
هذه محاولة لا ادعاء فيها ليكون الكاتب هو إياه، أي باحثاً أكاديمياً، وعالماً في القانون الدولي والعلاقات الدولية وحقوق الإنسان والإسلام· ولعل الجانب الأعمق وجدانياً أنه ينتمي إلى عائلة دينية عريقة لها موقع متميز في سدانة الروضة الحيدرية للإمام علي في النجف الأشرف منذ قرون".