غزة - خاص بـ "الطليعة":
أضافت الأيام القليلة الماضية التي صعدت فيها حركة فتح ومسلحوها مواجهتها المتواصلة للحكومة الفلسطينية منذ اللحظات الأولى لفوز حماس في الانتخابات التشريعية، بعدا جديدا الى المواجهة، وهذه المرة بالقيام بقطع الطرقات بالقوة المسلحة وشل الحركة في قطاع غزة المعقل الرئيسي لحركة حماس، إلا أن هؤلاء الذين وصفهم أحد الباحثين الفلسطينيين باسم "عصابات قطاع الطرق" التي تختفي أمام الاجتياحات الإسرائيلية، وتظهر فقط في أوقات القمع والضغط تأييدا لنهج "أوسلو" الذي تآكل فلسطينيا بعد أن ظل زمنا ذريعة للمزيد من التنازلات عن الحقوق قطعة قطعة، لا يقطعون فقط طرق السير أمام المواطنين الفلسطينيين ويعرقلون عمل الحكومة الفلسطينية التي تجاهد منذ أوائل العام 2006 لتتنفس يوما واحدا ولا تترك لها الفرصة، بل يقطعون الطريق على الآفاق السياسية التي حركها وجود حماس في السلطة أي خلق حكومة فلسطينية تشارك فيها كل القوى الفلسطينية بعد أن عاش الفلسطينيون طيلة أكثر من 30 سنة تحت هيمنة عقلية التفرد والاستبداد الذي انتهجته عصبة فتح، وواصلته في الأراضي الفلسطينية المحتلة·
الصراع الفلسطيني - الفلسطيني الذي شهدنا في الأيام القليلة وصوله الى ذروة القتال المسلح حين تدخلت قوات وزارة الداخلية لقمع قطاع الطرق من الأجهزة الأمنية التابعة لفتح ولرئيس السلطة أبو مازن، وقد تم تزويدها بأسلحة أمريكية هجومية بإذن إسرائيلي علنا إعدادا لانقلاب بالقوة على الحكومة الفلسطينية، ليس مجرد صراع على السلطة، بل هو بالدرجة الأولى صراع بين نهجين، أحدهما معلن وصريح تتبناه الرئاسة الفلسطينية، محوره الخضوع للشروط والمطالب الإسرائيلية بلا قيد ولا شرط، كما كان دأب هذه السلطة، أي التوقف عن كل أشكال المقاومة، حتى الكلامية، والاعتراف بأن الاحتلال الإسرائيلي الذي لا يقف عند حدود مشروع بلا نقاش، إضافة الى اعتبار كل اتفاقات التعاون والإذعان التي وقعت عليها سلطة "أسلو" نصوصا "مقدسة، لا تمس، حتى وإن رماها الإسرائيلي في سلة المهملات، النهج الآخر، هو النهج المقاوم الذي يمتلك شىئا يطالب به على الأقل، وهو ضرورة أن يحصل الفلسطينيون على الاعتراف بوجودهم كشعب صاحب قضية، وأرض محتلة·
الصراع بين هذين النهجين اتضح منذ الأيام الأولى لظهور نتائج، الانتخابات الفلسطينية، إذ حملت الى السلطة حركة المقاومة الإسلامية حماس بأغلبية ساحقة، وأبعدت رموز ما يعتبره الفلسطينيون واختبروه عن حق الفساد والإفساد للحياة السياسية والأخلاقية والاجتماعية للمجتمع الفلسطيني، إلا أن القليل من المراقبين كان قد انتبه الى أن عناوين الفساد المالي والأخلاقي الذي اتسمت به حكومات سلطة أوسلو المتوالية منذ العام 1992، كانت في الحقيقة عناوين نهج "سياسي" مدعوم إسرائيليا وأمريكيا وعربيا، ولهذا لم يكن غريبا أن تجد هذه الرموز الفاسدة على كل صعيد دعما إسرائيليا وأمريكيا وعربيا من عدة أطراف عربية لا تخفي أنها تقف الى جانب إسرائيل وحصارها للحكومة الفلسطينية، وتساهم في تشديد الضغوط النفسية والمادية على الشعب الفلسطيني· والمتتبع لما يحدث منذ يناير الماضي، يكتشف أن الرئاسة الفلسطينية التي ضمت تحت جناحها كل رموز السلطة الفاسدة السابقة التي لفظها الناخب الفلسطيني بكل جرأة، سارعت منذ الأيام الأولى الى الاستيلاء على السلطات الأمنية والإعلامية والسياسية والمالية وفرض رجالها على معابر الحدود مع مصر، وطوقت الحكومة الفلسطينية من الداخل ولا تزال، آملة أن يؤدي كل هذا الى سقوط حكومة حماس إما يأسا أو تسليما بواقع يراد له أن يظل واقعا مهزوما لصالح الرئاسة وحكومتها الخفية وسلطات الاحتلال· إلا أن الأشهر الماضية أظهرت أن اليأس والتسليم لا مكان لهما بالنسبة لحركة مقاومة يدعمها شعب يعرف من الذي يقف وراء تجويعه وحصاره، وتعلمه تجربة طويلة كيف يقاوم الجوع والحصار والقتل، من هنا يمكن أن يفهم التصعيد الأخير، وباستخدام القوى "الأمنية الرئاسية" المسلحة والموالية لعصبة فتح بدخول عنصر جديد على الموقف· هو العجلة التي تظهرها حركة الحلف الإسرائيلي - العربي الأخير والذي يضم حكما كماهو واضح من التنقلات والضغوط على الحكومة الفلسطينية، الرئاسة الفلسطينية بلا مواربة· فهل صدرت الأوامر إذن بالتحرك للانقلاب بالقوة المسلحة أخيرا، وبعد انتظار عدة أشهر تم فيها إعداد ما تسمى "قوات التدخل" الرئاسية وتجهيزها؟
الأمر المرجح أن أحداث الأيام القليلة الماضية ليست إلا بداية لهذا التحرك تحت ذريعة الرواتب المتوقفة وهي ذريعة إن كانت تبرر للموظفين والمدرسين الفلسطينيين الاحتجاج، إلا أنها لا تبرر احتجاج "قوى أمنية" قمعية تقبض رواتبها مباشرة من الرئاسة الفلسطينية التي وضعتها تحت امرتها منذ مجيء حماس الى السلطة ومدتها بالأسلحة والأدوات القمعية، وهي رئاسة من المعروف أن سيل الأموال لم ينقطع عنها لحظة واحدة من كل الجهات لتمويل حربها "المقدسة" في سبيل إسقاط آخر بندقية فلسطينية مقاومة·